strong>أحمد بهاء الدين شعبان *
منذ أن طرح «الإخوان المسلمون» مشروع برنامج الحزب الذي قدّموه للمجتمع المصري، لم يتوقف الجدل الممتدّ والمتشعّب والحادّ. ويحتاج الإلمام بسياق هذا البرنامج، إلى التوقّف عند مجموعة من الوقائع الهامّة، وصولاً إلى اللحظة الحرجة الراهنة. لقد سبقت طرح «الإخوان» لبرنامجهم، ومهّدت له، ثلاث محطّات على درجة كبيرة الأهمية، بل والخطورة، وهي: الانتخابات النيابية ونتائجها. فالحراك السياسي الكبير الذي شهدته البلاد طوال عامي 2004 و2005، والملابسات الدولية المحيطة، دفعا الرئيس حسني مبارك إلى طرح بعض «التعديلات الدستورية»، أهمّها تبديل نظام انتخاب رئيس الدولة من الاستفتاء (الذي كان إجراءً شكلياً باستمرار) إلى الانتخاب (الذي ظل أمراً صورياً كذلك). وعلى خلفية هذه التعديلات أجريت آخر انتخابات لمجلس الشعب خرج منها «الإخوان» أكبر الفائزين.
ففيما منيت الأحزاب «الرسمية» بتراجع ملحوظ، وانتكس «الحزب الوطني الديموقراطي»، جهاز السلطة، انتكاسة كبيرة، حصدت «الجماعة» ثمانية وثمانين مقعداً من أصل 440 مقعداً جرت المعركة حولها.
والمؤكّد أن هذا الحراك الذى شهدت خلاله شوارع القاهرة وعواصم المحافظات، ولأوّل مرة بهذا الزخم، تظاهرات تطالب بتغيير النظام، وتعترض على مدّ أجل بقاء مبارك على كرسي الحكم لفترة خامسة، وعلى الاتجاه لتوريث السلطة إلى النجل جمال، لم تكن الجماعة هي التي صنعته، أو أدّت فيه الدور الرئيسي، بل كان المبادر به، والمؤثّر الرئيسي فيه، الحركات الاحتجاجيّة الجديدة، التي اصطلح على تسميتها «كفاية» و«أخواتها». غير أن «الجماعة» ـــــ وهي الأفضل تنظيماً من الجميع، والأشدّ التصاقاً بالقواعد الشعبية، والأكبر إمكانات من كل الأحزاب والقوى المعارضة (بعض المرشحين صرفوا على حملاتهم الانتخابية ما يقرب من عشرة ملايين جنيه، في كل دائرة من الدوائر التى جرت فيها وقائع الانتخابات)، والتي بدت بمثابة «البديل» الوحيد المتاح، والذي لم يُجرب بعد، للخلاص من عفن النظام وفشله وفساده ـــــ استطاعت أن تنتزع هذا النجاح «من فم الأسد»، أي السلطة المتشبثة بالحكم، أو من يشاركها فيه والتي لا تريد بأي حال أن تفقد ميزاته الضخمة وعوائده الهائلة، قد تركت لها الباب موارباً حتى تدخل المصيدة بقدميها، لغرض في نفس يعقوب سيبدو جلياً فيما بعد! ولقد كان لهذا الانتصار المدوّي أكثر من مردود هام وعلى أكثر من صعيد:
ـــــ أوّلها، وهو الأخطر، أنّ الجماعة داخلها غرور قاتل بأن السلطة «قاب قوسين أو أدنى»، وبدأت تخطئ بالتصرف وفق هذا الوهم، فأطلق بعض قادتها من العناصر «المنفتحة»، المشهود لها بالحنكة السياسية، تصريحات أقلقت قطاعات نافذة في المجتمع، مثل الدكتور عصام العريان الذي ذكر أنّ «التيار الإسلامي قد وصل إلى سدّة الحكم في فلسطين، وعلى أبواب الوصول في المغرب، والمحطّة الثالثة ستكون مصر»... لقد دقّت هذه التصريحات، التي صدرت عن عناصر من قادة «الإخوان» توصف عادة بـ«الاعتدال»، فضلاً عن تصريحات جناح «الصقور» في «الجماعة» وتصرفاته، أجراس الإنذار في مسامع الأعداء والخصوم والمتربصين والمتخوفين والمتحفظين... دفعة واحدة!
ـــــ وثانيها أن النظام، الذي أدار المعركة مع «الإخوان» بكلّ طاقاته وإمكاناته، استغلّ ببراعة يحسد عليها ما حقّقوه في المعركة الانتخابية للضغط على الأميركيّين والأوروبيّين، حتى يكفّوا عن مطالبته باحترام حقوق الإنسان والاستجابة لمطالب الرأي العام المصري في تحقيق الديموقراطيّة، واستخدم فزّاعة «الأصوليّين»، الذين بالغ بقوتهم، وصوّرهم بأنهم يدقّون أبواب مصر وعلى وشك التهامها، في إثارة ذعر الولايات المتحدة والغرب من أي تغيير ديموقراطي يحدث في مصر، لأن معناه سقوطها بعد فلسطين في أيدي «المتطرّفين» الإسلاميّين.
ـــــ وثالثها، أن هذا « الإنجاز» البرلماني غير المسبوق، قد سبب صدمة عنيفة لأقباط مصر، وساعدت تصريحات مستفزّة، كان قد أطلقها قادة بارزون في الجماعة، منهم المرشد الراحل مصطفى مشهور، الذي قال إنهم «أهل ذمة»، غير مؤهلين لخدمة العلم، ويعفون من الخدمة العسكرية مقابل «بدل نقدي»، والمرشد العام الحالي محمد مهدي عاكف، الذي سخر من دواعي قلقهم ولم يُبد اكتراثاً لتوجّسهم من مستقبل يكون فيه للإخوان دور الحاكم في البلاد. وهو ما دفع مفكراً بارزاً مثل الدكتور ميلاد حنا، إلى التهديد بأن «أقباط مصر سوف يهاجرون منها إذا وصل الإخوان المسلمون إلى سدّة الحكم»، ودفع آخرون إلى المطالبة بـ«حزب للأقباط» أو جماعة لـ«الإخوان الأقباط» أسوة بجماعة «الإخوان المسلمين». كذلك حرم هذا الموقف قوى التغيير في المجتمع من طاقة أقباط مصر الضخمة، وألقى بمياه قبطية كثيرة في طاحونة النظام، جراء وهم أنه هو الذي يحميها من غول «الأصولية» الإسلامية التي تهدّد وجودهم وعقيدتهم!

«معركة الحجاب»

وقبل أن تضع هذه المعركة أوزارها، بدأت في التصاعد مخاوف قطاعات واسعة من «المجتمع المدني»، على أساس الشعور العام بالخطر من وعود «الإخوان» المستقبليّة ورعودهم. فقد استغلّ ممثلوهم البرلمانيون وكوادرهم السياسية ملاحظة لوزير الثقافة، فاروق حسني، عن حجاب إحدى الصحافيّات، لإقامة الدنيا، وتسيير التظاهرات الحاشدة، وإشعال نار «الحرب المقدّسة». ونافسهم في إذكاء أوزارها حزب السلطة، الذي زايد على الجميع، عضوه البارز، أحمد عمر هاشم، رئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب، باعتبار أن قضية الحجاب «مسألة أمن قومي لمصر، يحظّر المساس بها».
لقد أثارت هذه الموقعة (ومواقع أخرى شبيهة بشأن بعض مشاهد الأفلام السينمائية، وملابس بعض الفنانات وبعض الأغاني والكتب التي طولب بإخضاعها للرقابة والمساءلة، والتي أثارها نوّاب الإخوان في مجلس الشعب) القلق من المستقبل والخوف على «الدولة المدنية» بين النخب الثقافية والفئات «الحداثية» في المجتمع، وهي فئات قد تكون محدودة العدد نسبياً، لكنها واسعة النفوذ، بالغة التأثير، وتضمّ قطاعات مهمّة من كوادر الطبقة الوسطى التكنوقراطية والبيروقراطية والمثقّفين ورجال الأعمال وجماعات حقوق الإنسان والأحزاب المدنية... وقد جاءت هذه التطورات في اتجاه يقضم من حساب «الجماعة المحظورة»، (التي أصرّ النظام على وصفها بهذا الاسم، حتى يفصلها عن المجتمع ويحاصر تأثيرها داخله)، وأشاعت الريبة في موقفها الحقيقي، أو المبطَّن، من مسألة الديموقراطية والتغيير السياسي في البلاد، ومنحت خصومها صدقية تسوّغ عداوتهم لها، وتبرّر رفضهم لمساعي دمج من سمّتهم «المتأسلمين» في الحياة السياسية المصرية، للخروج من أزمة التحوّل الديموقراطي المستحكمة، على أساس قواعد الدولة المدنية ومتطلّباتها وشروطها.

ميليشيا عسكرية إخوانيّة!

لكن المحطّة الأكبر في هذه الممهّدات أتت على قاعدة ارتكاب «الجماعة» لخطيئة قاتلة، جاءت هدية من السماء للسلطة ولخصوم الإخوان معاً، حيث نظّم منتسبو الجماعة من شباب جامعة الأزهر استعراضاً شبه عسكري، ارتدوا فيه الملابس المموّهة، وغطّوا رؤوسهم بالأقنعة، وربطوا شعرهم بالعصبات التى تحمل شعارات تحضّ على المنازلة وتنادي بالموت في سبيل الإسلام نيلاً لفضل الشهادة، وأخذوا ـــــ أمام عدسات التلفزيون وكاميرات الصحافة، يستعرضون ـــــ بالأسلحة البيضاء ـــــ قدراتهم على القتال والمواجهة. كان هذا الأمر أقسى مما يمكن احتماله بالنسبة لقطاعات كبيرة من المجتمع، حتى من غير أعداء الجماعة، ومنح السلطة زاداً هائلاً في معركتها مع الجماعة «المحظورة» في الداخل والخارج. واستدعى من الذاكرة الجمعية أشباح مرحلة «الجهاز السري» أو «التنظيم الخاص» للإخوان، وعمليات اغتيال الخصوم في الأربعينيات من القرن الماضي (النقراشي باشا، والقاضي الخازندار... وغيرهما من الأعداء، أو من أعضاء الجماعة المتمرّدين أو العصاة!)، بل ومحاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر في أوائل الخمسينيات، وهى مرحلة كان يُظنّ أن الجماعة قد تجاوزتها إلى غير رجعة وطوت صفحتها تماماً، بعدما كبّدتها وكبّدت الوطن خسائر فادحة، دفعت المعارضة جميعها ودفع الشعب ثمنها الباهظ، ولا زال يدفع حتى الآن!
لقد أدّت هذه التطوّرات المتلاحقة إلى إحياء هواجس عديدة من مواقف الإخوان التي كانت قد نجحت إلى حد ملحوظ في إقناع الكثيرين بأنها تجاوزتها، وبالذات في ما يخصّ الموقف من أقباط مصر، ومن المرأة، ومن الإيمان بقيَم الديموقراطيّة والتعدّدية. وعاد الوضع مجدّداً إلى المربَّع الأول، حيث يشهد الواقع انتشار حالة «الخوف من الإسلام الذي انتاب أناساً عاديّين من الطبقة المتوسّطة والمتعلّمة على الأقلّ، فضلاً عن الطبقات الأعلى بطبيعة الحال، وقد سمعت بأذني انطباعات من ذلك القبيل، وأعرف أناساً يصلّون ويصومون فكّروا في مغادرة البلد أو لجأوا إلى شراء بيوت في الخارج، تحسّباً لحدوث «الانقضاض» من التيارات الأصولية والإخوان على السلطة، الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام، على نحو ما يشرحه فهمي هويدي، الكاتب الإسلامي والصديق للجماعة، في عدد 15 كانون الثاني من جريدة «الأهرام».
لقد استغلّ النظام هذه التطورات السلبية في مسيرة «الإخوان»، ومارس ضغوطاً مكثفة لحصار الجماعة ولتوجيه ضربة موجعة إليها، تمثلت في اعتقال المئات من نشطائها وقادتها، وبالذات من أعمدة الجهاز الاقتصادي الذي يدير إمبراطوريتها المالية، وفي مقدمهم المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام، وأحد الرجال الأقوياء في الجماعة. ولم تلق الجماعة تعاطفاً يليق بحجم الضربة التي وُجهها لها الحكم، بعدما أضرّت توجسات المجتمع مما تضمره للبلاد بحجم الثقة فيها، وفي دوافع النزاع بينها وبين السلطة، وجلس الناس بلا مبالاة، ينتظرون من الذي سيكسب الجولة في النهاية.

... والبرنامج أخيراً

وبعد طول تمنّع وتملّص، بل وإنكار أيضاً، صرّح المرشد العام للجماعة، محمد مهدي عاكف «لسنا في حاجة إلى حزب سياسي»، وكان هذا قبل عامين من طرح البرنامج للحوار العام. وعلى هذه القاعدة، وما تضمّنته من صراع وعزلة، وحاجة لكسر الحصار واستعادة التواصل المقطوع مع أقباط مصر، ومثقّفيها، وباقي فئات المجتمع المدني المروَّع، طرحت الجماعة مشروعاً مبدئياً لبرنامج حزب مقترح، على نحو خمسين من المفكرين والسياسيّين والإعلاميّين، لإبداء الرأي، وتسجيل الملاحظات وتقديم النصيحة. وسرعان ما نشر هذا المشروع في وسائل الإعلام، وأصبح محلاًّ لحوار موسَّع بين أطياف النخبة السياسيّة والفكريّة في مصر، وموضعاً لاهتمام مستحقّ في العديد من الصحف والمنتديات الفكرية ومواقع الإنترنت والقنوات التلفزيونية والندوات والأبحاث الأكاديمية.
ويتكوّن المشروع الأوّلي لـ«برنامج حزب الإخوان» من مئة وثمانين صفحة، وينقسم إلى ستة أبواب، عناوينها:
1ـــــ مبادئ الحزب وتوجّهاته. 2ـــــ الدولة والنظام السياسي. 3 ـــــ التعليم والتنمية البشرية. 4 ـــــ الاقتصاد والتنمية المستدامة. 5 ـــــ الدين والمجتمع. 6 ــــــ النهضة الثقافية.
وعلى عكس ما أمل واضعو البرنامج، انصبّت انتقادات المثقّفين والرأي العام السياسي والإعلامي، على ثلاثة مواضيع رئيسية كانت محلّ إجماع بين معظم الذين كتبوا أو تحدّثوا عنه، وهي:
«هيئة كبار العلماء»
تضمّن المشروع في فصله الثالث الخاص بـ«السياسات والاستراتيجيات»، أن «مقاصد الشريعة الإسلامية التي تهدف إلى تحقيق الضروريات والحاجيات والتحسينات في مجال الدين والنفس والعرض والعقل والمال، تمثّل السياسة الحاكمة في تحديد أولويات الأهداف والاستراتيجيات». وأناط المشروع مهمّة تطبيق الشريعة الإسلامية بـ«الأغلبية البرلمانية في السلطة التشريعية»، التي يجب عليها، أي على هذه الأخيرة، أن «تطلب رأي هيئة من كبار علماء الدين في الأمة، على أن تكون منتخبة أيضاً انتخاباً حرّاً مباشراً من علماء الدين، ومستقلّة استقلالاً تامّاً وحقيقياً عن السلطة التنفيذية في كلّ شؤونها الفنية والمالية والإدارية، ويعاونها لجان ومستشارون من ذوي الخبرة وأهل العلم الأكفاء في باقي التخصّصات العلمية الدنيوية، الموثوق بحياديّتهم وأمانتهم، ويسري ذلك على رئيس الجمهورية عند إصداره قرارات بقوّة القانون في غيبة السلطة التشريعية، ورأي هذه الهيئة يمثّل الرأي الراجح المتّفق مع المصلحة العامّة في الظروف المحيطة بالموضوع» (ص 13 من مشروع البرنامج). وقد رفض الأكاديميّون ورجال السياسة، في ما يشبه الإجماع، هذا التصوّر لدور «هيئة كبار العلماء» وتكوينها.

«المواطنة» والموقف من الأقباط

على الرغم من تضمّن مشروع البرنامج العديد من النصوص التي تتكلم على «مبدأ المواطنة» باعتبار مصر، كما جاء في نص المشروع «دولة لكلّ المواطنين الذين يتمتعون بجنسيتها، وجميع المواطنين يتمتعون بحقوق وواجبات متساوية يكفلها القانون، وفق مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص» (ص 15)، إلا أن واضعي المشروع عادوا وانقلبوا على هذا المبدأ، بنصّهم على أنّ «رئيس الدولة أو رئيس الوزراء، طبقاً للنظام السياسي القائم، عليه واجبات تتعارض مع غير المسلم، وهو ما يعفي غير المسلم من القيام بهذه المهمة، طبقا للشريعة الإسلامية». وقد فصّل المشروع هذه الواجبات، التي تمنع غير المسلم، أو المسيحي المصري من تولّي موقعي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء: «حماية الدين وحراسته، حراسة الإسلام وحماية شؤونه والتأكد من عدم وجود ما يعترض الممارسة الإسلامية من العبادة والدعوة والحج... وهي الوظائف الدينية التي تتمثل في رئيس الدولة أو رئيس الوزراء، طبقاً للنظام السياسي القائم» (ص 17).

وضع المرأة

على الرغم من أن تاريخ المرأة المصرية طوال قرن من الزمان عامر بالكفاح من أجل التحرر من القيود، والتخلص من أسر المفاهيم المتخلفة، وتحقيق المساواة، وعلى الرغم من الشوط الواسع الذي قطعته في هذا المضمار حتى احتلت أرفع المناصب، وزيرة، أستاذة جامعية، سفيرة، قاضية... بل وعلى الرغم من إيراد مشروع حزب الإخوان مبدأ المساواة، بأكثر من صيغة، ومنها إقراره بوجوب «عدم التمييز بين المواطنين في الحقوق والواجبات على أساس الدين أو الجنس أو اللون»، فإن واضعي المشروع يقعون في تناقض آخر، بالتأكيد على حرمان المرأة من تولّي منصب رئاسة الدولة، الذي يشترط في من يتولّاه أو يترشّح له «أن يكون مسلماً (ذكراً)، حيث اتفق الفقهاء ـــــ حسبما يقول المشروع ـــــ على عدم جواز تولّيها له» (ص 24).
وقد انتقد المفكّر الإسلامي محمد سليم العوا هذا التوجه، على الموقع الإلكتروني لـ«حزب الوسط» الإسلامي، حيث ذكر أنه في ما يتعلق بموضوع الأقباط والمرأة، ومدى جواز رئاستهم للدولة، «فهذه ليست دولة الخلافة التي منع الفقهاء ـــــ في ظلها ـــــ أن يكون الرئيس غير مسلم، لأنه كان يؤمّ الناس في الصلاة ويعيّن القضاة. فالرئيس هو الذي يأتي بالانتخاب الحر غير المزور، سواء كان رجلاً أو سيدة، عسكرياً أو مدنياً، كفوءاً تأتي به الأصوات. أما أن أحرّم الرئاسة على قبطي أو امرأة، فإن هذا أمر غير متفق مع القواعد الإسلامية قطعاً».

المضمون الطبقي للبرنامج

غير أن أحد أهم مشتملات هذا المشروع، لم يلق عليه الضوء الكافي، وهو مسألة المضمون الطبقي لمشروع برنامج «حزب الإخوان». فدراسة هذا المضمون تفصيلياً تمدّنا بضوء كاشف عن انحيازات الإخوان الاجتماعية، وعن تصوراتهم لحلّ المعضلات التي يرزح الاقتصاد المصري تحتها، وهي تصورات يغلب عليها التبسيط والمعالجة الأخلاقية، فضلاً عن الانحياز لآليات السوق والقطاع الخاص وسيادة الملكية الفردية.
ففي الباب الرابع المعنون بـ«الاقتصاد والتنمية المستدامة»، يؤسّس المشروع لحل مشكلات الفقر والبطالة والتضخم وضعف الموارد واهتراء المؤسسات الاقتصادية للدولة، على مرجعية «النظام الاقتصادي الإسلامي» الذي تتمثّل غايته في عبادة الخالق تبارك وتعالى، عبادة بمعناها الواسع (ص 41). ويرى أن حل مشكلات المجتمع يمكن توفيره من خلال «التكافل الاجتماعي من خلال الزكاة والصدقات التطوعية»، وحيث يكون النشاط الاقتصادي لهذا النظام من خلال السوق الإسلامية، التي تقوم على أساس المنافسة التعاونية، ومن خلال قوى العرض والطلب وميكانيكية الأثمان». ويرى المشروع «أن الملكية الخاصة هي جوهر موضوع الملكية في الإسلام»، رغم عدم الممانعة في وجود دور للقطاع العام والدولة، لا يعدو أن يكون دوراً خادماً للقطاع الخاص و«للمخاطرة بتحمل الكلفة العالية للهياكل الأساسية والمرافق العامة» التي يحجم القطاع الخاص عن الدخول فيها (ص 43)، هذا في بلد يعاني من انهيار تام في اقتصاده وسيطرة فئات فاسدة تقتنص الربح السريع بأي وسيلة، ويجوع أهله!
* عضو مؤسّس في حركة «كفاية»