حسين عقيل
ما لكم تكأكأتم، وبلغت قلوبكم الحناجر، ووقع بعضكم بالحيرة، عندما اجتمع وزراء خارجية العرب في القاهرة، لحل القضيتين اللبنانية والفلسطينية، وقد خلُص الأمين العام عمرو موسى إلى:
انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية اللبنانية فوراً، وحكومة وحدة وطنية لا غالب فيها ولا مغلوب، وقانون انتخابي جديد!
ولنعرف خلفيات اتفاق العرب هذا لأول مرة في تاريخهم، وبهذه السرعة القياسية، وما سر هذه الحماسة لتطبيق القرارات، يجب أن نقرأ بتأنٍّ المعطيات التالية:
أولاً، الجامعة العربية هي مؤسّسة أُنشئت لحل النزاعات بين الدول العربية الشقيقة. إلا أنه منذ تأسيسها في عام 1946 وحتى اليوم، وسّعت الشرخ أكثر بين الدول
العربية.
إذاً، كيف يقدر أمينها العام عمرو موسى على أن يخرج من إطار جامعته، التي هي جزء لا يتجزّأ من مجلس الأمن الدولي المنتخب من جانب أميركا، الذي صنعه اللوبي الصهيوني العالمي، وأن يحل الأزمة في لبنان، وهو الذي لم يحلّ مشكلة أساسية هي سبب ما يعاني منه العالم العربي، وبالأخص، أم الدنيا مصر.
فإذا كانت نية العرب سليمة، وخصوصاً مصر، بممثلَيها عمرو موسى وأحمد أبو الغيط، اللذين عاشا تفاصيل المشكلة اللبنانيّة بزياراتهما المكوكية إلى لبنان، لَطالَبا بتمثيل المعارضة بوفد في مباحثات القاهرة، شأن وفد السلطة البتراء واللاشرعية. أوَليس كان هذا أفضل، اختصاراً للوقت، واستباقاً للفشل المدوّي الذي ينتظرهم في بيروت؟ أم أن عمرو موسى يخبّئ تسوية منحازة، أو هدنة لتلتقط أميركا أنفاسها في العراق، أو دفاعاً عن أولمرت من عاصفة فينوغراد؟
لماذا عندما كانت أوراق 14 شباط قوية، مدعومة من العالم كله، كانت تفشل كل المحاولات والمبادرات والمساعي قبل مناقشتها؟ واليوم عندما انهار المشروع الأميركي، تهافت العرب على الحل، بطريقة ليست ذكية، ولن تخدع المعارضة الحريصة على الوطن والعالم العربي من الوقوع في براثن أميركا وإسرائيل.
نعم ستمرّ الحلول عبر عون بانتخاب رئيس دستوري قوي غير مسيّر ولا يدير الأزمة، منحاز لوطنه وشعبه لا لأميركا أو لمصلحة إسرائيل، وذلك عبر غالبية مجلس النواب اللبناني، لا بالتسوية أو بالنصف + 1. وسبق وجرّبت القوى الوطنية اللبنانية حلول التسوية، كما حصل في عام 1976، عندما أعادت قوات الردع العربية السورية الاعتبار للانعزاليّين، بقرار الجامعة العربية، وفي اتفاق الطائف السعودي عام 1989، برضى أميركا، بجعل لبنان أُلعوبة بيد الآخرين. وستكون حكومة وحدة وطنية فيها ثلث ضامن، لا وزراء متعاملين، أو موالين لغير الوطن، يوقّعون ما تمليه الإرادات الخارجية، دولية كانت أم إقليمية، وبيان وزاري واضح بأن إسرائيل عدوّة وسوريا جارة، وسلاح المقاومة شرعي ومطلوب حتى زوال الخطر الإسرائيلي اليومي عن لبنان.
وسيكون قانون انتخابي ينتخب نواباً ذوي سيادة حقيقية وحرية واستقلال فعليين، لا نواب غازي كنعان، يقرّرون مصير الوطن في الداخل لا في الخارج، بدعم سلاح مقاومته وجيشه الوطني، لا سلاح الآخرين.
كما تمنينا ونتمنى لو أن حل مشاكلنا يكون على يد العرب لمصلحتهم لا لمصلحة الغرب أو لمصلحة بقاء زعامتهم على شعوبهم. ولكَم كانت لاءات قمة الخرطوم الشهيرة: لا للصلح، لا للاعتراف، لا للتطبيع، مع العدو الصهيوني حتى تحرير آخر شبر من الأراضي العربية المحتلة، تشهد على ذلك، وتقف القرارات التالية 194، 242، 338 المتعلقة بعودة المهجرين الفلسطينيين من شتى بقاع الأرض إلى فلسطين المنتهكة، أرضاً وشعباً، والأراضي المحتلة في الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية وحدود 1967، شاهدة حق على زور العرب.
فالقرارات المذكورة آنفاً، أصحابها، منهم مَن مات، والأحياء الذين بقوا نسوا، وجيل اليوم لا يعرفها.