عاموس آلون *
إسرائيل في عهد إيهود أولمرت ليست كما كانت في عهد أرييل شارون، أقلّه من ناحية الجوّ العام. فشارون كان جنديّاً أمضى معظم حياته يقاتل العرب، فيما أولمرت محامي شركات معسول الكلام متخصّص بعقد الصفقات وداهية سياسي. دعم شارون حركة «إسرائيل الكبرى»، أمّا فكرة أولمرت عن إسرائيل، فليست استعادة للرؤية التوراتيّة بل تتمثّل بدولة علمانيّة عصريّة مزدهرة الاقتصاد، منخرطة في حركة التجارة العالمية ووثيقة الصلة بأوروبا، وهو أمر لا ينسجم كثيراً مع الحوار الذي دار بين الله وإبرهيم في العصر البرونزي. تكلّم شارون على صراع طويل وصعب، بينما يقول أولمرت إنّ الإسرائيليّين «تعبوا من الحرب، وتعبوا من الانتصار» (1). وعندما يتحدث عن دولتين هما فلسطين وإسرائيل، كما يفعل غالباً، يستشيظ المتشدّدون غيظاً.
قد يكون أولمرت الزعيم الإسرائيلي الأكثر واقعية منذ 1967، على أمل ألّا يكون وصوله إلى الحكم قد أتى متأخّراً جدّاً. فقد صرّح لبعثة أميركية مؤخّراً، وفقاً لصحيفة «هآرتس»، أنّ «في إسرائيل ربما 400000 شخص يساعدون على استمرار الدولة، قادة في الاقتصاد والعلوم والثقافة. أريد أن أتأكد من أنّهم يمتلكون الأمل، من أنّهم سيمكثون هنا». ومعروف أنّ نجليه يعيشان في نيويورك. هو أول رئيس وزراء إسرائيلي عبّر عن شيء من التعاطف حيال المأساة الفلسطينية، إذ قال في الكلمة التي ألقاها في أنابوليس في شهر تشرين الثاني المنصرم: «لسنا غير مبالين بالمعاناة الفلسطينية». صحيح أنّه في صباح اليوم التالي قُتل ثمانية فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي، لكن يستحيل التغاضي عما يبدو، على الأقل، بداية لتغيير ما. وكان المحرّر اليساري في صحيفة «هآرتس» جدعون ليفي متفائلاً على غير عادته وتساءل إذا ما كان دوكليرك إسرائيلي يظهر هنا.
ادّعى شارون عدم وجود «شريك» للسلام من الجانب الآخر. أمّا أولمرت، فيقول إنّ ثمة شريكاً واحداً الآن هو محمود عباس. ولكن على عكس مطلب عباس باستعادة حدود 1967، يبدو أن أولمرت يريد الاحتفاظ بقسم كبير من الأراضي غرب الجدار الجديد، كما يريد الاحتفاظ بوجود عسكري لم يُحدّد حتى الآن في وادي الأردن، ما سيترك للفلسطينيين أقلّ ممّا يصرّون عليه. كان شارون أحد المهندسين الرئيسيّين للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي الضخم في الأراضي المحتلة حيث يعيش الآن حوالى نصف مليون مستوطن في 226 مستوطنة مرخصة و«غير مرخصة» وفي القدس الشرقية. والقول إنّ هذا المشروع كان خطأً، أقلّه بمقاييسه، يكاد يصبح حقيقة جلية اليوم. كانت القدس بكليتها تُعدّ مركز إسرائيل المقدس الذي لا يمكن المساس به. ولكن في السنة الماضية، مرّ العيد الأربعون لضمّ إسرائيل القدس الشرقية في حزيران 1967 من دون أن يلحظه أحد تقريباً، علماً أنّه تاريخ كثيراً ما جرى إحياء ذكراه باحتفال وطني كبير. يزعم بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين الآن أنّ الخلاف حول القدس قد يكون الأسهل حلاً، إذ تأخذ إسرائيل القطاعات الإسرائيلية في المدينة فيما تأخذ فلسطين القطاعات الفلسطينية. وفي مدينة تتشابك فيها الأحياء الإسرائيلية والفلسطينية إلى هذه الدرجة، يصعب تخيّل الشبكة المعقدة المؤلفة من الطرقات الملتوية الذاهبة في كل الاتجاهات التي يتطلبها هذا التقسيم، شبكة تضم جسوراً لا تعد ولا تحصى وأنفاقاً ومعابر ونقاط مراقبة بين الاثنين. بيد أنّ ذلك ممكن.
في الأسابيع التي تلت مؤتمر أنابوليس، سمعت في إسرائيل كلاماً تطلعيّاً عن القدس كمدينة مفتوحة، عاصمة لكل من إسرائيل وفلسطين، مع أنّ ما من مدينة في العالم تضم في ذاتها عاصمتَين قوميتَين. وجرى كلام حتى مفاده أنّ إسرائيل قد تصبح في النهاية دولة ثنائية القومية على أي حال. ميرون بنفينيستي، أحد القلة القلائل الذين تنبأوا بمسار الأمور، يشير في كتابه الجديد المتصف بجرأة كبيرة Son of the Cypresses: Memories, Reflections, and Regrets from a Political Life (ابن السرو: ذكريات وتأملات وندم من حياة سياسية)، إلى أنّه في غضون عقد من الزمن، قد يمثّل الإسرائيليّون العرب حوالى 25 في المئة من عدد السكان حتى ضمن حدود 1967 القديمة. وقد كتب:
إنّ محاولة محاربة «التهديد الديموغرافي» عبر استقدام المزيد والمزيد من المهاجرين الجدد من كل زاوية نائية على وجه الأرض قد دُفعت إلى حدود قصوى منافية للمنطق... آن الأوان لإعلان نهاية الثورة الصهيونية.
ناهوم غولدمن، الرئيس الأسبق لمؤتمر اليهود العالمي، كان يقول إنّ التباعد بين الإسرائيليين والفلسطينيين يؤجل المحتوم إلى أطول فترة ممكنة. والنتيجة التي وصفها بنفينيستي لا يمكن رؤيتها الآن، لكن استبدال عرفات وشارون بأولمرت وعباس كان أمراً جيداً على الأرجح، فهما رجلان لا يتمتعان بالكاريزما مثلهما ولا بالتوهج نفسه لكنهما عمليان أكثر منهما. ومن المؤسف أن يبقى الاثنان نسبياً ضعيفين ويفتقران إلى الصدقية التامة. لتقوية عباس، يجب على الحكومة الإسرائيلية تجميد بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية والقيام بمجهود حقيقي للتخفيف من الإزعاج والإذلال اليوميين اللذين يتعرض لهما الفلسطينيون في ما أصبح احتلالاً متزايد الوحشية. ولتقوية أولمرت، ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تحقّق تقدماً حقيقياً بالنسبة إلى الأمن.
لا يُنفّذ أيّ من هذين. فبعد الحرب الخرقاء على لبنان، انخفضت معدلات شعبية أولمرت بشكل كبير، ثم عاودت الارتفاع قليلاً لاحقاً لكنه لا يزال يواجه تساؤلات عن شرعيته. في خلال لقاء احتجاجي عُقد عام 2006 في ساحة رابين في تل أبيب حضره مئات الآلاف، لمّح الكاتب دايفد غروسمان، الذي كان قد فقد للتو ابناً في حرب لبنان، إلى مقولة شهيرة أطلقها ت. س. إليوت، مصرّحاً بأنّ إسرائيل صار يحكمها الآن رجل «فارغ». وإبّان حفلة منح غروسمان جائزة أدبية أُقيمت بعد ذلك بفترة وجيزة، رفض الكاتب مصافحة رئيس الوزراءفي النهاية لن يُحاكم أولمرت على ميله إلى التوافق، وهو تعبير صار يستخدمه حتى اليسار بحذر، بل على أفعاله. وهو يستمر بتأخير القيام بالإجراءات الضرورية: إلغاء على الأقل بعض من القيود التي لا تحصى المفروضة على الفلسطينيين، ووقف توسيع المستوطنات، وتفكيك الـ105 قاعدة أمامية «غير المرخّصة». وقد لا يصمد اتفاق ممكن عقده مع عباس أمام طرحه لنيل الثقة في الكنيست. هذا ويمثّل ائتلاف أولمرت تحالفاً هشّاً مع حزب العمل بقيادة إيهود باراك الذي أصبح من الصقور؛ حزب ديني يطيع أوامر رجل تقي لا يمكن التنبّؤ بتصرفاته؛ وحزب مؤلَّف من ثمانية مواطنين مسنّين سريعي الغضب.
حزب أولمرت الخاص، كاديما، مليء بأعضاء من المؤيّدين القدامى لشارون، وينقسم بين الحمائم والصقور. وقد يأمل أولمرت أن ينقذه الحزب اليساري الصغير «ميريتس» وأعضاء البرلمان العرب؛ لكنه سيجترح شبه معجزة إن استطاع تحقيق هذا الإنجاز.
أما بالنسبة إلى عباس، فقد خسر الكثير من قوته العسكرية عندما استولت «حماس» على غزة، وهو الآن رئيس على حوالى 60 في المئة من الفلسطينيين؛ والبقية في غزة. عندما ينظر عباس خارج نوافذ مكتبه في رام الله، يرى من الجهات الأربع كلها، مستوطنات إسرائيلية تمتد على مقربة من التلال المحيطة، ويبدو غير قادر على الإتيان بأي عمل حيال ذلك. فإدارته مشوشة، وسيطرته على الضفة الغربية غير محكمة بتاتاً، وقد غادر اثنان من مستشاريه الأساسيين الضفة الغربية؛ يُقال إنّ المسؤول الأمني محمد دحلان انسحب إلى القاهرة؛ أما وزير الخارجية الأسبق نبيل شعث، فقد عُيِّن مبعوثاً خاصاً في مصر في محاولة لإقناع الحكومة المصرية بعدم التعامل مع «حماس». ويستمرّ الجيش الإسرائيلي بالتجوال بحرية في الضفة الغربية. فيكاد لا ينقضي أسبوع لا يلقي فيه الإسرائيليون القبض على ناشطين من «حماس» في تلك الضفة، الأمر الذي يرضي عباس وأتباعه، أو هذا ما يزعمه الإسرائيليون.
الأمن التام كان الهدف الكبير بالنسبة إلى شارون، وكان الوهم أيضاً. شعر طوال سنوات بأنه يحقّقه بشكل مُرضٍ من خلال الحرب والمشروع الاستيطاني الواسع النطاق في غزة والضفة الغربية. وكانت خطته الرئيسة تقضي ببناء أكبر قدر من المستوطنات وتوسيع خاصرة إسرائيل الضيقة على السهل الساحلي؛ لقد أراد إحاطة المدن الفلسطينية الرئيسة بالمستوطنات وتقطيع الضفة الغربية إلى مقاطعات عدة.
حقّق هذه الأهداف إلى حدّ كبير، ولكن إلامَ قادته؟ فالجدار الفاصل، الذي يبلغ طوله 723 كيلومتراً وارتفاعه أكثر من ثمانية أمتار، يحتلّ مساحة كبيرة من الأرض في الضفة الغربية، أكثر من كلّ المستوطنات مجموعة معاً. ففي العديد من الأماكن، يبلغ عرض الحائط خمسين متراً بما فيها الخنادق المائية ومساحات الرمال الطويلة الضيقة لضبط آثار الأقدام وطرق الدوريات. الآن وقد شارفت أعمال البناء على النهاية، يُعدّ أحد أكبر مشاريع الإعمار التي قامت بها أي حكومة إسرائيليّة. ربما صُمّم على نموذج جدار موريس الذي شُيد في خلال الحرب الأهلية في الجزائر، وسُمي تيمناً بقائد القوات الفرنسية هناك. فهل سيكون مثل هذا الجدار أكثر فعّالية هنا؟ ربما. في القدس وحدها، قتل مناضلون فلسطينيون أكثر من 500 إسرائيلي قبل بناء الجدار حولها، لكن منذ ذلك الحين لم يقع قتيل تقريباً. غير أنّ بناء الجدار تزامن أيضاً مع تراجع عام كبير بالهجومات الإرهابية، بما فيها في المناطق التي لم تتأثّر بالجدار. كما أنّ الجدار المذكور لا يستطيع منع إطلاق الصواريخ على القدس والمدن الأخرى، كما كانت الحال في غزة طوال أشهر عدة على الرغم من عمليات الانتقام الإسرائيليّة الواسعة النطاق.
بما أنّ الجدار يطوّق القدس مرتفعاً فوق التلال، يمكن رؤيته من أي مكان تقريباً، شائبة مريعة تشوّه ما كان يمثّل منظراً شبه توراتي من التلال المصفوفة والقرى العربية المبنية بالحجر. يعبر الجدار المنطقة الطبيعية الداخلية للقدس والعديد من الأحياء الفلسطينية شرقاً، لذلك يفصل بين الفلسطينيين أكثر مما يفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقد أدّى بناؤه إلى نتائج معاكسة، بمعنى أنه وسع الحدود المحلية، وأصبح عدد الفلسطينيّين داخلها أكبر مما كان بأشواط. تقوم الآن ثلاث بوّابات إضافة إلى مبان كبيرة جداً شُيّدت ضمن الجدار من أجل مراقبة حركة السير، وهي تذكّر بالمطارات. غالباً ما تكون حركة السير من وإلى القدس متوقّفة تماماً. وعندما سُئل الرئيس بوش عن هذا الكابوس اليومي في خلال زيارته الأخيرة، أثار غيظ الفلسطينيين بالمزاح قائلاً إنّ موكبه الخاص، المؤلف مما لا يقل عن خمس وأربعين سيارة، سار بشكل سلس من القدس إلى رام الله من دون أن يواجه أي مشكلة.
في مكان آخر، تبقى حرية حركة الفلسطينيين مقيّدة بأكثر من 600 نقطة تفتيش في الضفة الغربية، وأحياناً كثيرة يؤخَّر المتنقّلون الفلسطينيون ساعات على الرغم من الوعود الإسرائيلية المقطوعة في أنابوليس بالتخفيف من القيود. وغالباً ما يتولّى نقاط التفتيش دروز فظّون يخدمون في الجيش الإسرائيلي مقابل وضعهم المميّز، على غرار البرابرة في المغرب أو السيخ في الهند في ظلّ الحكم الاستعماري.
لم يؤمن شارون بالمفاوضات. كان الرئيس الفلسطيني عباس قد دعا إلى أن يتم تنسيق الانسحاب الإسرائيلي من غزة معه، لكن شارون فضّل الانسحاب من غزة بشكل منفرد. كان يؤمن بالقوة. منذ أمد بعيد، سمعته يقول بلا مبالاة إنّ القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها العرب، كما صرح أنّه يجب على الفلسطينيين، إذا كانوا يرغبون في دولة، أن يحاولوا إقامتها في الأردن عبر قلب حكم السلالة الهاشمية إذا اضطرّ الأمر. فيجب أن تبقى إسرائيل في الضفة الغربية ووادي الأردن لأسباب تتعلق بالأمن العسكري وبـ«الحق التاريخي». تصرف على هذا الأساس لأكثر من أربعين سنة. وكان العديد، وربما السواد الأعظم من الإسرائيليين، يشاطرونه وجهة نظره هذه. لكن ماذا حقّقت لهم؟
كان أولمرت من الصقور أيضاً وكان أيضاً إلى يمين مناحيم بيغن. صوّت ضد معاهدة السلام مع مصر عام 1978، وضد اتفاقية أوسلو عام 1993. ولاحقاً، كرئيس بلدية القدس، تجاهل تحذيرات خبرائه الخاصّين وأجرى حفريات لفتح نفق قديم بمحاذاة الحرم الشريف، المنصّة الكبيرة التي انتصب عليها جبل الهيكل السابق وحيث تقوم الجوامع الإسلامية الآن، فأثار بتهوّر أعمال شغب خلّفت تسعة وسبعين قتيلاً بين المسلمين وأكثر من مئة جريح. لكن يُقال إنّ حقيقة ما تكشّفت لأولمرت لاحقاً، في أواخر التسعينات، فكان أول رئيس وزراء إسرائيلي يقول علانية «أخطأت». ولكن مشكلة الصدقية تبقى قائمة، وهي مشكلة يمكن تفهمها.
تولّى أولمرت منصب رئاسة الوزراء بشكل غير متوقّع بعد إصابة شارون بالجلطة الدماغية، ولزيادة الطين بلة، كان يخضع حينها لتحقيق مع الشرطة بشأن أربع قضايا فساد. فتوقف التحقيق في واحدة منها لانتفاء الأدلة الكافية. ولكن في صباح أحد الأيام مؤخراً، دخل أكثر من مئة شرطي مكاتب المحاماة التي كانت تخصّه في السابق، من بين أمكنة أخرى، بحثاً عن أدلة إضافية للقضايا الثلاث الباقية. كما أنّ تقريراً أخيراً تقوم به لجنة تحقيق خاصة بشأن إدارته للحرب على لبنان التي انتُقدت كثيراً لا يزال عالقاً أيضاً. بيرنار أفيشاي، وهو مؤلّف كتاب عن إسرائيل وشيك الصدور، يقول إنّ الحفاظ على أداء الاقتصاد الإسرائيلي الديناميكي ربما مثّل أحد الاهتمامات الرئيسة التي أثرت في تغيير رأي أولمرت: فلا يمكنك أن تكون سنغافورة أخرى فيما تخوض حرباً أهلية صربية الأسلوب.
أجريتُ مؤخراً حواراً مطولاً مع أولمرت بعيداً عن الأضواء، وخرجت متأثراً بعملانيته وبغياب الوقار الديني الذي ميّز العديد من أسلافه. يبدو أنّ ما أثّر في تبدل موقفه هو التنبؤات الديموغرافية المنذرة بكارثة، تلك القائلة إنّ الفلسطينيين سيمثّلون عاجلاً غالبية سكان إسرائيل الكبرى. ويدور الكلام الآن على «الخطر الديموغرافي» في إسرائيل كما لو كان كارثة تعوق التقدّم، علماً أنّ أولمرت لا يريد أن تصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية، بل ينبغي أن يبقى الطرفان منفصلين. يعتقد أنّ إسرائيل ربما فوتت فرصاً سابقة لتحقيق السلام، في أوسلو وفي كامب دايفيد. وما كان لا يزال ممكناً حينها ربما أصبح متعذراً الآن. ومع ذلك يشعر بأن ثمة فرصة أخرى بمتناول اليد الآن ولا يريد تفويتها أيضاً، فهو يؤمن بقوة بحلّ الدولتين. يشبه كلامه الآن طبعاً عنوان الكتاب الأخير للرئيس الأسبق جيمي كارتر فلسطين: السلام لا التمييز العنصري (Palestine: Peace Not Apartheid) (الذي اتُهم كارتر بسببه بمعاداة السامية).
في طريق عودته من مؤتمر أنابوليس، أبلغ أولمرت الصحافيين أنّ عاقبة فشل المفاوضات حول حلّ الدولتين لن تكون أقل من نهاية دولة إسرائيل. وقد قال إنّه ما لم تقم دولة فلسطينية «تنتهي إسرائيل»، فستصبح دولة عنصرية مثل أفريقيا الجنوبية. وأضاف إنّ اليهود الأميركيّين سيكونون أوّل من يتخلّى عنها، فيما كان في حالة من الإحباط والاشمئزاز. قد يكون بعض ما يقوله أولمرت في أيامنا هذه «ملفّقاً للتأثير في النفوس»، ولكن هذا التصريح الأخير بدا مختلفاً حتماً.
لا يعرف أولمرت بعدُ عدد المستوطنين الذين يجب إخلاؤهم من الضفة الغربية (ربما أكثر من 150000)، فهو لا يزال في خضم المفاوضات مع الفلسطينيين حول هذا الأمر ولا يريد الدخول في التفاصيل. تراوده آمال بأن يتفهم عباس أنّ إسرائيل لا تستطيع استيعاب لاجئين عرب أكثر من العدد الذي استوعبته. فعندما تقوم دولة فلسطينية يمكنهم العودة إليها، سيكون الوضع مختلفاً حينها. ويبدو أنه يفكّر، ربما بادّعاء مفرط، في أنه يمكن إيجاد الحلول حتى في القدس، حيث الأحياء الإسرائيلية والفلسطينية متداخلة جداً، وتبرز مشكلة ما يسمى «الحوض المقدس» ــــــ وهو جزء مدينة القدس القديمة الذي يضم المواقع المقدسة اليهودية والإسلامية في آن واحد. فقد يكون العديد من المشاكل تقنياً والمشاكل التقنية قابلة للحل.
أمّا المشاكل العاطفية، فهي أصعب بكثير. يريد أولمرت أن يبذل قصارى جهده لتقوية عباس لكنه يريد أيضاً أن يفهم الجميع أن لا مقدّسات بالنسبة إلى حدود عام 1967. الفلسطينيون أنفسهم يريدون المزيد من الأراضي؛ فهم يطالبون مثلاً بقطعة أرض تكون بمثابة ممرّ بين غزة والضفة الغربية، وسيحتاجون إليها. ويعطي أولمرت الانطباع بأنه قادر على الحصول على تصويت مؤيّد لكلّ ذلك في الكنيست، لكن عندما تسأل الإسرائيليين إذا كانوا مستعدّين لتقسيم القدس، يجيب معظمهم بالنفي؛ وعندما تسألهم إذا كانوا يريدون الانفصال عن الفلسطينيين، يردّ معظمهم بالإيجاب. ويُقال إنّ أولمرت واثق بأن الكنيست لن يوافق على القانون الجديد المقترح الذي يجعل من أي تغيير في وضع القدس خاضعاً لموافقة 80 من أصل الـ120
نائباً.
* عن «نيويورك ريفيو أوف بوكس» ــــــ العدد 55
ترجمة جورجيت فرشخ فرنجية

■ ■ ■

(1) صحيفة «هآرتس» 10 تشرين الثاني 2007
(2) نُشرت ترجمة لخطاب غروسمان في هذه الصفحات تحت عنوان Looking at Ourselves (النظر إلى أنفسنا)، في «ذو نيويورك ريفيو»، 11 كانون الثاني، 2007