ألبير فرحات *
عاب الرئيس السنيورة في المؤتمر الصحافي الذي عقده بمناسبة الذكرى الأولى للعدوان الإسرائيلي، على «حزب الله» تجاوزه «الخط الأزرق» وقيامه بخطف جنديين إسرائيليين، ما استتبع الرد الإسرائيلي، على حد قوله.
على غراره، رأى حزب الكتلة الوطنية أن «حزب الله بخرقه الخط الأزرق لاختطاف الجنديين، أعطى إسرائيل مبرراً تجاه المجتمع الدولي لتوجيه ضرباتها»، متهماً الحزب بالعمل بناءً على إرشادات خارجية ضدّ مصلحة لبنان. فهل القانون الدولي العام يبيح لحركات المقاومة العاملة في أراضي بلدانها الواقعة تحت الاحتلال أن تقوم بعمليات داخل حدود العدو المحتلّ؟
إلا أنه يؤخذ على الاثنين، قبل الجواب عن هذا السؤال، اعتبارهما الخط الأزرق كأنه الحدود الدولية بين لبنان وإسرائيل، في حين أنّ الأمر ليس كذلك مطلقاً في عرف الأمم المتحدة نفسها، وفي عرف القانون الدولي، ولا سيما أن السلطات اللبنانية قد تحفّظت على ذلك الخط في مواضع كثيرة، ما دفع بالجيش اللبناني أخيراً إلى نزع تخوم وضعتها «اليونيفيل» عند هذا الخط.
وفي الواقع، إذا عدنا إلى اتفاقية جنيف المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب، فإن المادة 4 من الاتفاقية قد وضعت «تشكيلات المقاومة غير النظامية تحت حماية القانون الدولي. وتشمل هذه الحماية تلك التشكيلات سواء أقدمت على عملياتها داخل أراضيها أو داخل أراضي العدو، بحيث إن مجال عملها يمكن أن يمتد إلى كل المدى الإقليمي للعدو، بما في ذلك المجال الجوي والبحري التابع لهذا المدى الإقليمي، ومن باب أولى «أعالي البحار». بل وأكثر من ذلك، فقد رعى القانون الدولي حقّ المقاومة في القيام بعملياتها في الأراضي «الواقعة تحت رقابة العدو المحتل»، فيما إذا كان هذا المحتل يفرض رقابته على أراضٍ غير أراضيه وغير أراضي البلد المحتلّ.
وقد علق فقهاء القانون الدولي على هذا المفهوم الأخير بالقول إنه «يتخذ طابعاً جوهرياً: فهو يقدم ضمانة صريحة لحركات المقاومة الشبيهة بتلك التي ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية. ولا يتوانى الباحثون المعاصرون عن الإشارة إلى ذلك القطع، الذي تأتّى مع هذه الصيغة الجديدة، مع القواعد التقليدية التي كانت تأخذ بها محكمة لاهاي (ويمكن، لهذا الغرض، مراجعة «اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب» ـــــ الكتاب الثالث ـــــ ص66 ـــــ اللجنة الدولية للصليب الاحمر ـــــ عام 1958ـــــ جنيف).
وقد سبق لإسرائيل أن أقرّت هي والولايات المتحدة، وذلك في «اتفاق نيسان» الشهير، بحق المقاومة بعملياتها ضدّ العدو حتى في أرضه، بشرط عدم استهداف المدنيين.
وهكذا يتبيّن لنا وجود غاية سياسية، مخالفة للقانون الدولي ولمصلحة لبنان الوطنية، وراء تصريحات الرئيس السنيورة وحزب الكتلة الوطنية بهذا الصدد. وهي غاية لا يمكن تغطيتها على سبيل المثال بأقوال من نوع تلك التي صدرت في بيان حزب الكتلة الوطنية التي اتهمت «حزب الله» بأنه ينفذ أوامر إيران وسوريا، ويسفح الدم اللبناني كرمى لعيونهما. مرة أخرى، يذهب البعض إلى أبعد مما ذهب ويذهب إليه العدو سواء في «اتفاق نيسان» أو في تقويم أسباب حرب تموز ونتائجها. قليل من الحياء يا قوم.
* محامٍ مختصّ في القانون الدولي