إعداد: علي شهاب *
لا تهمل دراسة «التنبّؤ بالنصر» الصادرة عن جامعة سلاح الجو الأميركي في قاعدة ألاباما العسكرية عن حرب تموز 2006 أي تفصيل سياسي أو عسكري؛ إذ تعالج في 348 صفحة كل العناوين البحثية موفّرة مادّة جديرة بالقراءة على صعيد الملاحظات والاستنتاجات التي تخرج بها في سبيل استخلاص العبر من «الفشل الاستراتيجي» لسلاح الجوّ الاسرائيلي وتلمّس قواعد جديدة تناسب الحروب ضدّ العصابات.
ويستهل المحاضر في جامعة سلاح الجوّ الأميركي وليام آركين الدراسة بالإشارة الى أن إسرائيل «واجهت في حرب تموز 2006 مشاكل عدة، مع أنها اعتمدت بإفراط على مبدأ كونترول المعلومات. في المقابل أتقن حزب الله الأمن العملياتي بل أدار حرباً معلوماتية مركزيّة بمهارة».
وتمتاز الدراسة، فضلاً عن كونها أوّل دراسة رسمية أميركية عن حرب تموز، باعتماد منهجية البحث الميداني للتوصل الى النتائج، إذ زار آركين، بعد ساعات من إعلان وقف إطلاق النار في 14 آب 2006، بلدات الجنوب اللبناني التي شهدت المواجهات بين المقاومة والجيش الإسرائيلي، فضلاً عن قرى القطاع الأوسط وقرى شمالي نهر الليطاني المستهدفة. كما التقى الباحث بمسؤولين عسكريّين إسرائيليّين وأميركيّين واستعان بصور جويّة لبيروت وجنوب لبنان وفّرتها له شركة «ديجيتال غلوب» من خلال القمر الاصطناعي «كويك بيرد» Quick Bird، علماً بأنّ الدراسة، كمثيلاتها من الدراسات الجدّية عن الحرب، فشلت في خرق جدار السرية الإسرائيليّة الذي يحيط بتفاصيل الحملة الجوية وكذلك الحال بالنسبة لحزب الله «الذي كان أشدّ سرية».

أول حملة جوية حديثة لإسرائيل

«قد تكون الولايات المتحدة قد شنّت عدّة حملات جويّة في العصر الحديث، ولكنها لم تضطرّ يوماً الى قتال عدوّ عند حدودها، كما لم تضطرّ إلى اتخاذ قرارات صعبة بإحداث أكبر قدر من الضرر لعدوّ مميت بغض النظر عن النتائج السياسية»؛ واقع أدّى الى «تصدّع الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية: لقد قصفت إسرائيل الكثير من الأهداف والكثير من الأهداف الخاطئة. لقد برّرت الحكومة الإسرائيلية هذا الأمر بالقول إنه كان يجب مهاجمة منازل المدنيين والمباني بسبب طبيعة حزب الله واستخدامه المجتمع اللبناني درعاً له».
وعلى فرض أن هذا الأمر «صحيح»، يتساءل آركين «هل هناك استراتيجية عسكرية مختلفة كان بمقدور إسرائيل اتباعها ضدّ حزب الله لتحقيق أهدافها، من دون خسائر سياسيّة كبيرة؟».
للإجابة عن هذا السؤال، ترى الدراسة أنه «يجب التدقيق في الهجمات الإسرائيلية لا الإشارة الى حجم الدمار (أو وصفه). لم يتعرّض لبنان لدمار منظَّم، علماً بأن هذا هدف إسرائيلي قابل للتحقّق. لقد تركّز الدمار في ضاحية بيروت الجنوبية (معقل حزب الله)، ولكن مساحات واسعة في العاصمة لم تتعرّض لهذا الدمار. لقد اتخذت إسرائيل قراراً بعدم استهداف شبكة الكهرباء والماء في لبنان، وكذلك الحال بالنسبة للمستشفيات والمدارس والمساجد».
أما في ما يخصّ التردّد الإسرائيلي في زجّ سلاح البرّ في جنوب لبنان لأن حزب الله «يستخدم أسلحة ومعدات إيرانية وسورية متطورة»، فيرى آركين أن هذا النقاش «ضعيف للغاية، لعدّة أسباب:
ـــــ أوّلاً، لأنّ الاستخبارات الإسرائيليّة كانت تعلم كفاية ما كان بحوزة حزب الله.
ـــــ ثانياً، لأنّ التعنّت الإسرائيلي في النظر إلى حزب الله على أنّه قوّة عسكرية تقليدية، مسلّحة بـ12 ألف صاروخ، هو السبب في تبنّي الاستراتيجية التي اتُّبعت. وكما قال الأمين العام لحزب الله (السيد حسن نصر الله) في خطاب تلفزيوني خلال الحرب «نحن لسنا جيشاً نظاميّاً ولن تقاتل كجيش نظامي».
وتكمل الدراسة «لقد تعزّزت صورة حزب الله في وجه المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية، وسط احتفالات في العالم العربي بالخذلان الإسرائيلي (كما يحصل مع الولايات المتحدة في العراق)، لأنّ الضرر الوحيد الذي أصاب الحزب كان تقليدياً. علقت إسرائيل، وكلك الولايات المتحدة، في إشكالية استخدام قوّة عسكرية تقليدية في مواجهة الإرهاب: يردّد الطرفان بأنهما يواجهان «عدوّاً جديداً» (في إشارة إلى المنظمات الإرهابية)، ولكنهما لا يبدوان قادرين على تعديل مقاربتهما التقليدية للقوّة العسكرية.
وضعت إسرائيل ثقتها في سلاح الجو، ولكنها، معميّة بوعد الانتصار بثمن رخيص، فشلت في التعلّم من الدرس الأميركي في العراق: توريط قوّات قليلة.
غير أنّ سلاح الجوّ، كما استُخدم في تموز 2006، ليس البديل المناسب، بل إنّ هذا السلاح قد ضاع وسط هذا الخليط من التردّد في البرّ في مقابل التزاحم في الجو».
وفي ما يخصّ إدارة الحرب، تذكر الدراسة أن حزب الله «وضع مقاتليه في حالة استنفار خلال دقائق بعد عملية الأسر. لقد درس حزب الله بدقّة الأرض ووسائل النقل والاتصالات، وكذلك القدرات الإسرائيلية وانتشارها، ما أتاح له الاستمرار في إطلاق الصواريخ والتركيز على النقاط الحسّاسة وتعزيز الدفاعات. تنظيميّاً، كان حزب الله مجهّزاً لاعتماد دفاع مخادع حيث انتشرت قوّاته وإمداداته بشكل منظَّم وواسع لحماية القطاعات الأضعف».
منذ بداية حرب تموز 2006، بدا واضحاً أنّ الحكومة الإسرائيلية لا تنوي الغرق في احتلال برّي آخر في جنوب لبنان. بالرغم من أن الكثيرين أملوا أن تنهي حملة مركزة من القصف تهديد الصواريخ البعيدة المدى، أبدى حزب الله مهارة ومرونة أشدّ مما توقّعته إسرائيل.
وحين زُجّت القوّات البرية في المعارك، بدت القوات المدرعة غير قادرة على مواجهة مقاتلي حزب الله.
الوصف التقليدي لحرب تموز هو أن وجود ضابط في سلاح الجو على رأس هيئة الأركان الإسرائيلية والاعتماد الساذج على سلاح الجو من قبل حكومة عديمة الخبرة أدّت جميعها إلى الإخفاق الإسرائيلي.
لم يفشل سلاح الجو الإسرائيلي في وقف رشقات حزب الله الصاروخية فحسب، بل حتى في إحداث ضرر بقدرة حزب الله على استعادة زمام المبادرة.
وليس الفشل من مسؤولية سلاح الجوّ فقط، فقد عملت الاستخبارات والقوّات البرية أيضاً على وقف الصواريخ، ولكن إسرائيل بالغت في تقدير صحّة معلوماتها وفاعلية استراتيجيتها وتكنولوجيتها واستخفت بمهارة حزب الله.
وعلّق القائد في هيئة الأركان بنيامين غانتز على هذا الواقع بالقول: «كنا نواجه عدواً مجهزاً بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا، عدواً درس عملياتنا الجوية وأساليبنا في القتال وأتقن مبادئ التخفّي».
ميدانيّاً، أظهرت الإحصاءات الاستخبارية الإسرائيلية أنّ حزب الله «أطلق أكثر من ألف قذيفة مضادّة للدروع ضدّ الآليات والدبّابات الإسرائيلية، ما أدّى إلى تدمير 46 دبابة و14 مدرعة، واختراق 20 أخرى. وفي المحصّلة أصيب ما نسبته 10 في المئة من الدبّابات الـ400 التي استُخدمت في جنوب لبنان».
في المقابل، أدار الجيش الإسرائيلي خلال الحرب مسارين متوازيين:
ـــــ حرب جوية استهدفت حزب الله (قواته، صواريخه، تحركاته..)، والبنية التحتية المدنية في لبنان.
ـــــ حرب برية عبر عمليات خاصة واجتياح برّي متأخّر.
بالنسبة لسلاح الجوّ الإسرائيلي، كانت حرب تموز 2006 أوّل حملة جوية تجري على مدار الساعة، ومعظم المهمات الجوية (أكثر من 50 في المئة) كانت تتمّ في الليل.
وبسبب المساحات الجغرافية الضيقة تمّ تنفيذ الهجمات الجوية حتى عبر مروحيات، لا عبر طائرات «اف 15» و«اف 16» فقط. وقد وفّرت المروحيات والطائرات الحربية الدعم للحرب البرية، حتى في المعارك التي جرت عند الحدود.
وللإشارة إلى حجم الحملة الجوية الإسرائيلية، وضع آركين الجدول الآتي للمقارنة بين الأسلحة التي استهلكتها الولايات المتحدة وإسرائيل في العراق ولبنان:
«عاصفة الصحراء» (1991)، و«حرية العراق» (2003)، و«تغيير الاتجاه» (2006): عدد أيّام الحرب كانت 43 (1991)، و22 (2003)، و34 (2006). أمّا العدد الإجمالي لأسلحة الجوّ المستهلكة، فكان: 250.000، و29.500، و24.000. في المقابل، فإنّ عدد الأسلحة المستهلكة يومياً كانت على الشكل الآتي: 5.800، و1.340، و705.
علماً بأن آركين يقرّ بأن «هذه المقارنة غير مثالية بسبب الفارق الكبير في حجم القوات الأميركية قياساً إلى القوات الإسرائيلية والفارق في حجم الخصم (الجيش العراقي قياساً إلى حزب الله)، وبسبب تطوّر الدقّة في إصابة الأهداف ما أدّى إلى انخفاض عدد الأسلحة المطلوبة لتدمير عدو واحد أو هدف واحد».
في حالة إسرائيل، شملت الأسلحة المستهلكة المدفعية البحرية وصواريخ «هيلفاير» التي أطلقتها المروحيات، بالإضافة إلى صواريخ اعتراضية (ولكن غير مخصصة ضد الصواريخ القصيرة المدى). كل هذه الأسلحة استُخدمت ضد أهداف ثابتة.

عيتا: سرّ التردّد البرّي

انطلقت عملية الأسر التي نفذها حزب الله في 12 تموز 2006 من بلدة عيتا الشعب. وعند بدء العملية، قدّرت الاستخبارات الإسرائيلية أن 30 مجموعة لا تضمّ أكثر من 200 مقاتل كانت تعمل في القرية، وهي مجهّزة بصواريخ مضادّة للدروع وقاذفات «آر بي جي» ووحدات استطلاع.
كذلك، كان في القرية 25 خبيراً في الصواريخ المضادّة للدروع بينما انتمى بقية المقاتلين إلى القوّات الخاصة.
بدءاً من بعد ظهر الرابع عشر من تموز بدأ الجيش الإسرائيلي بتحذير السكّان عبر مكبّرات الصوت داعياً إياهم إلى مغادرة البلدة.
خلال الـ96 ساعة الأولى، هاجم الجيش الإسرائيلي الطرقات وأهدافاً في أطراف البلدة. وبالرغم من التقارير التي تحدّثت عن تحرّكات إسرائيليّة على الأرض في محيط عيتا الشعب، طغى القصف الجوي والمدفعي طوال شهر تموز، وحتى الـ31 منه حين بدأت القوات الإسرائيلية هجومها على القرية، حيث تبادل الجيش الإسرائيلي وحزب الله النيران الثقيلة منذ صباح 1 آب. في ذلك اليوم، قتل ضابط إسرائيلي وجنديان من الكتيبة 101 التابعة لسلاح المظليين وأصيب 25 جندياً آخر بجروح معظمهم بصواريخ مضادة للدروع.
في 13 آب، قتل 4 جنود إسرائيليّين وأصيب 14 بجروح في هجوم صاروخي آخر بواسطة صاروخ مضاد للدروع استهدف وحدة مشاة في تلة «أبو طويل» شمالي عيتا الشعب.
كانت مواجهات عيتا، بحسب الدراسة الأميركية، من أبرز العوامل المؤثّرة في القرار الاسرائيلي المتردّد بعدم زجّ سلاح البرّ في الحرب.

توخّي التأثير

تستهلّ الدراسة هذه الفقرة بالإشارة إلى أنه «حين زعمت إسرائيل أن حزب الله يستخدم البنية المدنية لإطلاق هجماته فذلك يعني أيضاً أنّها تقول إنه بقي لحزب الله إمدادات لا تنتهي كي يستخدمها. بالنظر إلى طبيعة حزب الله، هل كانت الهجمات على الجسور والطرقات استراتيجية معقولة؟».
تجيب الدراسة عن هذا السؤال بالجزم أن حزب الله «لا يحتاج لتحريك قواته، لأن كلّ الأسلحة كانت في مكانها المناسب. وقد وافق الخبراء الأميركيّون هذا الرأي مشيرين إلى أن أسلحة وذخائر كافية نُشرت في وقت سابق في الجنوب للتقليل من الحاجة إلى إعادة عمليات الإمداد عبر مسافات طويلة».
وفي السياق، أعلن منسق شؤون الإرهاب في الإدارة الأميركية هنري كرامبتون، في 25 تموز 2006، أن الاستخبارات الأميركية لم تلحظ «أي شيء في الأيام القليلة الماضية على صعيد حركة الصواريخ القادمة من سوريا عبر الحدود باتجاه جنوب لبنان». وأضاف أن «تدفق الأسلحة قد تباطأ، إذا لم نقل إنه توقف كلياً» لأن إسرائيل استطاعت تحديد ومهاجمة معظم هذه القوافل.
لقد كانت الحرب «عبارة عن هجوم أسطوري لسلاح الجوّ الإسرائيلي تمّ إعداده والتخطيط له لسنوات عدة بهدف تدمير قوة حزب الله الصاروخية، لكن التحقيق الميداني في الأماكن التي استهدفها سلاح الجو الإسرائيلي في الـ48 ساعة الأولى من الحرب يعكس عملية مشتَّتة». بحسب الانتقادات التي واجهها، لم يكن دان حالوتس «يملك فقط رؤية ضيقة وغير عقلانية لدور سلاح الجو، بل هو قد حدّ من دور سلاح البر» من خلال:
ـــــ عدم إعداد الخطة المطلوبة. ـــــ عدم تحريك الاحتياط في الوقت المناسب. ـــــ التردد في نشر القوات البرية حين بدا واضحاً أن سلاح الجو «لا يعمل». ـــــ تغيير الأوامر باستمرار.
بدوره، دافع حالوتس عن نفسه بالقول إنّ السياسيّين يتحمّلون مسؤولية العديد من القرارات. وهو قد دعا، في رسالة الاستقالة التي قدمها إلى رئيس الوزراء، إلى إبقاء الجيش الإسرائيلي «خارج الصراعات السياسية»، وأشار إلى أن الحكومة هي المسؤولة عن التوقّعات غير الواقعيّة إزاء دور سلاح الجو.
أمّا أولمرت فرفض الاعتراف بالفشل في استغلال سلاح البر منذ بداية الحرب بالقول إنه «إذا بدأنا بحملة برية ووصلنا إلى الليطاني، بغض النظر عن الثمن، لكانت الكاتيوشا استمرت في السقوط». من جانبه، برر قائد القيادة المركزية في الجيش الإسرائيلي بنيامين غانتز تفسيرات أولمرت وحالوتس بالقول إنه «لم يدّع أحد في القيادة العسكرية أن سلاح الجو وحده قادر على إيصال البضاعة (تحقيق الهدف). من خلال استغلال قوّة سلاح الجو، لكان بإمكاننا الاستيلاء على مناطق كاملة وتنظيفها. ولكن ذلك يتطلب مناورة برية حاسمة، وليس عمليات مرحلية (تتم عبر مراحل) كما حصل» في تموز 2006.
«من أجل تقييم سلاح الجوّ في حرب تموز»، تدعو الدراسة إلى «إدراك أن أولئك الذي يناقشون في ما فعلته إسرائيل، أو الذين فضّلوا مقاربة مختلفة، يعتمدون على عقيدة وأفكار وخلفية وبواعث خاصة بهم؛ الكثير من الانتقادات الموجّهة للأداء والاستراتيجية الإسرائيلية لا تقوم على وقائع حصلت، ولكنها تعتمد على قضية سلاح جو منهك: سلاح الجوّ لا يمكن أن يحسم حرباً، وطيّار لا يمكنه إدارة جيش، فالطيّارون يرغبون دائماً في كسب الحروب واستبعاد القوات البرية».
وتكمل الدراسة أنه «بغضّ النظر عمّا يظنّ الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو أنّه دمّر في 12 تموز 2006، وبغضّ النظر عن حجم الإنجازات العسكرية في تدمير قوّة حزب الله الصاروخية، نحن أمام حرب مفصلية على صعيد حجم الدمار والتآكل (الاستنزاف) في القدرات. والمهمّة الأساسية لواضعي النظريات العسكرية هي تصوّر استراتيجية مؤثّرة تدمج ما بين سلاحي الجوّ والبر وتكون صالحة لمواجهة الإرهاب في العصر الحديث».

استنتاجات

ـــــ «كلّ حرب في العصر الحديث لها قصّتها المعقّدة والسجاليّة؛ عاصفة الصحراء كانت تطبيقاً لمفهوم التكنولوجيا الحديثة ودقّة سلاح الجوّ. بالنسبة للبعض أثبتت حرب الخليج الأولى أنّ القصف الاستراتيجي لا ينفع وأن على القوّات البرية إنجاز العمل واحتلال الأراضي. لقد كانت الحملة الجوية في كوسوفو عام 1999 الحرب الوحيدة التي ربحها سلاح الجوّ، إذا تجاهلنا أن المخاوف من حرب برية قد دفعت بسلوبودان ميلوسوفيتش لتنفيذ ما هو مطلوب منه. أما عملية الحرية للعراق (غزو العراق عام 2003) فأطاحت نظرية الصدم والرعب بسبب التقدير غير الدقيق لنصر غير مكتمل».
ـــــ «خيّبت حرب 2006 الآمال مقارنة مع الحروب السابقة. وصف حزب الله ثباته في وجه الهجوم الإسرائيلي بأنه نصر إلهي، معلناً أنه يعيد التسلّح وأنه أقوى من أي زمن مضى سياسياً وعسكرياً. وكذلك زعمت الحكومة الإسرائيلية أن الحرب أعظم نصر عسكري وسياسي في تاريخ إسرائيل. إن الزعم أن إسرائيل أنجزت ما كان يجب عليها إنجازه في حرب تموز 2006 هو كالقول إن العملية (الجراحية) نجحت ولكن المريض قد مات».
ـــــ قد يكون أداء سلاح الجو الإسرائيلي في هذه الحرب «رائعاً، وقد يكون الجيش الإسرائيلي قد أنجز بالفعل تحولات صعبة على الصعيد الداخلي في خضم الحرب، ولكن مقارنة مع الأهداف الإسرائيلية، لم يتم إطلاق سراح الجنديين أو إنقاذهما، لم تُكبح صواريخ حزب الله (ولا حتى تلك البعيدة المدى)، أفرزت الهجمات الإسرائيلية انتقادات واسعة، القوات البرية اهتزت في مقابل عدو مقتدر ومجهز تجهيزاً جيداً».
ـــــ «لقد قاتلت إسرائيل خصماً لا يتحدّى وحسب معايير الحرب التقليدية، ولكنه أثبت أنه معقَّد ومستعدّ، ما يدفع إسرائيل (وبالتالي الولايات المتحدة) إلى السعي وراء مقاربات عسكرية مختلفة لإيجاد سبيل مؤثرة لمحاربة الإرهاب. إن تقويماً صادقاً لأخطاء إسرائيل يتطلّب التسليم بأن القيادة السياسية الإسرائيلية سعت منذ البداية وراء أهداف محقة لاستخدام سلاح الجو في هجوم استراتيجي:
1ـــــ إنّ المقاربة المركزية لدور سلاح الجو قابلتها قوّة العدو، وخاصّة بالنظر إلى اندماج حزب الله في المجتمع المدني اللبناني وحجم البنية التحتية التي بناها شمالي نهر الليطاني (بعيداً عن متناول القوات البرية الإسرائيلية).
2ـــــ إنّ إدراك معاني الحرب البرية التقليدية كان خارج إطار التحديث في المفهوم الإسرائيلي (أي أصبح المفهوم متخلّفاً) مقارنة مع طبيعة العدو أو الالتزامات التي كان القادة الإسرائيليون يسيرون بها.
3ـــــ لقد اتُّخذ القرار باستخدام سلاح الجو بسهولة بسبب عدم جهوزية سلاح البرّ.
وتختم الدراسة الاستنتاجات بالآتي: «إنّ المساواة بين مقاربة عسكرية مؤثّرة وعجرفة سلاح الجوّ أمر خاطئ.
يناقش قادة إسرائيل، كما هي حال الولايات المتحدة في حربها العالمية على الإرهاب، بأنهم يواجهون عدوّاً جديداً ومختلفاً (دولة داخل دولة)؛ عصابة مجهزة جيداً تتحصّن بالمدنيّين. وحين جاءت ساعة الحساب في العام 2006، رسم الجيش الإسرائيلي خطّة تقليدية مفترضاً احتمال هزيمة حزب الله، وحتى إزالته، من خلال الدمار والاستنزاف. في مكان ما، علمت إسرائيل أن حزب الله مسلّح تسليحاً جيداً وأنّه قوّة متجذّرة ولها شعبية ضخمة في الجنوب اللبناني، ولكنها تغنّت بالتغييرات التنظيمية في هيكلية الجيش منذ عام 2000، ما وفّر صلاحيات أوسع لرئاسة الأركان وقيادة القوات البرية. وهذا الأمر تحقّق على حساب القيادة الشمالية وقيادات فيالق الجيش.
إن تقويماً عادلاً لحرب تموز 2006 هو أن إسرائيل اختارت تدمير أقصى ما تستطيع في مهلة زمنية قصيرة في محاولة لكسب الوقت لمصلحة أمنها. إنّ إخفاق سلاح الجو في حرب تموز 2006 كان فشلاً استراتيجياً كبيراً في استخدام القوة في مواجهة الإرهاب. لقد أثبتت الحرب الحاجة إلى عملية انتقالية من المستوى التقليدي إلى أساليب (مناهج) حربية جديدة لمكافحة الإرهاب في المستقبل».
الخلاصة النهائية: لقد فشلت إسرائيل في سرد قصّتها عن سلاح الجوّ.
* صحافي لبناني



ترسانة حزب الله وأساليبه

لا تقدّم الدراسة ما هو جديد عن المعلن والمتداول في مراكز الدراسات الإسرائيلية والأميركية عن ترسانة حزب الله، لكنها تخلص إلى أن تقدير حجم هذه الترسانة «مستحيل افتراضياً».
وتشير الدراسة إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية «أعلنت أنها كانت على دراية بجميع الأسلحة التي استخدمها حزب الله لكنها فوجئت بالأعداد».
النوع العيار المدى (كلم) وزن الرأس العدد
فجر: 1 107 mm 8.5 7 كمية كبيرة
كاتيوشا: 122 mm 11– 40 10 – 30 بالآلاف
Syrian 220mm :Uragan - 280 العشرات
فجر 3 (رعد أو خيبر): 240 mm 17- 45 45 كمية كبيرة
فلق: 240 mm 333 mm 11 120 العشرات
Syrian 302: mm 302 mm 40 – 110 150 العشرات
فجر 5 (رعد أو زلزال): 333 mm 75 90 كمية كبيرة
زلزال 2: 610 mm 200 600 عشرات



وليام آركين صاحب «الإنذار المبكر»

تنطبق على وليام آركين مواصفات صانع القرار في الكواليس الأميركية، إذ يشارك الرجل منذ عام 1991 في تقدير الوضع الميداني في لبنان وأفغانستان وأريتريا لمصلحة البيت الأبيض.
وهو قد زار الجنوب اللبناني بعيد حرب تموز 2006 ضمن بعثة تقصّي الحقائق التابعة للأمم المتحدة.
يحاضر آركين، المعروف بأبحاثه الميدانية عن آثار الحروب على الشعوب، في كلية الدراسات الجوية والفضائية المتقدّمة في جامعة سلاح الجو الأميركي المتمركزة في قاعدة «ماكسويل» الجوية في ولاية ألاباما. وبالإضافة إلى مساهماته الحكومية، يكتب آركين في عمود يومي في صحيفة «واشنطن بوست» تحت عنوان «الإنذار المبكر».
خلال «عاصفة الصحراء»، ترأّس فريق إدارة الكوارث في الخليج الفارسي في منظمة «غرينبيس». وما بين عامي 1974 و1978، عمل محلّلاً أمنياً لدى الجيش الأميركي في برلين الغربية.