داني الأمين
توثيق مصوّر يحكي مأساة الدمار والإهمال

ربما كُتب الكثير عن بنت جبيل بعد الحرب، لتصوير الآثار المأساوية لحرب تمّوز على تراث المدينة القديمة واقتصادها وبنيتها التحتية ونسيجها الاجتماعي. لكنّ كتاب «الذاكرة والحرب» للدكتور علي بزي، الأستاذ الجامعي الحائز دكتوراه في علم الاجتماع والأنثربولوجيا من جامعة باريس ودكتوراه في علم الاجتماع من الجامعة اللبنانية، كان الأكثر إنصافاًً والأكثر فائدة لتاريخ المدينة، بعدما أرشف في طيّاته ذاكرة المدينة وأبنيتها وأزقّتها وأبرز معالمها، وقارنها بما أصبحت عليه بعد الحرب، عبر صور فوتوغرافية تقارن بين ما كانت عليه بنت جبيل قبل الحرب وكيف غدت بعد ذلك. فكان الدكتور بزي الأقدر، بحسب إمكاناته، على المساعدة في محاولة الحفاظ على الصورة القديمة لبنت جبيل، عبر أرشفتها في كتابه الفوتوغرافي النادر، الذي جعل من الصورة المعبّر الأساسي عن واقع بنت جبيل. أيام قليلة تفصل بين الصور المقارنة، نقلها الدكتور بزي إلى كتابه، بعد أن صوّرها بنفسه قبل نحو شهر من الحرب وبعد أيام منها. فالصور هي النجم في هذا الكتاب، وهي المحدّث الأول والأساسي الذي يُقنع القارئ ويُغرقه في حزن عميق على ما أصاب تاريخ المدينة وذاكرة أجيالها. ولم يبخل الكاتب بأن يضيف على كتابه بعضاً من تاريخ المدينة وواقعها الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي قبل الحرب وبعدها، بشكل بسيط ولطيف، يسهّل على القارئ قراءته بنهم، كما يسهّل على الباحث انتقاء ما تيسّر من المعلومات المهمة عن خصائص بنت جبيل وواقعها الديموغرافي والاقتصادي والبنيوي. فالكاتب لجأ إلى جداول بيانية إحصائية تفسّر ذلك الواقع المقارن بين ما هو كائن قبل الحرب وبعدها، مع ملاحظة أن الكاتب حكم على واقع البنية التحتية قبل الحرب بأنه جيد ومقبول، وسيِّئ ومقبول بعد الحرب. وإن كان اللافت أن واقع البنية التحتية قبل الحرب هو أسوأ من السيِّئ وشبه معدوم بعدها، وكأنه تغافل عن الإهمال المتراكم للمدينة أثناء الاحتلال وبعد التحرير. يركّز بزي في كتابته على ثلاثة أسس للمدينة أصابتها الحرب في الصميم، البلدة القديمة والسوق والمدارس. «فبعد تلاشي المادة، هل ستتلاشى المعاني؟ وهل يعي الجمع خطورة المرحلة؟ وهل سنصوغ معاني جديدة ترتكز على القديم لإعداد بناء الحديث ينسجم فيه الشكل مع المضمون؟ أم هناك تغيّراً بنيوياً يخضع لمؤثرات خارجية؟». فالكتاب، «مساحة بين صورتين تحكي حكاية مدينة فقدت حيويّتها، صامدة صابرة، ترتّل سورة يوسف كل يوم، تلملم الجراح، تستصرخ الأبناء المقيمين الذين أصبحوا طوابير على أبواب التعويضات، أو الأبناء المهاجرين الذين يتحفّزون للعودة، ولكن العودة إلى أين؟ الدمار كبير والخسارة أكبر». وفي الكتاب صورتان لخريطة بنت جبيل الجغرافية القديمة والحديثة، توثّق أحياء البلدة ومعالمها الجغرافية، إضافة إلى نبذة موثّقة بالصور من واقع بنت جبيل التربوي والثقافي والاقتصادي قبل الحرب وبعدها، مع نبذة تاريخية من المدارس والحرف التقليدية المندثرة والباقية. 150 صفحة من الصور من أصل مئتين، تتوقف مليّاً عند غالبيتها مقارناً بين القديم والجديد، اللذين تفصل بينهما أيام عدة. صورة لطريق مرصوفة بالحجارة لا وجود لها حالياً، وصور لحارات قديمة قبل التدمير وبعده، ولمنازل ذكرها التاريخ ومحاها العدوان. بيد أن عدداً لا بأس به من هذه الصور لم يكن معبّراً كغيره عن مضمون الكتاب، فكأنه أُلصق على عجل دون أن يكون له وجهه المقارن بين نيسان وتموز من عام 2006، كما هو واقع الصور الأخرى، لكن ذلك لا يلغي التشويق والإثارة، بل يؤكد أهمية الجدوى من الصور المعبّرة، مع ملاحظة وجود بعض الصور لمنازل قديمة وحارات لم يدوّن تحتها أي تعبير يشير إلى رمزيتها وأسمائها، وعدم وجود التطابق الكلي الذي يؤكّد حرفة عالية في التصوير. فهناك اختلاف نسبي في موقع الصور المقارنة من حيث موقع التقاط الصور أو من حيث وقت التقاطها.
* من أسرة الأخبار





العنوان الأصلي
بنت جبيل: الذاكرة والحرب
الكاتب:
علي بزّي
الناشر
دار النهار