نسعى في هذا البحث إلى تقديم مقاربة ذات بُعد فكري لموضوع الزواج المدني في محاولة قد تسهم في الإضاءة على بعض الجوانب الهامة في هذا الطرح، ولربما تفضي إلى أخذ هذا النقاش إلى أطره المنهجية الصحيحة والمفيدة.هنا لا بدّ من أن أشير بداية إلى تعريف عام لكل من الزواج المدني والزواج الديني، بعدها ندخل في بقية العناوين:

1. في تعريف الزواج الديني والمدني

يمكن القول في تعريف الزواج الديني بأنه الزواج الذي يحمل مشروعيته الدينية، بغضّ النظر عن مجمل ما يتصل بهذا الزواج من شروط وغير ذلك، حيث إنه يوجد فرق في الزواج وأحكامه بين الطوائف الدينية، كما بين المذاهب الإسلامية نفسها.

أما الزواج المدني، فهو الزواج الذي لا يحمل مشروعيته الدينية (ويفضل تعريفه بهذه الطريقة)، لأن ما نقصده بالزواج المدني ليس مجرد العقد، بل جميع المنظومة التي يحملها ذلك الزواج من أحكام وغيرها.

2. العوامل التي تدفع إلى الزواج المدني

يمكن القول إن جملة من العوامل تدفع إلى طرح الزواج المدني وتبنّيه، أما أهم تلك العوامل (أو الأسباب) فهي ما يأتي:
أ ــ القراءات الخاطئة للدين: بمعزل عمن يقدم هذه القراءة أو تلك، سواء كان متديناً أو غير متدين، فإن القراءات الخاطئة التي تقدم للدين وقضاياه، بما فيها ما يتصل بالحياة الزوجية والأسروية، تؤدي إلى تكوين فهم خاطئ للدين وتصوراته حول الحياة الزوجية والأسروية.
ب ــ التطبيق الخاطئ للدين: إذ إن الكثير من الزيجات أو المجتمعات قد لا تكون مشكلتها الوحيدة مشكلة فهم بمقدار ما هي مشكلة تطبيق، إذ حتى لو قلنا بوجود قراءات دينية تمتلك القدرة على المستوى النظري على حل جميع المشكلات القائمة، لكن إن لم يؤخذ بتلك القراءات ومفاهيمها ولم تكن هناك آليات لإعمال أحكامها فإن تلك القراءات لن تصل إلى أهدافها، طالما لم تتحول إلى ثقافة مجتمعية وإلى آليات قانونية، تسمح بعلاج تلك المشكلات بشكل جدي وفاعل.
ج ــ عدم الفصل بين الديني والمجتمعي: وهو ما يترتب على المسألة السابقة - وإن أمكن دمجهما منهجياً في مسألة واحدة - حيث إن البعض لا يفصل بين الديني والمجتمعي، فعندما يلاحظ مثلاً أن مجتمعاً إسلامياً ما ينطوي على العديد من المشكلات الأسروية أو الزوجية... فإنه ينسب هذه المشكلات إلى الدين نفسه لا إلى المتدينين، ويعزو السبب في ذلك إلى الإسلام لا إلى المسلمين.
د ــ التوسل إلى أهداف بعيدة بوسائل غير مناسبة: بمعنى أن البعض يطمح إلى الوصول إلى الدولة المدنية، وهو يرى أن المدخل إلى ذلك يتم من خلال الزواج المدني - أو هو من أهم القنوات للوصول إلى الدولة المدنية - ولذلك هو يسعى إلى تشريع الزواج المدني لإتاحة المجال أكثر أمام الزواج المختلط طائفياً ومذهبياً توصلاً إلى الدولة المدنية.
وهنا لا بد من القول إن الزواج المدني ليس هو المدخل للوصول إلى الدولة المدنية، ولنا في ذلك أكثر من نقاش:
أولاً: هناك تجارب معاصرة حيث كان الزواج المدني معمولاً به في بعض الدول المعاصرة (يوغوسلافيا السابقة مثلاً) ولعقود طويلة من الزمن، ولكن هذا الزواج لم يمنع من حصول انقسامات حادة اجتماعياً وسياسياً، اتخذت طابعاً عنفياً على شاكلة حروب طائفية مدمرة.
ثانياً: تاريخياً، كان هناك زواج مختلط في الدائرة الدينية نفسها، لكن عندما كانت تحصل نزاعات بين المذاهب (مثلاً) في تلك الدائرة الدينية، لم يكن الزواج المختلط يشكل مانعاً يحول دون تلك النزاعات، وهو ما ينطبق على الانقسامات الأخرى - كالقبلية وغيرها - في الدائرة الدينية نفسها.
ثالثاً: في لحظة ما، قد يتحول الزواج المختلط إلى جزء من المشكلة، بعدما كان يرجى أن يكون سبباً للحل، إذ قد تتحول النزاعات المجتمعية إلى تهديد جدي للزيجات المختلطة، لتكون سبباً لانفراط عقدها وتفككها، لأن الاختلاط في الزواج لم يعالج جوهر المشكلة الذي يكمن في انعدام ثقافة الاختلاف والتعايش الأهلي.
رابعاً: إن البعض يتصور خاطئاً أن المشكلة في الدين وليست في الطائفية، أو هو غير قادر على التمييز بين الدين والطائفة، فيتصورهما أمراً واحداً، في حين أن الذي يقف حجر عثرة أمام الدولة المدنية ليس هو الدين، بل الطائفية.
خامساً: إذا كان الهدف الأبعد للزواج المختلط، هو تحقيق الاندماج الوطني بين مختلف الطوائف؛ كمقدمة للوصول إلى مجتمع قادر على بناء الدولة المدنية، فيمكن القول إن هناك طرقاً كثيرة لتحقيق ذلك، ثقافياً، تربوياً واجتماعياً وإعلامياً... من دون أن نتعدى على الخصوصية الدينية، التي يجب أن تحترم.
ه ــ رفض الدين: حيث إن البعض ولموقف فكري من الدين ومفاهيمه وأحكامه، يريد إقصاء الدين من جميع الميادين الاجتماعية بما فيها «الأحوال الشخصية» من زواج وإرث وطلاق، حيث يرى أن الدين في أفضل الأحوال مجاله بين جدران أربعة، المسجد أو الكنيسة... وهو ما شاهدناه في مجتمعات عديدة. قد لا يكون بعض من ينظِّر للزواج المدني في مجتمعاتنا ينطلق من هذه الخلفية، ولكن في نهاية المطاف يوجد موقف يريد إقصاء الدين عن ذلك الميدان الاجتماعي، حتى لو نادى باختيارية الزواج المدني.
وــ النموذج الغربي والتأثر به: بمعنى أن البعض، نتيجة تأثره بهذا النموذج أو ذاك من النماذج المعمول بها في الغرب، بما فيها الزواج المدني، يسعى إلى إسقاط ذلك النموذج الغربي على مجتمعاتنا، من دون الالتفات إلى أمرين:
الأول: هو أن أي حصيلة قانونية أو غير قانونية في المجتمع الغربي هي نتيجة صيرورة تاريخية اجتماعية ثقافية، تفضي إلى هذه الحصيلة أو تلك، في حين أن مجتمعاتنا لا تمتلك الصيرورة نفسها، ولا الخصائص التاريخية، أو المجتمعية، أو الثقافية نفسها، بل لديها طبيعتها وميزاتها الخاصة، التي تختلف بها عن أي صيرورة مماثلة، أو أي نموذج غربي، أو مجتمع متجانس معه.
الثاني: إن بعض الأفكار التي تطرح هي خلاصات مستوردة من الغرب، لعلاج تلك المشاكل التي يعاني منها المجتمع الغربي، وبالتالي كان لا بد من إيجاد حل لها يتمثل – بنظرهم - في طرح الزواج المدني.
لكن قد تكون المشاكل التي تعاني منها مجتمعاتنا، تختلف في طبيعتها وخصوصياتها عن تلك المشاكل في المجتمع الغربي، وبالتالي هي تحتاج إلى علاج آخر يختلف عن ذاك العلاج الذي اعتمد في المجتمعات الغربية، فليس من الصحيح منهجياً استجرار علاجات لمشاكل (هي بالأساس في مجملها وليدة خصوصية المجتمعات الغربية) إلى مشاكل في مجتمعات أخرى، تختلف في طبيعتها المجتمعية وخصوصياتها الثقافية، ما يؤدي إلى اختلاف طبيعة مشاكلها وأسبابها؛ حتى لا تعالج (مثلاً) بدواء الزكام مريضاً يعاني تقرحاً في المعدة.
زــ مشكلات موضعية: بمعنى أن هناك في المجتمعات المختلطة دينياً حالات تسعى إلى الزواج المختلط دينياً، وهذه الحالات قد لا تلقى قبولاً من التشريعات الدينية، فتسعى إلى تجاوز هذا الرفض بالمناداة بالزواج المدني واللجوء إليه.
ولربما نجد حالات مختلطة مذهبياً تسعى إلى اعتماد نوع من التسوية، حتى لا تقوم بتثبيت زواجها في هذه المحكمة أو تلك، فتلجأ إلى الزواج المدني، وبهذا تتجاوز تثبيت الزواج بناءً على مذهب الزوج أو الزوجة.
وهنا لا بد من القول:
أولاً: للأديان خصوصياتها في ما يرتبط بدائرة الأحوال الشخصية وغيرها، ويجب العمل على احترام تلك الخصوصيات.
ثانياً: إن الأديان - على اختلاف موقفها من الزواج المختلط دينياً - لديها فهمها ومبرراتها في ما يرتبط بذلك الزواج، وإن لمن الأهمية بمكان الوقوف عند تلك المبررات، بغض النظر عن مدى الاقتناع بها أو لا.
ثالثاً: إن جملة من تلك القضايا التي يُسعى إلى تجاوزها من خلال الزواج المدني، إما أنها تمتلك إجاباتها المبررة دينياً بل حتى عقلانياً، أو أنها لا تستلزم اللجوء إلى هذا الزواج المدني (لا يستلزم الزواج المختلط مذهبياً اللجوء إلى طرح الزواج المدني).


3. الموقف من الزواج المدني

وأعني به الموقف الديني من ذلك الزواج، حيث ينبغي الالتفات إلى ما يأتي:
أولاً: إن الزواج المدني ليس مجرد عقد، بل هو منظومة متكاملة من التشريعات التي تشمل مختلف قضايا الحياة الأسروية.
ثانياً: إن المنهج الأجدى هو ذاك الذي يتناول الزواج المدني كمنظومة واحدة، فهل يمكن القبول بهذه المنظومة، باعتبار كونها معطى بشرياً وضعياً مقابل المعطى الإلهي؟ أو لا يمكن ذلك؟
ثالثاً: وبشكل أوضح، نجد اختلافاً كبيراً بين مجمل ما جاء في التشريع الديني، وما جاء في التشريع المدني، في قضايا الطلاق، والنفقة، والقوامية، والإرث، والمهر وجميع ما يتصل بالأحوال الشخصية.
رابعاً: إن معنى القبول بمنظومة الزواج المدني - من وجهة نظر إسلامية - هو التنكر لمجمل ما جاء في كتاب الله وسنّة نبيّه، حيث إن الموقف يفضي إلى التخيير بين الأخذ بما قاله الله تعالى ورسوله الكريم، أو الأخذ بما قاله فلان أو فلان من البشر.
بناءً على ما تقدم، فإن حقيقة الزواج المدني في مشروعه تستلزم الإعراض عن كتاب الله تعالى وسنّة نبيه، وهي في حقيقتها استبدال ما جاء في التشريع الوضعي بما جاء في القرآن الكريم والسنّة الشريفة. هي ترك ما قاله الله تعالى، والأخذ بما قاله القانون الروماني مثلاً. هي التنكر لما قاله رسول الله (ص) والعمل بما قاله المشرع الأميركي مثلاً. هي الإعراض عمّا قاله أئمة المسلمين وأهل بيت الرسول (ص)، والالتزام بما قاله هذا المشرع الغربي أو ذاك الوضعي.
ولذلك يجب أن يلتفت من يدعو إلى هذا الزواج أو يتمسك به إلى حقيقته، وإلى اللوازم التي تترتب عليه. فهل يمكن لأحد من المسلمين أن يهجر كتاب الله تعالى، وأن يعرض عن نبيه الكريم وأهل بيته الأطهار، بحجج واهية أو ذرائع، لا تثبت أمام أي نقاش موضوعي وعلمي؟
وهنا أريد أن ألفت النظر إلى أمور:
1ــ إن بعض الردود الدينية تفتقر إلى المنهج، حيث إنها تنتقص من جوهر القضية عندما تركز على بعض المفردات الجزئية (العقد مثلاً)، ولا تمحور البحث في منظومة الزواج المدني ومخالفتها لشرع الله تعالى.
2ــ إن بعض الردود تعبر عن رفض ناعم، أو موقف فيه الكثير من الحيادية ولربما الالتباس أحياناً، وبغض النظر عن الدوافع التي تدفع هذا البعض إلى هذا الأسلوب، فإن الموقف يجب أن يكون علمياً وموضوعياً ومستدلاً، وفي الوقت نفسه واضحاً وحاسماً ومنبهاً إلى اللوازم والنتائج التي قد تترتب على تلك القضية.
3ــ إن مجمل المقاربات التي تقدم للزواج المدني إما هي ذات بعد أيديولوجي أو قانوني، وقلما نجد مقاربات ذات بعد اجتماعي، مع أن أي قانون ذي مضمون اجتماعي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن مجمل التداعيات والنتائج الاجتماعية، التي يمكن أن تترتب عليه.

4ــ الزواج المدني في تداعياته الاجتماعية

بمعنى أن هذا المشروع ليس بكراً على الاختبار، بل هو مشروع تم اختباره في مجمل المجتمعات الغربية منذ عقود متطاولة من الزمن، ونحن لا نحتاج إلى اختباره في مجتمعاتنا حتى نرى النتائج التي يمكن أن تترتب عليه، ولا يمكن لدعاة الزواج المدني أن يتناولوا هذا المشروع بكثير من التبسيط، الذي يعزله عن تداعياته الاجتماعية الكثيرة المترتبة عليه، ولا يصح التعامل معه بشيء من السذاجة المنهجية، التي تُغفل مجمل النتائج السلبية التي تصيب الاجتماع الأسروي وغير الأسروي.
هل يمكن أن يبين لنا دعاة الزواج المدني ما الذي فعله ذلك القانون بالأسرة في الغرب؟ وهل يمكنهم أن يذكروا لنا أثره على العلاقات الأسروية والعلاقات بين الأرحام؟ وهل يمكن أن يحدثونا عن مجمل تلك القيم الدينية والاجتماعية التي تحصن الأسرة، وتحافظ على علاقات التواصل والمودة بينها، أين أصبحت في الغرب، وكيف يساهم الزواج المدني في تذويبها؟ هل بحثوا في العلاقة بين قوانين الزواج المدني المعمول بها في الغرب وبين الانفلات الأخلاقي الموجود لديهم، من الزواج المثلي إلى الحريات الجنسية الكاملة لمن أصبح في السن القانونية لديهم، سواء كانوا شباناً أو شابات؟ وهل وقفوا عند مجمل التداعيات، التي أحدثها الزواج المدني على مختلف مجالات الحياة الاجتماعية لديهم؟ لقد عُمل على إفراغ المؤسسة الأسروية من قيمها التي تهب العلاقات الأسروية بُعداً دينياً - أخلاقياً عميقاً، يسهم في توطيد تلك العلاقات والمحافظة على استمرارها، فهل يُراد حرماننا من تلك القيم الدينية - الأخلاقية، التي هي من أهم ما نملك من عناصر القوة في المحافظة على نسيج علاقاتنا الاجتماعية والأسروية السليمة؟ هل يراد لنا أن نخسر قيم الألفة والمودة والرحمة والغيرة والحشمة والعفة وغيرها من تلك القيم، التي هي رديف التشريع الإسلامي، والتي تهب علاقاتنا الاجتماعية روحاً خاصة وحياة بصبغة الله، والتي تعد من أهم ما لدينا لحماية مجتمعاتنا وصونها من التحلل الأخلاقي والفساد والانحراف؟ هل يُراد لنا أن نصل إلى ما وصل إليه الغرب، من أعراف وسلوكيات ومشاكل، سواء على المستوى الأخلاقي أو الاجتماعي، وخصوصاً بالمستوى الذي وصل إليه انحدار الأسرة فيه، وتراجعت العلاقات الأسروية لديه؟
إن مشروع قانون الأحوال الشخصية المدني يأتي حاملاً معه قيمه ومفاهيمه الهجينة أو المستوردة، وهو لن يكون مجرد قانون، بل يُراد له أن يصنع نموذجه الاجتماعي في العلاقات القانونية والقيم والمفاهيم الثقافية والسلوكيات، ذلك النموذج الذي سوف يؤدي إلى تدمير نموذجنا الاجتماعي الذي نسعى إليه، ونحرص على بنائه، على أساس من أصالتنا وقيمنا ومفاهيمنا، ونعمل على تطويره ومعالجة شوائبه، لكن من خلال مفاهيمنا الأصيلة وآلياتنا للتطوير والاجتهاد، لا من خلال مفاهيم وآليات غريبة يُراد إسقاطها على مجتمعاتنا وقضايانا.
ولذا، فإن الذي سيرفض ذلك المشروع هو أحد ثلاثة: الأول: الملتزم دينياً، وذلك انسجاماً مع قيمه ومبادئه الدينية. الثاني: المحافظ اجتماعياً، الذي يدرك أهمية القيم الأخلاقية والاجتماعية في مفاهيمنا الدينية، ومدى ما تساهم به من سلامة العلاقات الاجتماعية والأسروية. الثالث: وقد يضاف إليهما الباحث الاجتماعي الذي أعمل مناهجه العلمية في دراسة النموذج الغربي (مثلاً)، والذي أدرك ما الذي أنتجته منظومة الزواج المدني في الغرب، من نتائج وتداعيات على المستوى الاجتماعي.

5ــ لماذا لا تقبلون بكونه اختيارياً؟

قد يقول قائل: فليكن هذا الزواج اختيارياً، وبالتالي فليختر كل إنسان بحسب اقتناعه، فمن أراد الديني فهذا خياره، ومن أراد المدني فهذا أيضاً خياره.
قد يكون هذا الكلام معقولاً للوهلة الأولى، وقد يسعى البعض إلى تبريره من خلال ذكر نصوص دينية، من الواضح أنها لا تفيده في هذا المقام، والجواب على ما تقدم:
أولاً: إن أي ملتزم دينياً، إذا أراد أن يكون منسجماً مع اقتناعاته، فسوف يرفض أصل الزواج المدني، بمعزل عن كونه اختيارياً أو غير اختياري، وذلك لمخالفته لمعتقداته الدينية، واقتناعاته ذات الصلة.
ثانياً: إن بعض المبررات التي تُطرح للزواج المدني تنتقص من الدين في تشريعه ومفاهيمه وطروحاته، أي أن دعاة الزواج المدني يسعون إلى بناء مجده على أنقاض الزواج الديني وحطامه؛ وعليه عندما يقدّم بعض هؤلاء العلاقة بين الديني والمدني على أنها علاقة تناقضية (ولو على مستوى مبرراتها المعرفية)، فمن الطبيعي أن يكون الموقف من الزواج المدني هو الرفض بكليته، بمعزل عن اختياريته وعدمها.
ثالثاً: إن المقاربة القانونية لإشكالية الزواج المدني هي مقاربة غير كافية، والذي ينبغي التأكيد عليه في معالجة تلك الإشكالية هو بعدها الاجتماعي - كما ذكرنا -، فهل عندما تحصل التداعيات الاجتماعية لمنظومة قانونية ما (مشروع قانون الأحوال الشخصية المدني) سوف تطال فقط أولئك الذين التزموا به، أم كل الذين هم في الدائرة الاجتماعية نفسها؟ وإذا كان الاعتقاد بأن التداعيات الاجتماعية التي سوف يحدثها الزواج المدني هي تداعيات سلبية وخطيرة، ألن يكون من حقنا أن ندافع عن سلامة مجتمعاتنا وقوتها، والعلاقات المجتمعية السوية فيها، وأن نعمل على تحصينها وحمايتها من خلال رفضنا لمشروع قانون الأحوال الشخصية المدني؟
* أستاذ جامعي