كمال مساعد *
انتقلت الاستراتيجية العسكرية من الاستراتيجية التقليدية إلى الاستراتيجية النوويّة وتتّجه حالياً نحو الاستراتيجية الفضائية. كما تغيّرت طبيعة الحرب بتغيير وسائل الصراع المسلّح وأساليبه.
وبعدما كان الاشتباك بالأسلحة التقليدية تطوّرت وسائل القتال من الدبّابة والطائرة والغوّاصة، إلى الصواريخ، والأسلحة النووية، ومراكب الفضاء، والأقمار الاصطناعية، وما إلى ذلك من تطور هائل في الإلكترونيات، ما جعل إعداد وإدارة حرب أو صراع مسلَّح في الظروف الحاليّة مسألة شديدة التعقيد وبالغة الخطر، وهذا ما استوجب اتّباع استراتيجيات الردع المختلفة. إلّا أنّ تقدّم أبحاث الفضاء أرغم الدول على أن تراجع وتطوّر وتعدّل مفاهيمها العسكرية، لكن مع بقاء واستمرار أهدافها السياسية دون تغيير، كما بدأت تختلف النظرة نحو طبيعة الحروب المقبلة وأسلوب شنّها وإدارتها، وبصفة خاصّة نحو مشكلة إدارة الحرب النووية والفضائية والوسائل اللازمة لإعدادها. ثم بدأت الدول بصفة مستمرّة بإجراء أبحاث ومناقشات في الدوائر العسكرية، لتحديد المفهوم الاستراتيجي الجديد الذي يجب اتّباعه خلال الفترة المقبلة ومنها:

استراتيجية الردع المختلفة

1- إنشاء مدن فضائية: تزن الواحدة منها ألف طن على الأقل. وستجري فيها التجارب والصناعات الخاصة بالإلكترونيات والبيوكيمياء والتعدين والطب... وبالطبع ستؤدّي التجارب والصناعات العسكرية دوراً رئيسياً وهذا ما يسرّع الوصول إلى مرحلة متقدمة في القرن الواحد والعشرين.
2- إقامة جزر عسكرية عملاقة: ترى أميركا أن من الأفضل عدم بناء قواعد عسكرية في بلاد لا تريدها. وفي هذا المنظور، لماذا لا يمكن بناء قواعد عسكرية على شكل جزر صناعية عملاقة، لتوفير نوع جديد من القواعد العسكرية المتحركة. وتبعاً لهذا الاقتراح فإن القاعدة المسماة (JMOB:Joint Mobile Offshore Base) ستُنشأ بتجميع منصّات عديدة ذاتية الحركة. طول كلّ منها ألف قدم (330 متراً) وعرضها 500 قدم (167 متراً) وارتفاعها 120 قدماً (40 متراً) عن سطح البحر.
كل منصّة من هذه المنصّات قادرة على التحرك بمحرّكات ديزل كهربائية بسرعة 15 عقدة. وهذا ما يضمن بناء قاعدة عسكرية بحرية متكاملة وفي أي مكان في العالم في غضون شهر واحد فقط. وعندما تصل المنصة المفردة إلى المكان المطلوب فإنه يمكن ربطها بالمنصّات الأخرى لتكوين قاعدة عملاقة في المياه الدولية بعيداً عن مدى رادار وأسلحة العدو. وهذه القاعدة تستطيع استقبال كل أنواع القاذفات العملاقة والطائرات المدنية والقتالية.
3- Smart Dust الغبار الذكي: وهو مشروع تطوير لواقط الكترونية دقيقة للغاية لا يتعدّى حجمها حجم ذرات الغبار، وذلك خلال عام 2008 ولا تتعدّى مساحة الواحد منها ملليمتراً واحداً. وكل حبة غبار تعمل عمل كمبيوتر كامل وحقيقي يتمتع بالقدرة على الحساب ويستخدم الذاكرة ويسهّل عمل الاتصالات.
4- أجرت الولايات المتحدة تجربة في صحراء كاليفورنيا حين قامت إحدى الطائرات بنشر حوالى ثلاثين لاقطاً، تساوي مساحة كل منها مساحة قطعة نقود صغيرة أي أكبر بكثير من مساحة الملليمتر الواحد، الحد الذي يحلم به العلماء لتحقيقه. واستطاعت هذه اللواقط فعلاً الاتصال فيما بينها وإرسال المعلومات أيضاً إلى جهاز الكمبيوتر الموجود على الطائرة التي نثرت هذه اللواقط. ونجحت التجربة وتجري الآن ورش مخبرية لتصغير هذه اللواقط. ومن الممكن الاستفادة من ذلك في الأغراض العسكرية والمدنية.
5- تحديت آلاف الأقمار الصناعية: وهناك مشروعات أخرى طموحة، مثل تجديد الأقمار الصناعية القديمة في الفضاء، التي انتهت مدة صلاحياتها للعمل.
6 الحشرات الروبوتية: هي أجهزة بحجم الحشرات الصغيرة يمكنها الدخول إلى المخابئ أو المصانع الخطيرة على الإنسان، وإرسال المعلومات والقياسات والبيانات التي تدلّ على الوضع في المكان المراد استكشافه.
7- القنابل التكتيكيّة: هناك خياران أمام العسكريّين الاستراتيجيّين: إمّا تطوير الرؤوس النووية أو صنع قنابل تكتيكية صغيرة. حيث إنّ ترسانة الأسلحة الأميركيّة تتكوّن من القنابل العملاقة التي تدمّر المدن، إلا أنّها عاجزة عن اختراق الأرض لضرب مخابئ الأسلحة البيولوجية والكيماوية المخبّأة في باطن الأرض، وعلى أعماق كبيرة. هذه القنابل المُراد إنتاجها تستطيع اختراق وتدمير الملاجئ والمخابئ الموجودة في أعماق الجبال وتحت غطاء صخري قد يزيد على ألف قدم، كما كشفت مجلة «تايم» الأميركية.

المهمات المفصلية لوكالة داربا الأميركية

وتحضيراً لذلك شكّلت وكالة داربا (Agency DARPA (The Defence Advance Research Projects) إحدى الوكالات التي تتبع لوزارة الدفاع الأميركية، ثمانية أقسام مسؤولة عن تطوير التكنولوجيا المستخدَمة في الأغراض العسكرية، وقد موّلت الوكالة عدداً كبيراً من المشروعات التكنولوجية والتقنيات الحديثة التي تؤدّي دوراً حيوياً على المستوى العالمي لجانب توفير الاحتياجات التكنولوجية الآنية لوزارة الدفاع الأميركيّة، التي تستشرف متطلّبات القائد العسكري وتعمل على جعلها حقيقة، كما توفّر ما يمكن من التكنولوجيا العسكرية المتاحة والمستقبلية وهي:
1- مكتب التكنولوجيا المتقدّمة (The Advanced Technology Office (ATO) ويختصّ بأبحاث الاتصالات والعمليات الخاصّة والقيادة والتحكّم وتوثيق المعلومات العسكرية والعمليات البحرية.
2- مكتب العلوم الدفاعية The Defense Sciences Office ويختصّ بمراجعة جميع الأبحاث العلمية والهندسية في جميع المجالات وتوظيفها في مجال التكنولوجيا العسكرية.
3- مكتب تكنولوجيا المعلومات The Information Processing Technology Office ويركّز على شبكات الاتصال والبرمجيات من أجل التفوق العسكري.
4- مكتب استغلال المعلومات Information Exploitation Office وهو يطوّر الأنظمة الاستشعارية التي تستخدم في حرب الفضاء وتحديد الأهداف والقيادة والتحكّم وكشف الأسلحة المخبأة تحت الأرض.
5- مكتب تكنولوجيا الأنظمة الدقيقة The Microsystems Technology Office وهو يطوّر الأنظمة الإلكترونية للشرائح الصغيرة المتغيرة الخواص والمعروفة باسم الأنظمة الميكروإلكترونية الحركية (MEMS micro electromechanical system) وهذا القسم مسؤول عن مواجهة أخطار الحرب البيولوجية
والجرثومية.
6- مكتب المشاريع الخاصّة The Special Projects Office وهو يعمل على تطوير الأنظمة لكشف المنشآت العسكرية المبنية تحت الأرض، ومخازن الأسلحة وكذلك أسلحة الدمار الشامل.
7- مكتب التكنولوجيا التكتيكية The Tactical Technology Office وهو مسؤول عن تطوير أبحاث الجو والفضاء مثل أنظمة التحكّم.
8- مكتب أنظمة المعارك الجوية من دون طيار Joint Unmanned Combat Air The System.
لقد أخذت الاستراتيجية الجديدة المدعّمة بالتكنولوجيا تتخطّى المواقع الجغرافية التقليدية وتتجاهل التضاريس، وتسقط المسافة من الحساب؛ أي إن هذه الاستراتيجية انتقلت من المكان إلى الزمان أو جعلت من الزمان البعد الجديد للمكان الاستراتيجي. وبظهور الأقمار الاصطناعية أصبحت لكل استراتيجيه ضرورة وضع الأهداف الآتية في الاعتبار: منع الاستطلاع المعادي في الفضاء لعدم تعطيل وتدمير أقمار الاستطلاع. وهذا ما تعمل عليه أميركا لشل وإسكات نظام الاتصال الاستراتيجي. تدمير أنظمة الفضاء الحديثة لأقمار الملاحة. تعطيل عمل النظم الفضائية. ويعتقد خبراء الاستراتيجية الفضائية أن توجيه الضربة الأولى وتحقيق المفاجأة أصبحا ممكنين بسهولة في حرب الفضاء، وخصوصاً مع ظهور الأقمار الاصطناعية الهجومية والقنابل المدارية، وباستخدام هذا النوع من الأقمار الاصطناعية ازدادت احتمالات الهجوم المفاجئ لعدم توافر الإنذار المبكر، إلاّ في وقت قصير جداً لا يسمح للوسائل المضادة بالرد.
وخلاصة الأمر أنّ الفضاء سيدخل للمرة الأولى مسرح العمليات العسكرية للحرب، وسوف يصبح مسرحاً جديداً ومسرحاً للتنافس العسكري المباشر والصراع المحتمل. وفي حال نشوب حرب سوف تستخدم النظم الكونية الهجومية الاستراتيجية لإدارة الصراع المسلَّح في الفضاء الخارجي، وضرب الأهداف الموجودة على سطح الأرض من قواعد ومنصّات إطلاق فضائية. وسوف يعتمد تخطيط الحرب المقبلة وإدارتها على الترسانة الفضائية بكلّ ما تحوية من أقمار اصطناعية للرصد والتجسّس والاتصالات. حيث إنّ عصر الفضاء جعل الحرب المقبلة أكثر تعقيداً بدرجة أكبر من الماضي، لأن أنظمة الأسلحة الفضائية سوف تؤدّي دوراً متزايداً في الإعداد لشن الحروب المستقبلية على
الأرض.
* كاتب لبناني