إسكندر منصور *
لم تحسم الانتخابات الأوليّة في «الثلاثاء الكبير» من سيكون مرشّح الحزب الديموقراطي للرئاسة الأميركيّة وإن كانت قد حسمت إلى حد كبير اسم مرشّح الحزب الجمهوري حيث فاز السيناتور جون ماكين ممثّل ولاية آريزونا في مجلس الشيوخ بأغلبيّة المندوبين لمؤتمر الحزب حتى الآن. بالرغم من انتماء كلّ من مرشّحي الحزب الجمهوري، إلى الحركة المحافظة، إلا أنّ نتائج الانتخابات الأوليّة في «الثلاثاء الكبير» كانت دلالتها الأولى والبارزة أنّ قوة وفعاليّة القاعدة المحافظة للحزب الجمهوري هي غيرها من قوة وفعاليّة قاعدته المحافظة منذ ثمانية أعوام عندما انتُخب جورج بوش رئيساً. لقد انتُخب بوش بعد أن أمضى بيل كلينتون فترتين رئاسيّتين في البيت الأبيض كانتا كافيتين لتفعِّلا القاعدة المحافظة للحزب الجمهوري وتلتفّ حول بوش وبرنامجه المحافظ وتنتخبه رئيساً. أمّا اليوم فمعركة الانتخابات الأوليّة تجرى بعد ثماني سنوات على رئاسته وما تحمله هذه الرئاسة من إخفاقات سياسيّة إن كان في سياستها الاقتصاديّة حيث المؤشّرات تدلّ على ركود اقتصادي قادم، أو في سياسته الخارجيّة وإخفاقه الرئيسي في كلّ من حربيه على «الإرهاب» والعراق (طبعاً نجاحه الوحيد في السياسة الخارجيّة حتى الآن وهو الإبقاء على السنيورة رئيساً لوزراء لبنان إلى أجل غير مسمّى). لهذا فنتائج الانتخابات الأوليّة كانت لمصلحة السيناتور ماكين الجمهوري المتأرجح بين الانتماء إلى معسكر المحافظين مثله مثل أغلبيّة الجمهوريّين وبين الوقوف على مسافة واحدة من المحافظين والمنفتحين على الحزب الديموقراطي. وبالرغم من موقفه المتردّد والإشاعات التي حامت حوله في السابق على أنه يودّ الانتقال إلى صفوف الحزب الديموقراطي، بقي محافظاً على موقفه المؤيِّد، والذي ما يزال، للحرب على العراقلم تبدِ الأوساط المحافظة لفوز ماكين أي حماسة. فعلى العكس، العلاقة بين ماكين والقوى المحافظة في الحزب الجمهوري ليست على ما يرام. وعدم الثقة طابعها المرجّح حتى الآن. تعود جذور فقدان الود بين ماكين ونشطاء التيار المحافظ في الحزب الجمهوري إلى مواقفه المتمايزة عن أكثريّة الحزب الجمهوري وخاصة لموقفه من المهاجرين غير الشرعيين ومعارضته لبرنامج بوش في ما يتعلّق بخفض الضرائب، ومعارضته أيضاً سنّ قانون فدرالي يمنع الإجهاض والزواج المثلي ولسجلّّه المنفتح على التعاون مع الحزب الديموقراطي في مجلس الشيوخ. هذا لا يعني أنّ ماكين ليس محافظاً في أمورٍ كثيرة بل ما يقوله الناشطون إن ماكين ليس محافظاً أصيلاً. لقد حاول نشطاء الفريق المحافظ وأعلامهم، من برنامج المذيع المحافظ اليميني المشهور راش ليمبو، إلى الناشطة المحافظة آن كاتلر، وقف صعود ماكين قبل «الثلاثاء الكبير». لكن محاولاتهم لم تنجح في كبح جماح صعوده وبعكس منافسه مايك هاكابي المدعوم من الأصوليّين وميت رومني اللذين، بالرغم من انتمائهما وتبنّيهما لبرنامج المحافظين، لم يستطيعا منافسة ماكين. قرر رومني الخروج من حلبة السباق فخاطب أنصاره بأنه لا يقبل في أن يساهم بإيصال رئيس ديموقراطي إلى البيت الأبيض تكون أولى مهماته سحب الجيش الأميركي من العراق و«إعلان الهزيمة.» بقي هاكابي المنافس المحافظ الوحيد أمام ماكين. لكن كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ ماكين سوف يتابع نجاحاته ويكون مرشّح الحزب الجمهوري للرئاسة. أوّل مواجهة بين ماكين والمحافظين بعد «الثلاثاء الكبير» كانت خلال «مؤتمر العمل السياسي المحافظ» الذي يحضره عادة حوالى 6000 مندوب وناشط جمهوري ومحافظ. كان على ماكين أن يقنعهم بأنه واحد منهم وأنه ينتمي إلى معسكر المحافظين. كان عليه أن يقنعهم بأنه مرشّحهم وبأنه يشاركهم همومهم وهواجسهم وتوجّهاتهم. وهكذا بدأ ماكين رحلة التحوّل والتراجع عن مواقفه السابقة ليظهر بصورة المحافظ الحقيقي الأصيل وليكسب ليس فقط أصوات وتأييد الناشطين الأكثر محافظة بين الجمهوريين، بل ليكسب اندفاعهم ودورهم في تعبئة الجمهور المحافظ والذي من دونه سيكون النجاح في الانتخابات الرئاسيّة أصعب بكثير. طبعاً سيكون هناك عاملان مهمّان إلى جانب ماكين في جذب الناشطين ليكونوا بجانبه وفاعلين في حملته الانتخابيّة. أولاً: إذا كانت هيلاري كلينتون مرشّحة الحزب الديموقراطي، فالقوى المحافظة الناشطة لا تكنّ الود لآل كلينتون وخاصة الرئيس السابق بيل كلينتون الذي حاول المحافظون إقالته من منصبه الرئاسي خلال فترة رئاسته الثانيّة. أمّا العامل الثاني فهو متوقّف على اسم نائب الرئيس والذي سيدفع المحافظون باتجاه أن يكون قريباً من قناعاتهم الإيديولوجيّة.
أمّا على صعيد الحزب الديموقراطي فمعركة اختيار مرشّحه لم تحسم بعد وما يزال الغموض والمفاجآت يكتنفانها. أياً يكن مرشح الحزب فسوف يشكل علامة فارقة في الحياة الانتخابيّة الأميركيّة كون المعركة هي بين هيلاري كلينتون زوجة الرئيس السابق وعضو مجلس الشيوخ عن مدينة نيويورك، وبين باراك حسين أوباما وهو أميركي من أصل أفريقي وممثّل ولاية إلينوي في مجلس الشيوخ. عدد المندوبين لحد الآن لمؤتمر الحزب الديموقراطي يتقاسمهم كلّ من أوباما وكلينتون، ما يعني أن المعركة الانتخابيّة لن تحسم قريباً وربما ستبقى عالقة، بنظر استراتيجيّي الحزب الديموقراطي، حتى مؤتمر الحزب الوطني. لقد استطاعت هيلاري الفوز بولايات كبيرة كنيويورك وخاصة كاليفورنيا وذلك نظراً لوجود ضخم للناخبين من أصول مكسيكيّة ولاتينيّة (الهسبانيك) والذين صوّتوا لها بنسبة 69 في المئة، ما أفقد أوباما تقدّمه في هذه الولايات وجعل كلينتون تتقدّمه بعدد المندوبين ولو بفارق صغير. وهذا العامل سيكون لمصلحة كلينتون في ولاية تكساس ذات الحضور البارز للهسبانيك؛ طبعاً بالإضافة إلى الصوت النسائي الذي يرى في انتخاب هيلاري رئيسة، فرصة العمر. هناك ما يعرف بـ«المندوبين الكبار» وهم ممثّلو الحزب الديموقراطي في الكونغرس وفي مجلس الشيوخ وحكّام الولايات والبلديّات الذين سيكون لهم الوزن أو القوة المرجِّحة في مؤتمر الحزب كون المندوبين المنتخبين في الدورة الأوليّة شبه منقسمين بالتساوي بين أوباما وكلينتون. طبعاً دور «المندوبين الكبار» في الحزب الديموقراطي سيكون إلى جانب هيلاري كونها هي وزوجها الرئيس السابق على علاقة وطيدة بمؤسّسات الحزب ويعتبرون جزءاً من الـ«إستابليشمنت»، بعكس باراك الطارئ الجديد والقادم من خلفيّة ناشط في الأوساط الشعبيّة في ولاية إلينوي والذي عمل أيضاً محامياً للحقوق المدنيّة قبل انخراطه في العمل السياسي المباشر. إن نتائج الانتخابات الأوليّة المقبلة ستكون حاسمة وخاصة إذا كانت المعركة ستصل إلى مستوى الصدام بين المندوبين المنتخبين في الانتخابات الأوليّة و«المندوبين الكبار»، مندوبو الـ«إستابليشمنت». يصحّ القول إنّ أوباما يتلقّى الدعم المالي والمعنوي من قوى ذات حضور فاعل ومؤثّر في المجتمع الأميركي وإنّه تراجع كثيراً أمام ضغط اللوبي الصهيوني عن مواقفه تجاه القضيّة الفلسطينيّة؛ كما يصحّ القول إنّ معركته الانتخابيّة ليست كمعركة رالف نادر الراديكاليّة ببعدها الاجتماعي والسياسي. لكنّ خلفيّة باراك حسين أوباما السياسيّة والاجتماعيّة وتجربته العائليّة وخطابه السياسي تجاه «العالم الثالث» وقضاياه ومعارضته للحرب على العراق ستجعل منه إن فاز، رئيساً لم تشهد الولايات المتحدة الأميركيّة مثيلاً له وتطوّراً جديداً في الحياة السياسيّة الأميركيّة.
* كاتب لبناني مقيم في الولايات المتّحدة الأميركيّة