فايز فارس
ما زالت السياسة الخارجية/الدولية لجمهورية إيران الإسلامية ترتكز على أكثريّة العناصر الاستراتيجية ذاتها التي اعتمدتها حكومات النظام الملكي منذ قيامه بُعيد الحرب العالمية الثانية مع فوارق في قاموس المفردات والصور وغيرها من المظاهر التي يجب ألّا تغشّ الباحث والدارس والقارئ. فقد غنمت جمهورية إيران الإسلامية من النظام الملكي الإيراني «سادس أقوى جيش في العالم»، وعرفت كيف تحافظ عليه وتطوّره بشرياً وعدّة وعتاداً وتطوّقه بتنظيم شعبي قويّ، وقد أنشأت مراكز الدراسات والأبحاث حفاظاً على مكتسبات ثورتها المستدامة.
وفي علاقتها بدول الغرب، تعلّمت إيران الإسلاميّة من تجربة رئيس الوزراء محمّد مصدّق عام 1952 وتجربة الشاه عام 1974 مع الحكومة البريطانيّة التي كلّفتهما، الأوّل حياته والثاني خسارة عرشه ونظامه ووجوده بسبب إقدامه على تأميم شركة النفط البريطانية. أمّا في علاقتها مع الاتحاد السوفياتي، فقد استفادت إيران الإسلامية من تحوّل هذه الدولة العظمى إلى دولة إقليميّة كبرى، فأقامت معها علاقات متوازنة متكافئة، وعمّ السلام بحر قزوين...
في علاقاتها مع دول الخليج العربي الفارسي، الذي تصرّ على تسميّته بـ«الخليج الفارسي»، وغيرها من الدول العربية النفطية الشمال أفريقية بقي النفط هو القاعدة الثابتة التي تتحكّم في تلك العلاقات، ثنائية كانت أم جماعية، ما سمح لإيران الإسلامية بأداء دور أكثر فعّالية ضمن مجموعة «أوبك» وتمتين علاقاتها بدول مثل فنزويلا. وفي علاقاتها السياسيّة مع الدول العربية عامّة، برزت الخلافات الدينيّة التاريخيّة إلى واجهة الأحداث، مع أنها لم تكن يوماً غائبة أو منسيّة. لكن إيران «تفاهمت» مع أمراء الخليج و«تواصلت» في علاقاتها مع مصر ذات الماضي «الفاطمي»، ووقفت إلى جانب النظام السوري و«حماس» الفلسطينيّة وحزب الله اللبناني وشيعة العراق، رغم وجود تلك الخلافات العقائدية الموروثة، ما مكّنها من تحقيق مصالحة تاريخيّة مع قضايا الشعوب العربيّة والتسلّل إلى عقول وقلوب المجاهدين الصامدين واكتساب ودّهم وثقتهم بها. فهل تحوّل النزاع بين مصالح قوميّتين إيرانية وعربيّة إلى صراع بين عقيدتين دينيّتين إسلاميّة شيعيّة وإسلاميّة سنيّة، إذا ما أخذنا بأقوال وتصريحات بعض القادة العرب والعالم؟ طبعاً لا، وإن تشابكت المواقف واختلطت السلوكيّات التي ينتهجها «بعض» رجال الدولة في إيران والعالم العربي في نظر المراقب والمحلّل. فالعنصر الديني لم يكن يوماً سوى وسيلة سهلة ورخيصة إلى درجة الابتذال، تُعتمَد في نشوء الحروب المسمّاة حروباً دينيّة. وتاريخ الشعوب يضجّ بالأمثلة في كلّ مرّة نشأت فيها دولة أو قامت إمبراطوريّة على أسس عقائدية دينيّة، وعلى حساب دولة ما أو شعب آخر. أعتقد أن إيران الإسلامية عرفت كيف تدخل إلى مكامن الألم والجوع والخوف على المصير لدى الشعوب الثائرة والجماعات المقهورة عندما عجزت عن إقامة تحالفات مع الأنظمة الحاكمة. طبعاً هي تراهن على مستقبل هذه الشعوب الناهضة وعلى نجاح هذه المجموعات المنظّمة التي رفضت الخضوع والخنوع وأثبتت قدرتها على صنع الأحداث، فأقنعت نظام الحكم في إيران الإسلامية بأحقيّة مشروعها التغيّيري واستحقّت دعمه ومساعداته، ما دام الصبر هو نصف الإيمان ومفتاح الفرج.