طراد حمادة *
النظر في السياسات العامّة للموالاة والسياسات العامّة للمعارضة اللبنانية يسمح بإقامة مقارنة بينهما، يستبين فيها الناظر(وهو المواطن اللبناني في هذا الموضع) حقائق المواقف السياسية للطرفين لتكون له الإرادة الحقّة، والاختيار الحرّ، والقدرة على المحاسبة والتغيير.
إذاً، السياسات العامة للقوى السياسية اللبنانية على اختلاف انتماءاتها واتجاهاتها، ملزمة وفق الدستور، وطبيعة النظام اللبناني أن تقدّم إلى المواطنين من ناخبيها جردة حساب عن كلّ ما فعلته خلال الولاية الكاملة لمجلس النواب.
ما الذي تحصّل من مواقف سياسية للموالاة والمعارضة من خلال ميزان القوى في البرلمان اللبناني الذي انتخب عام 2005؟
يجب، اتفاقاً مع منهجية هذا البحث، أن نقدّم صورة موجزة عن الظروف التي حصلت فيها الانتخابات التشريعية 2005، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
ــــــ على صعيد رئاسة الجمهورية حصلت الانتخابات التشريعية 2005 في عهد ولاية ممدَّدة للرئيس السابق إميل لحود، في ظلّ معارضة داخلية لقرار التمديد، وتوتّر في علاقات المعارضة اللبنانية مع رئيس الجمهورية، وقد لجأت هذه المعارضة إلى الخارج لإعلان أنّ قرار التمديد من إنتاج ما تسمّيه سلطة الوصاية السورية على لبنان، ومن جراء ذلك، تفاقمت الصراعات السياسية بشأن الانتخابات وازداد التدخّل الدولي والإقليمي في لبنان.
ــــــ عبّر التنافس الانتخابي عن نفسه من خلال طرح شعارات وبرامج انتخابية أخطر ما فيها أنها نظرت إلى هذه الانتخابات كأنها آخر الدنيا، وكأنها تسمح للفائز فيها بنقل لبنان من مكان إلى آخر، وتعدّل ميزان القوى بشكل قوي ودائم، ولذلك، فقد حضّرت الأحزاب اللبنانية لخوض الانتخابات وكأنها تريد ممارسة ما يسمّى الديموقراطية لمرة واحدة، وهو اختيار ينفي الفعل الديموقراطي نفسه.
ــــــ ازدياد التدخّل الدولي في لبنان وذلك بعد حصول سلسلة من المتغيرات في العلاقات الدولية، من خلال سياسة إدارة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأميركية التي وضعت في سلّم أولوياتها استهداف شبه القارة العربية والإسلامية بعد أحداث 11 أيلول، وما تلاها من قيام أميركا بغزو العالم الإسلامي والعربي مستهدفة إخضاعه تحت شعارات: 1- الحرب على الإرهاب. 2- الحرب على النظم الاستبدادية لمنعها من امتلاك أسلحة دمار شامل. 3- فرض حل غير عادل للصراع العربي ــــــ الصهيوني. 4- نشر الديموقراطية الأميركية وقيمها الأخرى. 5- منع العرب والمسلمين من امتلاك التكنولوجيا المتطورة وخاصة التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية.
كان موقع لبنان في مخطّط الغزو الأميركي لشبه القارة العربية والإسلامية، هو قاعدة الانطلاق لإخضاع فلسطين ومحيطها وإقامة نظام شرق أوسطي جديد، يفرض مصالح وقيماً جديدة، ويشارك في صناعته العدو الصهيوني، لتكون لكيان العدو الصهيوني، السيطرة التامة على المنطقة المحيطة بفلسطين بعد الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان، ويلي فرض النظام دور العدوان على إيران ليكون درّة التاج في الإعلان عن انتصار المحافظين الجدد في إخضاع العالم الاسلامي وتحقيق انتصار الليبرالية في معركة «الصراع بين الحضارات» وإقامة نظام «نهاية التاريخ والرجل الأخير».

اغتيال الرئيس رفيق الحريري: الحدث الزلزال

اغتيل رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري في ظلّ هذه التطورات الدولية والعربية واللبنانية، وكان اغتياله بمثابة زلزال سياسي، وإعلان إدراج لبنان في لعبة الحرائق الإقليمية، وسياسة الفوضى والحروب الأميركية. حادثة اغتيال الرئيس الحريري تشبه الحريق الذي أشعل الغابة، وعليه كانت تداعياتها في غاية الخطورة، لعلّ من أبرزها:
1ــــــ خروج القوّات العربية السورية من لبنان. 2ــــــ تصدّي القوى السياسية اللبنانية مباشرة دون ناظم إقليمي أو ضامن دولي، لمواجهة تحديات السلطة، وتنفيذ العقد الاجتماعي الوطني. 3 ــــــ مواجهة المؤامرة الأميركية على لبنان، التي وضعت لنفسها غطاءً من الشرعية الدولية تمثّل بالقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بالغالبية (اعتراض 5 وتأييد 10). 4 ــــــ فتح هذا القرار شهية الدول الكبرى في مجلس الأمن، بتوجيه من الإدارة الأميركية للتدخل في الشأن اللبناني الداخلي، وكرّت القرارات الدولية بشأن لبنان، في طريقة غير مسبوقة تكشف عن موضع هذا البلد الصغير، في لعبة الأمم الكبيرة، في عهدة نظام دولي يتميز بالسيطرة الأميركية، ومقاومة الشعوب الحيّة، بكلّ قدراتها لأوجه هذه السيطرة المتعدّدة الأغراض والطرائق.
5 ــــــ ما تعلّق بالمسألة الداخلية كان الوضع اللبناني، ولزمن ليس بقصير، في مواجهة تحديات الحكم الرشيد، حكم اللبنانيين الراشدين لأنفسهم، وتوزّع القوى السياسية بين ائتلافين كبيرين، متأثرين بالحدث الزلزال في اغتيال الرئيس الحريري، وخروج القوات العربية السورية، والتدخلات الدولية تحت غطاء القرار 1959 ومشتقاته.
وعليه فقد: ــــــ انقسم المشهد السياسي اللبناني الى ائتلافين؛ من خلال تظاهرتين حشد في كل تظاهرة أنصارهما كل ما يملكون من قوة. واختاروا وسط بيروت مكاناً لرفع أصواتهم، ورمزية المكان على دلالات كثيرة لأنه وسط العاصمة التجارية، وفيه مقر البرلمان وسرايا الحكومة، ونصب الشهداء، وشارع المصارف، ومبنى الأمم المتحدة، ومقار الصحف الكبرى ودور العبادة من مساجد وكنائس، وكذلك الشوارع التجارية ومقاهي الرصيف وجنة السياحة ولقاء رجال الأعمال والإعلام. كل ذلك كان يجري في هذه الساحات التي تجمعت فيها المسيرات الكبرى للموالاة والمعارضة على السواء. وقد عرفت المعارضة بائتلاف 8 آذار والموالاة بائتلاف 14 من الشهر نفسه.

السياسات العامة لائتلاف 14 آذار

استفاد ائتلاف قوى 14 آذار الى الحدود القصوى من اغتيال الرئيس الحريري موجّهاً الاتهام الى النظام الأمني السوري ــــــ اللبناني وداعياً إلى خروج القوات العربية السورية من لبنان ورفع شعارات السيادة والحرية والاستقلال، وسعى الى اصطفاف لبنان في محاور إقليمية عربية (مصر ــــــ السعودية) ودولية (أميركا ــــــ فرنسا). وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، مع موقف ملتبس من القرار 1559 بشقه المتعلق بسلاح المقاومةومعلناً معارضته للتمديد للرئيس لحود، مع اتجاه للتعايش معه، ضمن سياسة مزدوجة بين التعايش والمقاطعة السياسية. أطلقت هذه الحركة على نفسها مسميات عدة منها ثورة الأرز، ربيع بيروت، الاستقلال الثاني، انتفاضة السيادة والحرية والاستقلال، ناسجة على منوال حركات متشابهة أغدق عليها الأميركيون والأوروبيون خطب الثناء والمديح والدعم الصريح. وكان واضحاً أن هذه السياسة، تضع لبنان ورقة في مهبّ رياح التدخلات الدولية، وتجعل لبنان جزءاً من الأهداف المباشرة للغزو الأميركي لشبه المنطقة العربية والإسلامية. وقد تمترس أصحابها بالمطالبة بالمحكمة الدولية وإجراء تحقيق دولي بقرار عن مجلس الأمن في اغتيال الرئيس الحريري. واستطاعت هذه الحركة تحقيق بعض الأهداف المباشرة لحركتها السياسية الواسعة منها:
ــــــ فرض استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي. ــــــ تسريع انسحاب القوات العربية السورية من لبنان. ــــــ الدعوة الى مقاطعة دولية ومحلية للرئيس اميل لحود. ــــــ الدعوة إلى انتخابات تشريعية في موعدها الدستوري.

السياسات العامة لائتلاف 8 آذار

السياسات العامّة لقوى 8 آذار انطلقت من خطاب سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم الثامن من اذار، في ساحة رياض الصلح، وتضمّنت مجموعة شعارات مشتركة في جانب منها مع سياسة قوى 14 اذار، باعتبارها تحظى بإجماع وطني مثل التمسك بقيم السيادة والحرية والاستقلال ومحاكمة عادلة في قضية اغتيال الرئيس الحريري، والتصدّي لإدارة السياسة الوطنية بعد خروج القوات العربية السورية من لبنان، والموافقة على إجراء الانتخابات التشريعيّة العامة في موعدها الدستوري، فيما تفردت بالمطالبة بالحفاظ على سلاح المقاومة، ورفض القرار 1559 والمحافظة على موقع لبنان في الاصطفاف الإقليمي والدولي، ومواجهة نتائج الغزو الأميركي المتعلّقة بالشأن اللبناني، وإدانة الغزو الأميركي للعالم العربي والإسلامي.

من حركة الشارع الى البرلمان

حين اتضحت السياسات العامة للموالاة والمعارضة تحصّل اتفاق وطني على أمرين: 1ــــــ تأليف حكومة انتقالية تشرف على الانتخابات التشريعية العامة ولا يشارك أعضاؤها في خوض الانتخابات. 2 ــــــ إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها الدستوري. 3 ــــــ إقرار البرلمان المنتخب عام 2000 لقانون الانتخاب المعروف بقانون «غازي كنعان» بعد جدلٍ سياسي ودستوري صاخب، وهو أمر لافت باعتبار البرلمان أقرّ القانون الانتخابي الذي أنتجه عام 2000 وكأنما يرغب في إعادة إنتاج نفسه.

السياسة الانتخابية لتحالف 14 آذار

السياسة الانتخابية لتحالف 14 آذار قامت على قواعد، تبرّر غاية النجاح فيها وسيلة الإعداد لها. لذلك، فقد عمدت الى الاستفادة القصوى من عملية اغتيال الرئيس الحريري، ورأت أن كل من يعارضها في الانتخابات، يقف ضد معرفة الحقيقة، والسيادة والحرية والاستقلال، ويكون جزءاً من النظام الأمني السوري ــــــ اللبناني. كانت وسائل الإعلام الخاصة بتيار المستقبل تركّز على هذا الخطاب في الحملة الانتخابية العامة، وقد أدّت إلى تمنّع قوى أساسية من المسلمين السنة عن المشاركة في الانتخابات وعدم خوض التنافس الانتخابي كما هي حال الرئيس عمر كرامي في الشمال والرئيس الحص وآل سلام في بيروت، وقوى أخرى قومية ناصرية، وعائلية تقليدية، نأت بنفسها عن مواجهة تيار المستقبل وخطابه الانتخابي.
عمدت هذه القوى الى إقامة تحالف داخل قوى 14 اذار مع القوات اللبنانية، وقرنة شهوان، وأبعدت الاتفاق مع ميشال عون الذي عاد الى لبنان مبشّراً، بما سمّته الصحافة، «تسونامي» انتخابي. ثمّ تحالفت مع حركة أمل وحزب الله فيما عُرف بالحلف الرباعي، الذي مكّنها من الحصول على الأكثرية النيابية الراهنة. وعليه فقد تميزت الخطة الانتخابية لتحالف 14 آذار بما يلي: 1 ــــــ خوض الانتخابات تحت شعار 14 آذار السياسية في مناطق الأغلبية المسيحية، وتحت شعارات «الحقيقة» لإبعاد المنافسين لها بالإكراه السياسي ضمن مناطق الطائفة السنية، وبالتحالف مع حزب الله وحركة امل على القاسم المشترك في الموقف السياسي في مناطق مشتركة أخرى.
2 ــــــ كانت الغاية هي النجاح لتيار المستقبل وكل وسيلة توصل اليه مشروعة عندهم ومقبولة.
3 ــــــ في تحالفاتها الداخلية، سواء على صعيد طائفة المسلمين السنة او بقية الطوائف، في بيروت والشمال والبقاع الغربي او في غيرها. عمدت الى التحالف مع مجموعات متعددة من قوى ضعيفة لتكون كتلة نيابية (34) تعدّ من الأكبر في الانتخابات اللبنانية.
كل هذا الجهد، استفاد من عملية الاغتيال، ووظّف للسيطرة على حكومة، كان في ظنهم أنها ستكون انتقالية، ريثما يتعب الرئيس لحود ويغادر قصر بعبدا، طائعاً ومضطراً، الأمر الذي لم يحصل حتى نهاية ولايته، لكنه جعل الوضع داخل البرلمان وفي الحكومة المنبثقة عنه (الحكومة في الديموقراطية التوافقية برلمان مصغَّر) مرحلة استثنائية، مولّدة للأزمات بدل أن تكون، كما هي الديموقراطية، قادرة على منع حدوث الأزمات وإيجاد الحلول المناسبة لها.

السياسة الانتخابية لتحالف 8 آذار:

كانت سياسة 8 اذار، تنطلق من ضرورة مواجهة نتائج الغزو الأميركي للمنطقة على الوضع الداخلي اللبناني وتمتين الوحدة الداخلية في وجه المخاطر المحدقة بالبلاد، والمشاركة في السلطة، عبر تحالفات انتخابية تخدم الأهداف المشار اليها في خطاب سماحة الأمين العام. لقد خاض حزب الله الانتخابات التشريعية 2005 وفق سياسة عامة تتميز بالخصائص التالية:
ــــــ المشاركة بحكومة نجيب ميقاتي الانتقالية بعد الموافقة على قانون الانتخاب، رغم الملاحظات النقدية له على هذا القانون، رغبة منه في إجراء الانتخابات مجاراة لموقف 14 آذار. ــــــ تمتين الوحدة الوطنية ومواجهة كل أشكال الفتنة الداخلية الناجمة عن التدخلات الأميركية السافرة. ــــــ الدخول في تحالف انتخابي مع تيار المستقبل والحزب الاشتراكي وأنصارهما في الائتلاف السياسي المسيحي (القوات والكتائب وقرنة شهوان).
كانت السياسة الانتخابية المشار اليها تقدم العوامل الرئيسية التالية: 1ــــــ الحفاظ على الوحدة الوطنية.
2 ــــــ التصدي لإدارة الحكم عن طريق المشاركة. 3 ــــــ منع الفتنة الداخلية. 4 ــــــ تحصين قوة لبنان بالحفاظ على المقاومة وسلاحها في مواجهة العدوانية الإسرائيلية. 5 ـــــــ تحقيق العدالة في التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. 6 ــــــ قيام حكومة وحدة وطنية وتداول السلطة على قاعدة الديموقراطية التوافقية والمشاركة الوطنية.
وكانت هذه السياسة ترتكز بالنسبة إحزب الله على القواعد التالية: 1 ــــــ دعم الوحدة الداخلية بين الحزب وحركة أمل (داخل المسلمين الشيعة). 2 ـــــــ دعم الوحدة الإسلامية بين الشيعة والسنة. 3 ــــــ دعم الوحدة الوطنية اللبنانية.
ولذلك، سعت هذه السياسة الى التحالف مع القوى الأكثر فعّالية داخل القوى السياسية في المناطق والطوائف، ولم تسعَ الى تحقيق مركز منافسة لهذه القوى تقدم إليه أسباب الدعم والقوة وارتكزت هذه القواعد العامة على قاعدة أساسية قوامها: حفظ لبنان بالمقاومة ...
لذلك، لو عدنا الى مرحلة قيام التحالف الرباعي، لأدركنا أنّ السياسة الانتخابية لحزب الله، كانت سياسة صائبة، باعتبار الظروف السياسية التي نشأت في أحضانها. ولو تكرّرت هذه الظروف لتكرّرت معها الخيارات السياسية السابقة.
إنّ ما حصل من متغيرات في التحالفات بعد انتخابات 2005، لا علاقة له بصوابية سياسة التحالف الانتخابي، ولعلّه أثمر واحدة من أهم النتائج المحددة في البيان الوزاري لحكومة السنيورة التي شارك فيها حزب الله بشكل مباشر. البيان الوزاري كان مصداق التحالف الرباعي من الناحية السياسية، وعليه، فإنّ كلّ ما جرى من متغيرات داخل هذه الحكومة يعود بشكل أساسي منه الى انقلاب الحكومة على بيانها الوزاري، وتغير مواقف الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية. كانت حكومة فؤاد السنيورة في أصل نشأتها تقوم على مبدأين:
1 ــــــ مشاركة التحالف الرباعي في الحكومة. 2 ــــــ بيان وزاري يعكس التسوية السياسية داخل الحكومة. 3 ــــــ مشاركة قوى 8 آذار بنسبة الثلث الضامن (9 وزراء بمن فيهم الوزراء من حصة الرئيس لحود) من أصل 24 وزيراً.
الموالاة عزل وفرقة والمعارضة مشاركة ووحدة
لعلّ واحدة من أبرز السياسات العامة المتباينة لكل من الموالاة والمعارضة في لبنان هي افتراقها في النظر الى مسألة ضرورة الوحدة الوطنية وممارسة ثقافة الديموقراطية التوافقية وقبول مبدأ المشاركة في الحكم. ولعلّ دراسة هذه السياسة ابتداءً من المشاورات البرلمانية التي أنتجت حكومة السنيورة، حتى نهاية عهد الرئيس لحود، تظهر الفارق الصريح بين الطرفين المتنافسين.
لقد سعت قوى 14 آذار إلى عزل التيار الوطني الحر، وتكتّل «التغيير والإصلاح» بعد فوزه بغالبية المقاعد البرلمانية للمسيحيّين، وخاصة الطائفة المارونية، وممارسة خدعة سياسية تقوم على ازدواجية الموقف من الرئيس لحود، بين التساكن معه وعدم الاعتراف بشرعيته، والسعي الى كسب أنصاره، وعزله في القصر الجمهوري، ولذلك، أُعطيَت حصّة تكتل «التغيير والإصلاح» الوزارية الى الرئيس لحود، في تعيين وزراء محضّرين سلفاً لكسب الود وانتزاع الولاء منهم، وأدّى ذلك الى سلب صلاحيات الرئيس لحود، وإلغاء مبدأ المشاركة، بتغيير المعادلة داخل الحكومة بعد فقدان المعارضة الثلث الضامن فيها. ورغم استمرار سياسة المشاركة والتعايش بشقّ النفس مع الوزراء الشيعة داخل الحكومة، فإنّها تحوّلت إلى مشاركة متنازع عليها، مرسومة صورتها بألوان الصراع المر ومهددة بسيف الأغلبية، وانفراط عقد المشاركة. لقد تحولت هذه العلاقة الى ما يشبه هجران الوفاق، فيما كانت قائمة لدعمه. ولذلك فقد اتضحت السياسة العامة لحكومة السنيورة إلى تحوّلها بطريقة متدرجة الى حكومة تدور في فلك الدعم الخارجي، وتمارس سياسة الخصام مع نفسها، استعداداً لإحراج الأطراف الآخرين في الحلف الرباعي وإخراجهم. كانت الحكومة تنقلب صراحة على أصل نشوئها، انقلابها على قواعد بيانها الوزاري. وتحوّلت من حكومة لبنان الى حكومة السنيورة، وطاش رأسها من طرب السلطة، على وقع أنغام الدعم الأميركي. وابتعدت الحكومة عن مصالح وقيم المواطنين اللبنانيين الذين انتخبوا النواب الذين منحوها ثقتهم داخل البرلمان. لقد تحوّلت من حكومة نالت مئة صوت في جلسة الثقة الى حكومة تحظى بتأييد الأغلبية النيابية الضيقة وواجهت مصاعبها الأولى في إجبار وزير داخليتها على الاستقالة، تحت تهديد وزير القوات اللبنانية بالاعتكاف أو الاستقالة بعد أزمة اعتكاف طويلة للوزراء الشيعة.
* وزير لبناني مستقيل




الجزء الأول | الجزء الثاني