أنور عصمت السادات
أقوى من كلّ المقالات، وأقوى من كلّ اللقاءات السياسية، وأشدّ تأثيراً على الشعب بكلّ فئاته، مشاهدة فيلم سينمائي ومتابعة أحداثه ووقائعه، كما قراءة شعر فاروق جويدة. ووسط كلّ الافلام التي أُنتجت في السنوات الثلاث الماضية، فيلم «حين ميسرة»، وهو صرخة قوية في وجه واقع مرفوض من كلّ من رأى وشاهد هذا العمل السينمائي، فهو يصوّر مجتمع ما تحت خطّ الفقر الذي يعاني تدهوراً في كل نواحي الحياة. وكلمة عشوائي ليست التعبير الصحيح عن حال من يعيش في هذا المستنقع العفن. بل الكلمة الصحيحة هي أموات يتنفّسون!
السياسة كانت ممثّلة في وجود تلك الفئات البشرية. وكانت السياسة في كلمات وردت على لسان شخصيات هذا العمل. حين يقول «إحنا مش باينين»، غير ظاهرين، مخفيّين. حتّى حين نتحرّك ونمشي بين رجال السلطة، ليس لنا وجود ولا حضور ولا أهمية، ولا نمثّل خطراً أو تهديداً أو حتّى نفعاً بالنسبة لمن حولنا: أموات نتنفّس!
وحين يقول فاروق جويدة: هذه بلاد لم تعد كبلادي. فالغربة، وهي الخط الأساسي للقصيدة السياسية، كانت هي محور تلك الأعمال. كيف؟ أليست السياسة هي ممارسة الفرد للحقوق الإنسانية والحصول على حدّ أدنى للكرامة الإنسانية من مأكل وملبس وبيت وتعليم وعلاج؟ فإذا كانت كل تلك الاحتياجات غير موجودة، وغير متوفرة، فكيف يعيش؟ وإذا عاش فهو سراب ووهم ودخان... إنه أمام خيارات صعبة. يركب البحر ويواجه الموت كما وصفت القصيدة.
أو هو يعيش عيشة المتسوّل والبلطجي، ويضرب بكلّ القيم عرض الحائط كما في فيلم «حين ميسرة».
السياسة أصبحت في كلّ شيء: في السينما، في القصائد... في كلّ مكان.