علاء اللامي *
أصدر مركز دراسات اللاجئين التابع لجامعة «أكسفورد» عدداً خاصّاً من نشرته الدورية للفصل الأخير من عام 2007. النشرة التي تحمل عنوان «نشرة الهجرة القسرية» تصدر بأربع لغات هي العربية والإنكليزية والإسبانية والفرنسية. يرأس تحريرها ماريون كولدري وتيم موريس، ويشرف على تحرير النسخة العربية منها مصعب حياتلي.
يبدأ العدد بكلمة «من أسرة التحرير» موقّعة من الأشخاص الثلاثة، نقرأ فيها العديد من الملاحظات والإحصاءات المثيرة التي تعكس هول المأساة التي يعانيها المدنيون العراقيون. لنأخذ هذا الإحصاء مثالاً: «وصل عدد «الوفيات الإضافية» (وهو عدد العراقيّين الذين يمكن أن تعزى وفاتهم للصراع والمعاناة اللذين يسبّبهما الصراع) على حسب تقديرات «لانسيت»، وهي مجلّة أبحاث طبيّة، إلى 650 ألف عراقي في تموز 2006، بينما تشير التقديرات الأخيرة للعديد من المراقبين إلى أنّ من الممكن أن تكون قد وصلت إلى مليون وفاة». بعد ذلك، نطالع نصّاً بعنوان «تمهيد» بقلم أنطونيو غوتبيرس مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، يصف فيها أبعاد مأساة النزوح لأسباب طائفية في العراق، ويخبرنا: «ولهذا أخذ مكتبي على عاتقه مبادرة عقد المؤتمر الدولي المعني بالتعامل مع الحاجات الإنسانية للّاجئين والأشخاص النازحين داخلياً (داخل العراق) وفي الدول المجاورة في جنيف من 17 إلى 18 نيسان 2007. وبحضور أكثر من 200 وفد من أكثر من 100 دولة، وأعضاء أسرة الأمم المتحدة ومنظمتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر وما يربو على 60 منظمة غير حكومية»، نقرأ بعدها دراسة مهمّة ومسهبة للكاتبين أشرف الخالدي وفيكتور تانر بعنوان «نزف العراق: العنف والتهجير الوحشيَّين»، يبدآنها بشهادة مؤثّرة لمواطن عراقي يقول فيها: «لن أعتقد أبداً بأن هناك فرقاً بين البشر. أنا من السُّنة وزوجتي من الشيعة، ولقد تلقّيت تهديدات لإرغامي على تطليقها، وإلا فالموت محتوم». تليها دراسة لا تقلّ أهمية عن سابقتها بقلم الأمين العام للأمم المتحدة لحقوق النازحين داخلياً فالتر كيلين، تحت عنوان «التفاقم المتزايد في مأساة النزوح الداخلي في العراق»، يسجّل فيها الجهود الشجاعة التي تبذلها المنظّمات غير الحكومية لمساعدة النازحين والمهجّرين، لكنه يسجّل أيضاً أنّ «العراق هو بلا شك حالياً، أسوأ مكان في العالم بالنسبة إلى عمل الهيئات الإنسانية الدولية. وكانت معظم الهيئات قد نقلت فرقها الدولية العاملة إلى خارج العراق بعد تفجير عام 2003 لمقرّ الأمم المتحدة في بغداد، حيث يُنظر إلى المساعدات التي تقدّمها قوى التحالف العسكرية والمدنية غالباً بنظرة ملؤها الشك والريبة. وقد تعرّض العاملون في حقل المساعدات الإنسانية، سواء من المحليّين أو الأجانب، لهجمات الميليشيات المسلّحةثمّ يفاجئنا عبد الصمد رحمن سلطان، الذي يشغل منصب وزير شؤون المهجرين والمهاجرين في الحكومة العراقية في مقالته المعنونة «مهمة لا يُحسد عليها»، إذ بعد أن يكرّر مزاعم الحكومة وشعاراتها، يختم بشكوى نصها: «لكن من الهام إدراك أنه يصعب على العراق تحمّل ودعم زيادة مفاجئة وكبيرة في عدد السكان، وبالتالي من الضروري عدم تشجيع اللاجئين خارج العراق على العودة».
ثمّ تستعرض مقالات أخرى أوضاع اللاجئين في دول الجوار والمسؤولية الدوليّة، فيتناول فيصل المقداد «المهاجرين العراقيّين في سوريا»، ويكتب مخيمر أبو جاموس الأمين العام لوزارة الداخلية الأردنية «على المجتمع الدولي تحمّل عبء لاجئي العراق». وتتناول مقالة لغونيلا كارلسون وطوبياس بلستروم مسألة «مساعدة اللاجئين العراقيين واجب على الاتحاد الأوروبي»، ونقرأ تحليلاً لبيل فيرلك بعنوان «حرمان العراقيين حق اللجوء» يبدأه بالقول: «الآن، بعد أن تأخر المجتمع الدولي في الانتباه لوجود حوالى مليوني لاجئ عراقي، تعمل الدول المجاورة للعراق على إحكام إغلاق طرق الهرب، بينما لا تقدّم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أي مساعدة تُذكَر للاجئين أو للدول التي تستضيفهم. إنّ الملايين من المشرّدين داخلياً والمتأثّرين بالحرب والعراقيّين المضطهدين عالقون وممنوعون من الحق الأساسي لطلب اللجوء». ويختم بمقالة بقلم هيئة تحرير النشرة بعنوان «الدور الحيوي للمنظّمات اللاحكومية وأهمية استمرارها في أداء مهامها».
وعلاوة على استعراض المشكلة، يضمّ العدد دراسات تخصّصية مهمة منها واحدة بقلم روبرت زيمرمان بعنوان «الاستجابة للعنف المتفاقم في العراق»، وأخرى بقلم غريغ هانسن بعنوان «العراقيون يدافعون عن الأعمال الإنسانية». وهناك مقالة مهمة لسميرة طراد وغيداء فرنجية بعنوان «اللاجئون العراقيون في لبنان واستمرار انعدام فرص الحماية»، تسجل فيها الكاتبتان وجود 40 ألف لاجئ عراقي في لبنان، وتؤكدان ما راج من أخبار عن تجاهل الحكومة اللبنانية لمعاناتهم وتضييقها عليهم، حيث يرد قولهما: «وكثيراً ما تجاهلت الحكومة اللبنانية المبادئ التوجيهية الخاصة بالحماية لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المتعلقة باللاجئين العراقيين، وأوامرها بخصوص عدم الإعادة القسرية وعدم إعادة اللاجئين إلى بلادهم».
وفي السياق، تؤكد الكاتبتان تلك الفضيحة التي أثيرت في وسائل الإعلام العربية عن قيام السلطات اللبنانية بتخيير اللاجئين العراقيين بين البقاء في السجون إلى ما لا نهاية أو الترحيل إلى العراق حيث نقرأ: «إن معظم المحتجزين العراقيين الذين خُيّروا بين البقاء في السجون اللبنانية إلى ما لا نهاية أو العودة إلى العراق اختاروا العودة إلى العراق بنيّة الدخول مرة أخرى إلى لبنان بشكل غير قانوني. إنّ السفارة العراقيّة والمنظمة الدولية للهجرة تموّلان وتنسّقان عمليّات العودة إلى العراق من مراكز الاحتجاز اللبنانيّة».
مقالات ودراسات أخرى يحفل بها هذا العدد الخاص من النشرة، منها ما هو عن «معاناة الأطفال العراقيين»، وعن «المرأة العراقية والضغوط التي تواجهها»، أو عن «محنة المسيحيّين»... إلى جانب عدد من الصور الفوتوغرافية المؤثّرة، التي تنشر للمرة الأولى، لمخيمات اللجوء العراقي داخل وخارج العراق.
موقع النشرة على شبكة الإنترنت هو:
www.hijra.org.uk/iraq.htm
* كاتب وصحافي عراقي