إيلي نجم
الرجاء بين الليتورجيا الدينية والفلسفة والتاريخ
العنصر الجوهريّ في الرجاء هو التوقّع والترقّب والانتظار. لكنّ المرء قد يترقّب أمراً من دون أن يرجوه. من هنا كان الترقّب أساسيّاً، لكنّه ليس كافياً. الواقع أنّ الكلام لا يَرِدُ على الرجاء إلّا حين يكون ما يترقّبه أحدنا صالحاً.
وما هو صالح هو الخير الذي نتوق إليه ونرغب فيه ونتمنّاه. إلّا أنّه بوسعنا أن نَنشد أمراً ما ونعلم في الوقت عينه أنّنا لن نحصل عليه البتّة. لكن ما ليس بوسعنا الحصول عليه لن يكون إطلاقاً موضوع رجاء، ولا أحد يستخدم في هذه الحال كلمة «رجاء». يقول المسيحيّ مثلاً إنّه يترجّى قيامة الموتى، الموتى الذين رقدوا على «رجاء القيامة». وفي الليتورجيا المارونيّة الخاصّة بـ«صلاة وضع البخور»، يُنشد المؤمنون: «رقدَ الأبرار المؤمنون، برجاء القيامة ينظرون لمجيء الربّ، فيقبلون منه ما يأملون». وهو الأمر الذي يعني أنّ المسيحيّ يرجو ما يظنّ أنّه خيرٌ له ولغيره، وما يظنّ أنّ بوسعه وبوسع غيره الحصول عليه. من هنا لا رجاء من دون ابتهاج مسبّق بالحصول على ما نرغب ونحبّ. وعليه، فالرجاء هو «الترقّب البهيج». وينقل المؤلِّف كلاماً على الرجاء للفيلسوف الفرنسيّ غبريال مارسيل مفاده أنّ الرجاء يهدفُ إلى الحصول على أمر لا يقصر على الموجود الإنسانيّ، بل يتجاوزه ليرتبط بالخالق.
ولنا في سيرة «النبيّ» إبراهيم (سورة مريم 41) خير دليل على ما يقوله فيه القدّيس بولس في رسالته إلى الرومانيّين (4/ 18)، وفيها أنّ إبراهيم «آمَنَ بالرجاء بدون رجاء». وهذا يعني أنّ إبراهيم أَمِنَ الله (أي وثقَ به) وآمَنَ بالله (أي انقادَ له وأطاعه).
أمّا في صدد مفهوم التاريخ، فإنّ المؤلِّف يلاحظ أنّ المفردة الألمانيّة التي تُستخدم للدلالة على التاريخ تشتقّ من فعل geschehen ويعني حَدَثَ. لكن ليس كلّ ما يحدث يُعدّ حدثاً تاريخيّاً. الواقع أنّ الحدث التاريخيّ يفترض الصيرورة من جهة ويستلزم من جهة أخرى أن تكون له علاقة بالإنسان، بحيث إنّ التاريخ يعني ارتباط ما يحدث لنا بالطريقة التي نتعامل بها بالضبط مع ما يحدث لنا.
وهاهنا يميّز المؤلِّف التاريخ من التطوّر. فالتاريخ قِوامه الوعي والحرّيّة ويعني الإمكان المتاح للإنسان أن يصنع مستقبله بنفسه.
وعن علاقة الرجاء بالتاريخ، فإنّها تبدو للوهلة الأولى شديدة الغرابة: كيف يتطلّع الإنسان إلى حياة فضلى أي إلى تاريخ أفضل، فيما الأمر لا يقصر عليه وحده؟ يقول الفيلسوف الألمانيّ إرنست بلوخ كاتب «الرجاء مبدأً»، إنّه يحلم بحياة «كاملة» و«تامّة».
وهذا الأمر يعني بالنسبة إليه «عالماً من دون خيبة» و«السلام والحرّيّة والخبز» و«السماء على الأرض» و«عالماً يكون وطناً للإنسان» و«عالماً يكون فيه الإنسان إنساناً» لا ذئباً... وهو ما يقول فيه بلوخ إنّه «أشدّ ما يُرجى».
* كاتب لبناني






العنوان الأصلي
الرجاء والتاريخ
الكاتب:
جوزف بيبر
الناشر
المكتبة البولسيّة