فايز فارس
بدأ المواطن اللبناني يسير، ولو ببطء، على درب الحقيقة «المفتاح» التي ستجعل الأبواب مشرّعة على الحقائق الأخرى. وأصبح يدرك أن الديموقراطية التوافقيّة ليست سوى تسوية ما عندما لا تكون صفقة. مع العلم بأنّ تجارب الماضي المرير أكّدت أنّ التسويات لا تحمل في طيّاتها أكثر من حلول ظرفيّة آنيّة مؤقّتة، وأنّ الصفقات قد كلّفتنا كلّ غالٍ وثمين. وبعيداً عن تلك السجالات الكلامية وحوارات الطرشان نسأل: ماذا يريد القادة السياسيّون وغير السياسيّين في لبنان وبلاد العرب وأميركا وأوروبا؟ وماذا يريد اللبنانيّون؟
في لبنان، الرئيس مثل الديك، يريد أن يبقى رئيساً، ولو على جبل من النفايات والكذب والخداع. والوزير يريد أن يبقى وزيراً خادماً، ليس عند الشعب، بل لدى أصحاب المصالح التجاريّة الذين يعاملونه كشريك على أساس أن معاشه الرسمي وملحقاته لا يكفيانه لإرضاء زوجته وتلبية حاجات أولاده. والنائب يريد أن يبقى نائباً يتنعّم بالعديد من الامتيازات، محاطاً بنجوميّة تضاهي نجوميّة كل الفنّانين وأبطال الملاعب الرياضية في هذا العالم. وزعيم الطائفة يريد أن يبقى زعيم قبيلة، فيتدخّل في الصغيرة والكبيرة ويقطف ثمارها الفوريّة. والموظّف، كبيراً كان أو صغيراً، يفعل المستحيل من أجل المحافظة على مركزه باب رزق، يدرّ عليه الأموال الطائلة التي عليه أن يتقاسمها مع «سيده» الذي وظّفه.
وتحت شعار الديموقراطية التوافقية، يساوون بين القاتل والقتيل، وبين المخادع والمخدوع، وبين السارق والمسروق، ويتمسّكون بمبدأ لا غالب ولا مغلوب حتى لا تقوم دولة ولا يستقيم وضع ولا يرتاح بال. من جهة، هناك «دولة السنّة» قد اختارت شركاءها المسيحيّين من أجل إنجاح مشروع خصخصة كل البلد. ومن جهة أخرى هناك «دولة الشيعة» التي تتمسّك بشريكها المسيحي الماروني رئيساً للجمهورية، من أجل حماية وجودها في منطقة تقرّر منذ ثلاثين سنة ونيّف تخصيصها لتوطين اللاجئين الفلسطينيّين بطريقة من الطرق.
وفي بلاد العرب، ومنذ مطلع القرن الماضي وحتى إشعار آخر، يؤمن كل رئيس وملك وأمير أنه في خطر محدق به. لذا هو يعمل بكلّ ما أُوتي من حنكة عربية ودراية اكتسبها قي مدارس الغرب من أجل المحافظة على ثروته وموقعه وسلطانه وتوريث ولده فلذة كبده. أما البقية فتفاصيل صغيرة يمكن حلحلتها بالمال «هذا الشيطان الأكبر». جريء فعلاً من كان يكتب بعد هزيمة حزيران 1967 ليقول إنّ الحكّام العرب كلّهم «أميركيون» وإن اختلفت الدرجات أو تنوّعت.
وبين غرب وشرق، هناك رئيس أميركي مغامر متهوّر لم تحظ بمثله هذه الدولة العظمى منذ تأسيسها حتى يومنا هذا.. لا يرفّ له جفن ولا يأبه لقراراته المدمّرة وأخطائه المميتة، ويضحك عندما تقول له وزيرته الوفيّة «إخرس»، فيما هو يجول العالم كالتائه المشرّد بحثاً عن تسوية هشّة هنا أو صفقة ناجحة هناك، ورئيس وزراء بريطاني سابق لم يشبع زلّات وهفوات خلال حكم طال عشر سنوات، فيرفض مغادرة نادي الرؤساء، ورئيس فرنسي جديد لم تشهد الجمهورية العريقة مثيلاً له منذ الثورة الفرنسية التي حسبنا أنها قضت نهائياً على كلّ مظاهر الدلع والخفّة والمغامرات العاطفية التي امتاز بها ملوك فرنسا وأوروبا طيلة عشرة قرون من الزمن، ورئيس روسي يعمل ويكد حتى تستعيد روسيا عظمتها، شرط أن يبقى هو الرئيس الفعلي.
أما اللبنانيّون، فيريدون السلام مع العالم والأمان مع جارهم والاطمئنان إلى قادتهم، في بحثهم عن مأكل حلال، ومشرب نظيف، وملبس لائق، ومسكن دافئ، ومدرسة وطنية جامعة، وكهرباء مضيئة، ومياه نقيّة تروي عطشهم إلى حريّة حقيقيّة وسيادة فعليّة واستقلال ناجز، وصولاً إلى تطبيق الديموقراطية عدالة ومساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الموحد وعلى أرضهم الطيّبة الغاليّة على قلوبهم.