ريمون هنّود
في ليلة عيد الميلاد المجيد من كل عام، ينتظر الأطفال بابا نويل الآتي من الكوكب السماوي حاملاً معه الهدايا، حاصلين على مرادهم من مختلف أنواع الألعاب. أمّا على الساحة السياسية في لبنان، يطالعنا صوت من كلّ حدب وصوب، مستاء وممتعض وساخط إلى حدّ اليأس، محمّلاً المرجعيات السياسية كافة وأمراءها المسؤولية. منطقياً، فإن لسان حال المواطن يمثّل درجة مرموقة من العقلانية والواقعية، نظراً إلى ما آلت إليه الأوضاع في البلاد من مأساوية. ولكن ما يثير العجب، وما يستدعي انتباه المراقب «الحيادي» وما يستحوذ على اهتمام المحلّلين السياسيّين، وحتى النفسيّين، هو أنه بعد أيام أو أسابيع قليلة، يعكس المشهد واقعاً مختلفاً عن المنطق السابق، لناحية ظهور المشاهد البشرية المليونية المطبوعة في الساحات، الممجّدة والمؤلّهة لأمراء الطوائف الذين يحيون على أمل نيل أكبر قدر ممكن من المكاسب التحاصصيّة. لكن المؤسف والمحزن في الأمر أن شرائح كبرى من نسيج المجتمع اللبناني أمست مصابة بازدواجية في شخصياتها وبحالة ضياع، بدليل أنّ ما تشتكي منه ظاهرياً يتغيّر باطنياً وفقاً لمقتضيات الظروف ومغرياتها الإغوائية، فتعود وتعمل علانية بنقيض ما اشتكت منه آنفاً.
إنها لازدواجية متأتّية من ضعف في الإرادة المفتقرة إلى الحِسَّيْن الوطني والقومي. ما لا شكّ فيه أنّ المغريات جمّة، وإلاّ لمَ تتبدّل الطبائع بنسبة 180 إلى 360 درجة في ثوان أو دقائق معدودة؟ وما لا شكّ فيه أيضاً أنّ المغريات يصاحبها حالة من الشحن الطائفي والمذهبي المثيرة للحماسة.
وفي غضون ذلك، وفي خضمّ التجييش المدعوم من تضافر جهود رأس المال المتوحّش المروّض لضعيفي النفوس، تنشأ على قدم وساق فرق الاستزلام والمحسوبيّات اللابسة لباس الزبائنية، مؤلّفةً جيوشاً قبائليّة وعشائريّة متناحرة في سبيل الظَفَر بمكتسبات تصبّ في خانة نصرة دويلات تعوم في بحيرات المِلَلِ الفئوية، ثمّ تقف منتصبة على أنقاض الوطن الواحد، وما من رادع لهذا المسار الشاذ، وما من منقذ يخرج المشكلة ــــ الأزمة من عنق الزجاجة. في ليلة عيد الميلاد المجيد من كل عام، وفي كل أرجاء المعمورة، ينتظر الأطفال الهدايا الوافدة من ملائكة السماء بواسطة الشيخ الأحمر «بابا نويل» إلاّ في لبنان. فلا داعي، على ما يبدو، لأن يأتي بابا نويل ليضفي الفرح على الأطفال، وهو قد بات سيد العارفين بذلك، ومدركاً كل الإدراك بأننا أضحينا في جمهوريات «بابا ناولو» السائدة فيها شريعة الصفقات والسمسرات، والفائح منها أريج العهر المحاضِر بالعفّة.