عامر ملاعب
من قال إنّ لبنان سياحة وخدمات وتجارة فقط؟

المطروف، المَدْرَس، الباقوف، ألفاظ تبدو غريبة على التداول والاستعمال عن لغة تخاطبنا وتعاملنا في عصرنا الحاضر، كيف ولماذا انتزعها الباحث من أرشيف الماضي واختارها عنوان ومضمون كتاب ــــــ دراسة بحثية ووضعها في سوق تداول القرن الواحد والعشرين؟
شهدت العقود المنصرمة من القرن الماضي ولادة عدد كبير من الأعمال التي تتحدّث عن القرية والتراث وهي صوّرت إلى حدود بعيدة واقعها وحياتها، لكنها لم تكن جميعها ذات مستوى يليق بتسجيل وحفظ الواقع بمضمونه العميق في فهم حيثياته، ودار أغلبها حول قصص و«خبريات» وأشعار وطرائف وغيرها بقيت إلى حدود بعيدة على قشور المسائل، وهذا ما يجعل الكتب التي تصدر عن الموضوع شبيهة بعضها ببعض ولا تشد إليها العاملين بجدية، إلا أن هذا الكتاب يختلف أو ربما يمكننا القول إنّه سبق بجدية إلى موضوع محدّد بدقّة متناهية ونظرة عامة وشاملة إلى الواقع مع كلّ تفاعلات تحولاته ودلالاته.
الكتاب عبارة عن نشر وثائق حقلية بتفاصيلها توفّر الخبر الداعم لما يقدمه عمل انثروبولوجي من تحليلات تنطلق من كيفية استخراج زيت الزيتون، الذي يعتمد تقنيّتين مختلفتين تمثّلان دلالة طبقيّة ومكانة اجتماعية في استخدامهما.
الأولى تعرف بـ«المطروف» وهي تقنية كبار الملّاكين والوجهاء من مشايخ وأمراء وأديرة... تتوسّل آلية مطاحن القمح المائيّة لتشغيل شفرتين من خشب ثم من حديد في جرن من حجر لتقشير الزيتون وتنعيم لبّه دون تحطيم نواه أو سحقها.
التقنية الثانية هي «المَدْرَسْ» الأكثر رواجاً في أرجاء حوض المتوسط منذ العالم القديم وتخص الطبقات العامة من الناس، وتتألف من الرحى العمودية التي تدار في جرن من حجر وتعتمد في دورانها على القوة العضلية (إنسان أو حيوان) وهي تسحق الزيتون بنواه.
أمّا الباقوف فهي حيث تتم عبر كلتا الحالتين عملية الاعتصار، إما بواسطة جهاز من خشب يعرف بالبرغي أو في موضع من خشب ثم من حجر أو معدن مجهز بمخل من خشب ومثقال من حجر.
وفي تلخيص سريع لما تضمنه الكتاب يمكن استنتاج النقاط الآتية:
- الكتاب وثيقة تتضمن أرشفة لواقع حياة وعمل الناس منذ ما قبل الألف الرابع قبل الميلاد، أي إن التقنيات التي نراها اليوم ربما لم تصل في أماكن متعدّدة من عملها إلى تلك التي استعملها أجدادنا.
- الدراسة تأتي في سياق بحث تاريخي عن تقنية ساهمت في تأمين استخراج مادة غذائية مهمة، لكن هذه أيضاً ترافقت مع بحث سوسيولوجي في كيفية تعامل الناس مع ذلك وما يتركه من تأثير متبادل بين جموع الناس القاطنة هذه الأرض، وهنا نحن بحاجة إلى إعادة درس ذاك الواقع الذي صورته لنا زوراً الفلسفات الحديثة أو الاستقلالية المتلبننة عن أن أجدادنا عملوا فقط في قطاع التجارة والخدمات وهذه رسالة لبنان ضمن ساحل المتوسّط الشرقي ولسنا بحاجة إلى بناء قواعد إنتاجية.
* من أسرة الأخبار



العنوان الأصلي
المطروف، المدرس والباقوف، حلو أو مرّ؟
الكاتب:
محب نادر شانه ساز
الناشر
دار الحداثة