روز زياده
نحنُ عِفافٌ رَبينا، وفاقت على كلّ الخصال الأمانة فينا. تعبنا، ونتعبُ، ويتندّى عرقنا من الجبينَ. لا طمعاً، ولا حسداً، إنما لنيل لقمة تغذّينا، واقتناء دار تؤوينا. سنوات وسنوات حملت أكتافنا ومعها اخشوشنت أيادينا. تعِبَت أعيُنُنا، هَزلت أجسامُنا وتضاعفت ذروة العطاء، أينعت معاجم خبرة، وأضفتْ عنصر الرهافة، والفكر بفتاوته قوة دائماً يعطينا.
ما أذللنا قلماً، ولا ورقةً، ولا أياً من أدوات مكتب خُصِّص لبذل نخوة فينا. ما سرقنا، ولا اشتهينا، ولا منّينا النفس بما هو للآخرينَ.
كل ذلك يا وطني، كل تلك الميزات لم تُثنِ جامع مال، عبد القصور من إقفال باب الرزق في وجوهنا وهو عالم بأنه للعوز يرمينا. طالبناه ووعدنا. ثم طالبناه ووعدنا ولكن كلّ الطلب لم يُجدِنا. أدرنا ظهورنا ورحنا عليه تعالى متوكّلينا. بزغ نور الإنسانية وبأقلّ الشروط رضينا. أعدنا الكرّة، تعبنا، تعالينا، حرصنا وعلى أوجاعنا ضغطنا لنكون للأمانة أمينينا.
عبثاً... عبثاً يا وطني، فنحن قفزت فوقنا الحياة وتبعتها السنينَ. لا مكان لنا بين العشرينات والثلاثينات، مع أن العمر ما زال للعطاء نوراً وهم عن الحقّ عميت أعينهم فأرادت إلى طريق القبر أن تودينا.
بلد الأرز أنت؟... أجل لأن للأرزة وزارة تطالب بحقّ تعميرها. إنما نحن فبالقانون يقطعون عنا الهواء من كل الشرايينَ. بالقانون، بالمادة «خمسون» يسعّروننا على ذمة القانونيّينَ. واللافت قولهم إننا ما اقترفنا ذنباً، ولا عصينا أمراً ولكن هم عن خدماتنا مستغنونَ. بلد الأرز، إبكِ... إبكِ إنساناً لا قيمة له، وسيّان إن عاش أو مات عند الأغنياء المتخمينَ.