رامي خريس
قد يكون من المجدي قراءة نتائج الاستفتاء الذي جرى أخيراً في فنزويلا بشأن التعديلات الدستورية التي اقترحها هوغو تشافيز من زاوية أخرى، غير تلك التي ينظر منها تشافيز، الذي قال بعد خروج النتائج التي أكّدت فوز المعارضة بفارق بسيط إنّ «حصول الدستور الاشتراكي على نصف الأصوات يُعدّ إنجازاً تاريخياً». على تشافيز الذي خلع بزّته العسكرية وارتضى الديموقراطية خياراً لتمثيل الجماهير أن يدرك أنّه عندما يقرر سياسيٌ ما دخول هذه «اللعبة» عليه أن يتوقّع دوماً الإخفاق كما يتوقّع النجاح.
ينظر كل التوّاقين إلى التغيير إلى تجربة فنزويلا والقارّة اللاتينية على أنّها تجربة تستحقّ الإشادة، فبعد عقود التدخّل
الأميركي ونهب الثروات من قبل الشركات المتعدّدة الجنسيات وسيطرة الجنرالات على الحكم، ينهض من الأحياء الفقيرة طيف المحرّرين الأوائل للقارة اللاتينية، لا من فوهة بندقية هذه المرّة، وإنما من خلال صندوق الاقتراع. ويبدو أنّ هذه «الطريقة» التي أوصلت «ممثّلي الفقراء» إلى سدّة الحكم قد أعطت مشروعيّة جديدة للمشروع الذي يقوده «البوليفاريون الجدد»، أي لجهة كونه مشروعاً يقبل بالتداول السلمي، في مواجهة الدعاوى الغربية التي تتّهمه دوماً بعدم ديموقراطيته واستخدامه للقمع والتضليل في مواجهة خيارات الجماهير.
على تشافيز الذي اكتسب شعبية كبيرة خارج حدود القارّة اللاتينية كقائد لمشروع تغيير أن يطرح على نفسه عدّة أسئلة بعد الاستفتاء الأخير: هل أنا بحاجة لأن أُعدّل الدستور لتتاح الفرصة لي لترشيح نفسي لعدد لانهائي من الولايات، وهل أنا بحاجة للظهور على شاشة التلفاز أمام الجماهير لساعات طويلة بحيث أبدو نجماً تلفزيونياً أكثر من كوني رئيساً مسؤولاً، وهل أنا مضطرّ لأن أصدر «ألبوماً غنائيّاً» حتى أُقنع الجماهير أنّني أمتلك مواهب فنيّة أيضاً، وقبل كل ذلك هل يتطلّب كل محفل دولي إطلاق تصريحات يغلب عليها طابع الصخب أكثر من طابع الاتزان الذي يليق برئيس دولة نفطية مؤثرة؟ لقد رأينا كيف انتهت تجارب الذين جمعوا بين الخطابات الشعبوية والنهم الشديد للسلطة، ولا نتمنى أن نرى نهاية مشابهة في فنزويلا، لأنّها ستكون أشدّ دلالة حينها.
إنّ الأمّة الفقيرة التي استطاعت أن تنتصر لمشروعها الثوري في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة قادرة دوماً على الإبداع، وتشافيز مجرّد تفصيل صغير في الصورة الكبيرة التي يرسمها فقراء أميركا اللاتينية على أنقاض الخيبات المريرة السابقة، لذا، لا يجب أن يتوقف المشروع على شخص تشافيز.
يمتلك هذا المشروع الجميل ديناميات الاستمرار إن هو حافظ على ثلاثة أمور:
أولاً: تجاوز صورة الفرد المُلهم، وثانياً محاولة التغيير وتثبيت المكتسبات ضمن إطار الديموقراطية التي وصل من خلالها إلى الحكم وليس التحوّل إلى نموذج ديكتاتوري. وأخيراً محاولة بناء نموذج نفطي مختلف، يتجاوز فكرة «الريع» السائدة في الخليج العربي، أي الاستفادة من فوائض النفط المرتفعة لتكريس نمط إنتاج لا لإشباع نهم الاستهلاك، وصولاً إلى بناء القاعدة الماديّة للاقتصاد التي تعتمد على تنويع الدخل وإشراك الطبقات الشعبيّة في عملية الإنتاج لإشعارها بدورها في المشروع ككل.
نريد عندما نأتي على ذكر فنزويلا أن نقول إنّ هناك حُلماً ينتصب يشارك فيه الملايين، لا أن نقول تشافيز فقط.