نديم حوري *
لا تُعتَبَر الذكرى التاسعة والخمسون رقماً مفصليّاً وبارزاً في حقل المناسبات السنوية. لذا، فإن ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذه السنة ـــــ على الأرجح ـــــ لن تكون مميّزة. وسيتمّ الاحتفال بها من خلال بعض الخطب التقليدية التي لا تخلو من «كليشيهات» وشعارت أصبحت مفرَغة من مضمونها، في عدد من الاحتفاليات في جميع أنحاء البلاد. ومع هذا، فإنّ هذه المناسبة لا يجب أن تمرّ على لبنان مرور الكرام، لأنه في حاجةٍ ماسّة لمراجعة سجلّه الخاص بحقوق الإنسان. قد يرى البعض أنّ الوقت ليس مناسباً لوضع ملف حقوق الإنسان على أجندتنا الوطنية، وكما سألني صديق (انضم أخيراً إلى العدد المتزايد من اللبنانيين الموجودين في دبي): «هل تعتقد فعلاً أنّ الوقت الحالي مناسب للحديث عن حقوق الإنسان في لبنان؟ ألا تكفينا الأزمة الرئاسية الحالية والمشكلة الحكومية والوضع الأمني؟ إن البلد يحتضر وأنتم تتحدّثون عن العمالة المهاجرة واللاجئين والمحاكمات العادلة».
تحتّم الأزمات المتعدّدة علينا ـــــ في رأيي ـــــ المزيد من العجلة ببحث هذه الملفّات لأسباب عملية، فوضع حقوق الإنسان في لبنان يزداد سوءاً. وقد رأينا خلال السنة الماضية زيادة في ادعاءات التعذيب داخل مراكز الاحتجاز لدينا، والمزيد من التمييز ضدّ الفلسطينيين، والتشدّد تجاه اللاجئين العراقيّين، وتأزّماً في وضع العمالة الأجنبية، وعدم حدوث أي تقدّم بالنسبة للانتهاكات الكثيرة التي تقع في بلدنا يوميّاً.
فإن لم نعالج هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان، فسيؤدّي ذلك إلى المزيد من المشاكل في المستقبل، فالتمييز ضدّ الفلسطينيّين مثلاً لم يؤدِّ إلا إلى ميل بعض الجماعات الفلسطينية أكثر نحو التشدّد، في حين لم يساعد ذلك أبداً على تقريب عودتهم إلى ديارهم، وقد أدّى حجز الخادمات المنزليات داخل الشقق إلى محاولاتهن البائسة للهروب بالقفز من الشرفات، الأمر الذي يؤدي غالباً إلى موتهنّ.
إنّ الأجندة التي سيرتّب لبنان وفقها أولوياته سيكون لها الدور الأكبر في تحديد شكل دولته المستقبلية. فهل نرغب بالمضيّ قدماً على درب الطائفية والعنصرية والكره المتزايد للأجانب؟ وهل يتحتّم علينا الاستمرار في محاولة إيجاد حلّ لمشاكلنا باللجوء إلى الجماعات التي لا تعترف بالآخرين، والتي تمقت الأجانب وتشمئز منهم، وخصوصاً عندما يكونون داكني البشرة؟
إن الإجابة عن هذه التساؤلات يجب ألا تبقى رهينة صفقة يتم عقدها في كواليس السياسيين لانتخاب رئيس في وقت متأخّر جدّاً وفي اللحظة الأخيرة!
وأخيراً، فعلينا أن نعي لو أنّ لبنان يريد فعلاً الاستفادة من حماية ودعم المجتمع الدولي في مواجهة جيرانه الأكثر قوّة منه، فعليه أن يتحمّل مسؤوليّاته ويحترم التزاماته الدولية، وتُعتَبَر الخطوة الأولى في هذا الأمر أن يبدأ لبنان فوراً بتطبيق الاتفاقات الدولية التي وقّعها وفشل في تطبيقها، كالمتعلّق منها بالتعذيب والتمييز ضدّ المرأة والاعتراف باللاجئين وإصلاح القضاء...
لا يستطيع لبنان التغاضي عمّا يحدث على أراضيه بعد الآن، ولا يسعه تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان التي تُضاف إلى سجله يومياً، ولا سيما أنّه لا ملامح لأيّ حلّ على صعيد الأزمة السياسية المستعصية يلوح في الأفق، ناهيك عن أن بعض هذه القضايا الخاصة بحقوق الإنسان لا علاقة لها أصلاً بالسياسة؛ لذا، فإنّ حلّها ممكن بأقل قدر من التدخل السياسي؛ فما علاقة انتخاب رئيس الدولة بالطريقة التي نُعامل بها الخادمات المنزليات؟ أما بالنسبة إلى قضايا حقوق الإنسان الأخرى الأكثر «حساسية سياسية» كوضع اللاجئين الفلسطينيين، فإن تجاهل هذه المواضيع «الحساسة سياسياً» لن يساعد في حلّها واختفائها؛ وإن كان لدينا أمل في حلّ المشكلة في المستقبل القريب، فيجب علينا البدء في مناقشتها اليوم قبل أي وقت آخر. فإنّ أي ذكرى سنوية ـــــ حتى وإن كانت لا تتمتّع بأهمية خاصة ـــــ فرصة لفتح صفحة جديدة.
* باحث في مجال حقوق الإنسان
من منظّمة «هيومن رايتس ووتش»