ماجد الشيخ
المشروع البونابرتي الفاشل سبق «وعد بلفور»

يأتي هذا الكتاب، سواء لجهة بحثه المعمّق إزاء دور القنصليات الأجنبية أو في نشره لمجموعة هامة من الوثائق التي تدعم اتجاهات البحث، ليسدّ ثغرة هامة من ثغرات الدور الكولونيالي الذي لعبته القنصليات الأجنبية في فلسطين، قبل ما يزيد على القرن من إعلان قيام الكيان الاستيطاني الصهيوني فوق أرض الوطن الفلسطيني.
من هنا نشأت ضرورة البحث في تأكيد الوثائق المتعلقة بالهجرة اليهودية إلى فلسطين، وأن حركة الاستيطان اليهودي قامت على خلفية دعم قناصل الدول الأوروبية لهذه الهجرات بتوجيه ودعم من حكوماتهم، وتوظيف الضعف الذي انتاب المؤسسات العثمانية في خدمة موجات الهجرة، وتكريس الهيمنة الاستعمارية الأوروبية.
ولما كان اهتمام الدول الأوروبية بالولايات الشامية وفلسطين قد برز إلى السطح بعد حرب القرم (1854ـــــ1856)، وكان النشاط الصهيوني جزءاً من الحركات الأوروبية التي نشطت في تلك الحقبة، بدأ التخطيط اليهودي للاستيلاء على فلسطين، ونجح في توجيه السياسة البريطانية نحو هذا الهدف، مستفيداً من قناصل الدول الأوروبية الذين عيّنوا في فلسطين كمصادر معلومات دقيقة وكأدوات إعلامية خطيرة، حيث كان في طليعتهم القنصل البريطاني الأول وليم يونج الذي تولى مهامه عام 1838، تلاه في مطلع الأربعينيات من القرن التاسع عشر دخول عدد آخر من قناصل الدول الأوروبية إلى القدس على التوالي.
ولئن أسهمت حملة نابليون على مصر والشام في رفع وتيرة الصراع والتنافس الاستعماري للسيطرة على الوطن العربي، وبالتالي إذكاء حدة الخلاف والعداء بين فرنسا وبريطانيا، فإنه رغم فشله في حملته تلك، كان أول من لفت إلى فكرة نقل اليهود إلى فلسطين وإقامة وطن لهم هناك. على أن أول محاولة لتوطين اليهود في فلسطين قبل عام 1840 قام بها نابليون خلال حملته على مصر عام 1798. غير أن اليهود في آسيا وأوروبا لم يتجاوبوا مع هذه المحاولة، إلى أن ظهرت محاولات الحاخامات التي بدأت فعلياً في أعوام 1833 عن طريق الكاتب اليهودي يهودا الكالاي والحاخام قلعي 1839. إلّا أن أول محاولة لإقامة مستوطنة في مدينة القدس حملت اسم «أوهل موشيه»، وتعني بالعربية خيمة موسى، وذلك عام 1833، تلاها بعد ذلك إنشاء مركز يهودي عام 1843، ثم مصنع للنسيج عام 1854، ثم تلا ذلك المرحلة الثانية التي استهدفت حملة واسعة من الهجرات اليهودية إلى فلسطين بدأت علنياً عام 1882.
إلى هنا كان الدور الفرنسي، ودور نابليون بالذات، العامل الرئيس الفاعل في محاولة دعم الاستيطان الصهيوني في فلسطين. أما في ما يخص بدايات الاستيطان اليهودي الفعلي في فلسطين الذي ارتبط بالدور البريطاني، فقد عرض اللورد شافتسبري في مؤتمر لندن عام 1840 مشروعاً على اللورد بالمرستون، وزير الخارجية في تلك الفترة، طلب فيه أن تتبنى الحكومة البريطانية عملية تنظيم هجرة اليهود ونقلهم إلى فلسطين، حيث تبنّى بالمرستون في حينه «الدعوة إلى إقامة كومنولث يهودي في أي بقعة من الأرض كانت تشغلها الدولة العبرية القديمة في فلسطين».
وإذا كانت المؤلِّفة قد ركزت في الفصل الثالث من الكتاب على الدور الذي لعبه قناصل الدول الأوروبية، لتسهيل وتشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين سياسياً وعسكرياً، وكذلك في المجالات الاقتصادية وعلى الصعد الدينية والتبشيرية، فقد تطرقت في الفصل الرابع إلى موقف الدولة العثمانية من النشاط القنصلي والهجرة اليهودية والاستيطان في فلسطين. وفي الفصل الخامس جرى الحديث عن النشاط اليهودي في فلسطين والحركة الصهيونية بين الأعوام 1840 و1914 عشية الحرب العالمية الأولى، حين استفادت الحركة الصهيونية من قضية التعاطف الدولي تجاه محنة اليهود.
* كاتب فلسطيني





العنوان الأصلي
دور القنصليّات الأجنبيّة في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين (1840ـــ 1914)
الكاتب:
نائلة الوعري
الناشر
دار الشروق ـــــ عمّان