قاسم سهيل قاسم
قطع صديقنا المحيطات يريد أن يردّ لي حقّي مع أنّني لم أوكله بذلك، ولكنّه من تلقاء نفسه ذهب ليطالب لي بحقّي لاجئاً. أمسك بورقته في مؤتمر اجتمعت فيه الأمم والبشر جميعاً لكي يردّ لي حقّي. كم كنت فرحاً أو بالأحرى كم كنت «غشيماً». أعلم بأنّ المجتمعين هناك يريدون التخلّص مني. ولكنّني وضعت القليل من الأمل عليهم، ومع ذلك كنت أعرف بأنني غشيم: كيف يمكنني أن أصدقّ أشخاصاً قد باعوني من قبل؟ كيف بإمكاني أن أصدّق أشخاصاً قد طردوني من أرضهم من قبل؟ كيف بإمكاني أن أصدقّ أشخاصاً قد حاربوني من قبل؟ ومع ذلك كنت أقول: هؤلاء من نفس دمي، حزنهم حزني، ألمهم ألمي. وكم كنت أحمق حينما آمنت بهم. نظر صديقنا إلى الورقة مطوّلاً، وأخذ يردّد الشعارات نفسها. على مدى ستين عاماً نفس الشعارات ما زلت أسمعها، كان والدي رحمه الله يسمعها وأنا ما زلت أسمعها، وأولادي سوف يسمعونها. الشعارات نفسها ولكن الأشخاص يتغيّرون.
أمسك بورقته، شرب من كوب الماء الذي أمامه، ضرب الميكروفون بأصبعه، وبدأ كلامه. أمّا بعد، نريد دولتين، نريد السلام مع الشعب الإسرائيلي، القدس عاصمة لفلسطين.
التصفيق يعلو. لم يصل بعد إلى المقطع الذي يتحدث به عن ألمي. يشرب مرة أخرى من الكوب، ينظر إلى مستشاره، يومئ له برأسه بما معناه «حلو كمّل هيك». هنا من دون إذن أو دستور، يبدأ برسم ملامح الحزن على وجهه ليقول: «إلى فلسطينيي الشتات، أقول لكم بأن حق العودة حق لا عودة عنه». ويسهب في الحديث عن ألمنا كيف أنّ المخيمات محاصرة، واللاجئون لا ينالون حقوقهم. يتحدث باسمي بأنّه سوف يردّنا إلى أرضنا ووطننا، لكنه في قرارة نفسه يريد أن يتخلّص من العبء الذي نشكّله على كاهله. يصفّق العرب الموجودون في المؤتمر بحماس زائد «لا يحبذ كلمة حماس هنا لأن صديقنا على خلاف معهم». أنظر اليه وأقول: أنت لا تشعر بألمي ولا تعرف ما أعاني في حياتي اليومية، تتحدث عن ألمي وعن شتاتي وأنت لا تشعر به ولا تعرف شيئاً عنه. الطعام الذي تتناوله يكفي سعره بأن يطعم نصف «فلسطينيي الشتات». المنزل الجميل الذي تسرح وتمرح به عبارة عن فندق لأحدنا.
تتكلم عن ألمنا، فلأحدّثك عن ألمنا. هل وقفت يوماً عند حاجز ورمى البطاقة الزرقاء في وجهك قائلاً لك: «فلسطيني، ما بتسوى هويتك خمسين ألف»؟ هل منعت من العمل لأنك لاجئ؟ هل اضطررت مرّة أن تخبّئ هويتك لتحصل على وظيفة وتُطرد منها بعد أن يكتشفوا الحقيقة؟ أنت لا تعلم كلّ هذا. ولا تعرف ما تعني كلمة لاجئ. أنت بكل بساطة تزايد عليّ بلجوئي ولا تعرف ما أعانيه.
يا سيادة الرئيس أبو مازن. مهما شاركت في مؤتمرات، ودخلت في مفاوضات، فإنّك لن تستطيع أن تسقط عنّي صفة لاجئ، ولن تعرف بحياتك معنى كلمة «معاناة لاجئ».