مصطفى الهواري *
«لا لعهدة ثالثة». إنها آخر مدوّنة سياسية ظهرت يوم 7 كانون الأول 2007 فوراً بعد أن جرى تحريك بعض الأحزاب والمنظّمات التابعة للسلطة لمطالبة عبد العزيز بوتفليقة بالترشّح لعهدة ثالثة، وهو ما يستدعي تغيير الدستور الجزائري الذي ينصّ في المادّة 74 منه على جواز إعادة انتخاب الرئيس مرّة واحدة بعد قضائه ولاية رئاسية مدّتها خمس سنوات. والرئيس الحالي انتُخب مرتين، الأولى عام 1999 والثانية عام 2004 تنتهي في غضون 16 شهراً. وقد أحدث تحرّك جبهة التحرير والمنظّمات التابعة للنظام إحساساً كبيراً بالإحباط، لأنّ ذلك يعني أنّ الأمور قد حسمت في أركان النظام، وأنّ الجزائر التحقت بالجارة تونس، حيث عُدّل الدستور على المقاس ليسمح لزين العابدين بن علي بالاستمرار في الحكم.
في السنوات الخوالي، كانت تُحكى طرفة سياسيّة معبّرة عن التقاء كلب تونسي بكلب جزائري على حدود البلدين. كان الكلب الجزائري هارباً نحو تونس بحثاً عن الأمن، فسأل ابن العم الذي كان في طريقه نحو الجزائر، لماذا هو يريد الذهاب إلى حيث «المنايا خبط عشواء»، فأجابه الكلب التونسي: «على الأقلّ يمكنني أن أنبح في الجزائر». هذا الإمكان في النباح هو الذي يفسّر ربما، ضعف استعمال الإنترنت من طرف الجزائريّين مقارنة بالمصريّين أو التونسيّين. فالنظام الجزائري عبر سماحه بهامش أوسع للتعبير في الصحافة الجزائرية، لم يولّد الحاجة القصوى إلى استعمال الإنترنت. إلا أنّ الأمور بدأت تتغير. فالموقع ـــــ الصرخة «لا لعهدة ثالثة»، كان سريع الظهور على خلاف العادة.
وكالعادة، ظهر من جزائريّين موجودين في المنفى ولا يخشون أن تطالهم يد الرقابة أو المتابعات القضائية. وهذا لا يعني أنه لم تكن هناك مواقع جزائرية خلال ما يسمّيه الجزائريون العشرية السوداء. فبعد إعلان حالة الطوارئ في كانون الثاني 1992، دخلت الجزائر في مواجهة دامية بين العسكر والإسلاميّين أدّت إلى كبح مجال التعبير وفرض رأي أحادي لقراءة الأزمة، وأُغلق العديد من الجرائد التي لم تكن تواكب السلطة. وقد مثّل موقع «الحركة الجزائرية للضبّاط الأحرار» أوّل خطاب مضادّ بشأن الأزمة، سواء على المستوى السياسي أو على مستوى مجريات العمليات الأمنية على الأرض. كما عُدّ سابقة أيضاً لكونه أظهر لأول مرّة ضبّاطاً منشقّين عن الجيش، الذي هو أساس النظام، منذ استقلال البلاد. وقد نال الموقع رواجاً كبيراً لدى الجزائريّين، وأصبح أحد مصادر الصحافة الأجنبية في محاولة فكّ ألغاز النظام الجزائري الغامض بالنسبة إليهم. لم يعد الموقع ينشط اليوم، حيث قام بعض أعضاء الحركة بإنشاء مواقع شخصية، في حين انضمّ آخرون إلى حركة «رشاد» المعارضة.
ويبقى موقع «ألجيريا واتش» مرجعاً أساسياً، حيث إنه فضلاً عن متابعة قضايا حقوق الإنسان، يقوم بنشر كل ما يكتب في الصحافة الجزائرية والأجنبية عن الجزائر، وهو أصبح وسيلة لا يمكن أن يستغني عنها الباحثون في الشأن الجزائري. وعموماً، فإنّ أغلب المواقع، إن لم نقل كلّها، هي من فعل جزائريّين في الغربة يتابعون الأحدات عن طريق نقل مقالات الجرائد وجعلها محلّ نقاش. وعادة ما يقوم الزوار بمهمة ذكر «ما لم يقله المقال» أو «ما لم يتمكن من قوله». وبالتالي، تقوم هذه المواقع بنقد مستمر لعمل الصحافة الجزائرية، مظهرة حدودها، رغم أنه من بين جرائدها هناك من ما يزال يتبجّح بمقولة روّجها النظام خلال التسعينيات تقدّم الصحف الجزائرية على «أنها الأكثر حرية في العالم العربي». في الواقع، هضمت الصحافة الجزائرية «الخطوط الحمراء»، ولم تكن «حريتها» سوى تعبيراً عن صراعات المجموعات داخل السلطة. ويذكر الصحافي محمد بن شيكو، الذي سجن سنتين، في كتاب «زنازين الجزائر»، كيف أنّ ضبّاط المخابرات جعلوهم يتوهّمون أنّ انتخابات الرئاسة مفتوحة وأنّ الجيش تخلّى عن بوتفليقة. «لقد كنّا نصدق ذلك، لأنه لمدة 6 أشهر، كنا نتلقى أسرار أحد عقداء الاستخبارات، الذي كان يصول ويجول في العاصمة مبشّراً بهزيمة بوتفليقة، أحد الفهلويين المهرة (العقيد) الذي أصبح هاتفه النقّال لا يرد بعد 8 نيسان».
وبعد 8 نيسان، نزلت الصاعقة على محمد بن شيكو الذي فقد جريدته «لوماتان» وسُجن سنتين، وهو اليوم يحاول إحياءها عن طريق موقع إلكتروني يفتح فيه المجال للنقاش...
وكان رئيس الحكومة السابق ووزير الصناعة الجزائرية في عهد الراحل هواري بومدين، السيد بلعيد عبد السلام، قد لجأ هو الآخر إلى نشر كتابه الذي فضح فيه صراعه مع بعض رموز الحكم على الإنترنت، رغم علاقة المسنّين «غير الحميمة» مع التكنولوجيا الحديثة.
وتشير عودة معظم المواقع السياسية «الحسّاسة» لجزائريّي الغربة إلى الانسداد الداخلي وصعوبة الإعلان عن البديل في الداخل. وسبق أن كان لهؤلاء دور محرّك في الماضي أمام انسداد مماثل. فالحركة الوطنية الاستقلالية الجزائرية في القرن العشرين لم تظهر بوادرها في الجزائر، بل من طرف مغتربين جزائريّين منخرطين في الحركات العمّالية في فرنسا. ومواقع الخارج اليوم هي التي تجرؤ على تجاوز الخطوط الحمراء. أحد أكبر المواقع رواجاً هو «تحيا بلادي» لصحافي في المنفى، جمال بن شنوف، حيث يقدّم مقالات الصحافة الجزائرية ويعلّق عليها، ليفتح المجال لنقاشات رفيعة المستوى. ونظراً إلى نجاح الموقع، قام منشّطه بإعارته إلى مبادرة طموحة: فتح نقاش شامل حول شروط التغيير الديموقراطي في بلاد تختنق تحت سطوة نظام سلطوي يحسن تزيين الواجهة. وفي السياق نفسه، ظهر موقع «الجزائر سياسة» بمبادرة شخصية لمناضل في حزب القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في الجزائر يقوده حسين آيت أحمد، وهو من أبرز القادة التاريخيّين للثورة التحريريّة. هذا الموقع الذي انطلق متواضعاً ومن الجزائر، أصبح في أشهر قليلة مقصداً للمتابعين للحياة السياسية الجزائرية. ويرجّح الكثير أنّ التوجّه نحو «تفصيل» دستور على المقاس لفرض عهد جديد لبوتفليقة سيزيد من اللجوء إلى هذه المواقع وإلى ظهور أخرى.
الجزائريّون في نقاشاتهم الحادّة مع جيرانهم المغاربة يعيبون عليهم كثيراً النظام الملكي. لم يفت الموقع المغربي «ولاد بلادي» الإشارة إلى مسألة تغيير الدستور كاتباً بتعجّب: «الجزائر أصبحت مملكة؟». لم يرد الجزائريّون كعادتهم لأنهم لم يروا في ذلك استفزازاً...
بعض المواقع :

www.nonauntroisiememandat.centerblog.net

www.tahiabladi.com/topic/index.html

www.belaidabdesselam.com

www.abdelkader.blogs.nouvelobs.com

www.contredit.blogspot.com

www.esperal2003.blogspot.com

www.reflexions.over-blog.org

www.tigha.unblog.fr

www.anp.org

www.lematindz.net
* صحافي جزائري