هاشم جابر *
ممّا لا شكّ فيه هو أنّ نفوذ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية يعود إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل بعقود. إلا أنّ هذا النفوذ الذي بدأ يتزايد بوضوح اتخذ الشكل الفاضح، وخاصة في العقدين الأخيرين. رغم أنّ اليهود يسيطرون منذ البداية على مختلف مفاصل الدولة من الكونغرس إلى وسائل الإعلام، مروراً بـ«الوول ستريت» بما فيه من بورصة وسوق الذهب... إلّا أنّ عددهم الذي لا يتجاوز الـ14في المئة من سكّان الولايات المتحدة الأميركية شكّل لهم عقدة، بخلق مجموعات جديدة غير يهودية أصلاً، يشكلون نخبة الشعب الأميركي ويفوق عددهم عدد اليهود بعشر مرات.
أعني بذلك المحافظين الجدد أو المسيحيين الصهانية Christian Zionist وذلك عبر احتوائهم عدداً من الطوائف البروتستانتية التي تعود بمعتقداتها إلى «العهد القديم» أي التوراة، لا إلى الإنجيل المقدس.
وقد كتب الكثيرون من الأميركيين وحتى من اليهود، عن خطورة هذا الوضع الذي ربما يعود يوماً بالويل على اليهود، ويذكّر بأوضاعهم في أوروبا تاريخياً والحقد الذي لازمهم عبر العقود. إلا أن ما كتب لم يتح له النشر. وما نشر لم يجد من يقرأه، أو يصغي اليه.
في عام 2002 كتب الصحافيان الأميركيان جون شايمر وستيفن وايت مقالاً عن تأثير اللوبي الصهيوني في أميركا لمصلحة مجلة «أتلانتك مانتلي» Atantic Monthly.
إلا أن هذا المقال لم ينشر، إلى أن قرّرا التوسّع بهذا الموضوع الخطير وإصدار كتاب بهذا الشأن.
وأهم ما يتضمّنه هذا الكتاب، الذي لم ينشر بعد، أن الشعب الأميركي لم يعِ بعد خطورة سيطرة اللوبي الصهيوني على أمة بأسرها. فبالإضافة إلى تسخير الاقتصاد الأميركي والخزينة الأميركية لمصلحة إسرائيل، فقد ورّطت الأمة الأميركية بسياسة خارجية «عقيمة»، و«بلهاء» في حروب عبثية، آخرها الحرب في العراق.
ويقول الكاتبان، إنّ المساعدات المالية والعسكرية لإسرائيل تفوق سنوياً الخمسة مليارات، يضاف إليها ضعفها نتيجة قانونTax Detectable الذي يعفي المتبرع لإسرائيل من الضرائب على أرباحه السنوية. وذلك في بلد ينام نحو خُمس سكانه دون عشاء. ويوجد في مدينة نيويورك لوحدها مليون إنسان يعيشون تحت خط الفقر.
لقد أدّى تأثير اللوبي الإسرائيلي إلى تورّط الولايات المتحدة بمشكلات عديدة مع عدد من الدول كسوريا وإيران. وأساء إلى سمعة أميركا في العالم وأضرّ بالكثير من مصالحهم الحيوية. حيث إن هذا اللوبي يضع مصالح إسرائيل أولاً، ولو تضاربت مع مصالح أميركا.
يقول الكاتبان إنّه «من غير المنطقي أن تتحكم دولة صغيرة كإسرائيل بأمة عظمى كأميركا» وإن «سياسة إعادة رسم الشرق الأوسط» هي صناعة إسرائيلية. لن تخدم مصالح أميركا بشيء، بل على العكس. ويقترحان الفصل بين المصلحتين، وتغليب مصلحة أميركا والشعب الأميركي على المدى البعيد. كما يوصيان بتحويل اللوبي الصهيوني إلى قوة بنّاءه، وتشجيع الخطاب المفتوح حول حقائق إسرائيل وسياستها وحول الشرق الأوسط والفلسطينيين. كما يقترحان تغير قيادات «إيباك» والمنظمة الصهيونية وتشجيع اليهود المعتدلين لإسماع أصواتهم. إلا أنهما يقرّان بأن إقناع الصهاينة المسيحيين سيكون صعباً جداً إذا لم يكن مستحيلاً.
في تشرين الثاني الماضي، التقيت في طهران، وعلى هامش مؤتمر أكاديمي عن توسع حلف شمالي الأطلسي، أستاذاً أميركياً من كبار مدرّسي العلوم السياسية في جامعة جورج تاون. وقد أقرّ بأنه يهودي غير صهيوني، ومن محبي السلام. وسألته سؤالاً افتراضياً، وهو لماذا لا تجرب أميركا ولو لثلاث سنوات فقط، اعتماد سياسة خارجية عادلة، تجاه كل الأمم؟ ألا ترى أنها تنفّس بذلك معظم الحقد الذي تكنّه شعوب العالم
تجاهها؟
قال نعم، وصحيح. إن ذلك يمكن أن يحصل، عندما يحكم الأميركيون
أميركا.
فهل ننعمُ يوماً بمثلِ هذا الحلم؟
* رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة