هبة محسن
لم تعد مشاعر عابرة تلك التي تنتابني في كلّ دقيقة. أنا لم أعد أقوى على تحمّل دولة التفقير. أنا محبطة وفي داخلي صراع بين أحاسيس تتأرجح بين الخوف حيناً واليقين حيناً آخر. الحراك ضروري مهما كلّف الأمر.
أتعامل مع حالتي النفسية بألم. في كلّ صباح أقصد المقعد المنتصب في وسط البلد قبل الذهاب إلى جامعتي، ولا أحب جامعتي أيضاً.
آتي ظناً أنّه بإمكاني أخذ قسط من الراحة والهدوء، وربما فرصة لطرد أفكار لا أنوي التفكير فيها. أنا بعيدة عن كل شيء هنا. عن البيت، عن العائلة، عن كلّ أصدقائي، وعن غرفتي. غرفتي أيضاً غارقة بأفكاري وتناقضاتي وتعيد نفسها دوماً مثلي.
هذا المكان لم يعد ملاذاً آمناً. في طريقي إليه، وعند لحظة وصولي، تبدأ معاناة كل صباح! يستوقفني عشرات الفتية والفتيات كل يوم، حتى أنّني حفظت وجوههم وكلامهم وابتساماتهم. الكلام هو نفسه والطلب هو نفسه. ذاكرة الأطفال لم يعلق بها من مرحلتهم سوى جمل يبخّونها كالسم في وجهك كل صباح.
أنا مثل جميع الناس أدعوهم إلى الصمت. أردّ عليهم بوعود كاذبة، أوهمهم بالقليل من الأمل. الجمل لا تنفع حزنهم. أستوقفهم كلّاً على حدة. أسألهم عن آبائهم، فيعلنون الصدمة. أجوبتهم متشابهة، كما عيونهم تماماً.
اكتشفت أنّ الشارع بالنسبة إلى هؤلاء الأطفال القادمين من عين الحلوة ومحيط صيدا، حسب قولهم، هو النزهة اليومية والعمل اليومي. الشارع عندهم أفضل بكثير من البقاء في المنزل وحفلات الضرب. جدّة أحدهم سيّئة، وأم الآخر متوفّاة، وفي جميع الحالات الآباء لا يعملون. أحياناً، الشارع هو البديل من المدرسة التي تهدّمت في حرب تمّوز ولم تعد كما كانت.
لم أعد أحتمل ما أراه. أنهض من مكاني، آخذ قطعة الكنافة المتروكة على المقعد، أضعها في الكيس، أحمل حقيبتي وأمضي. كل يوم الحزن نفسه، أجمعه في حقيبتي الحمراء، وأمضي.
إمّا أن أستفيق على حرب مشتعلة وإما على وضع مثل اليوم، مداولات واستشارات وزيارات. يماطلون لكي يؤجّلوا اشتعال الحرب من جديد. لكي يؤجّلوا موتنا! ما أحسنهم! أولئك الذين يفقّروننا ويقتلوننا من قصورهم.
نحن لسنا بحاجة إلى الوقت لكي نحضّر الذخائر والعتاد. الحبّ وحده يكفي لكي ننجو من الموت الآتي.