من دون انحيازريمون هنود

إنّ الذي يجمع بين اليسار الماركسي والمقاومة الإسلامية هو اتفاقهما على الـــــــتصدي للهجمة الأميركية الإمبريالية التي تشنّ على لبنان والمــــــــــــــنطقة العربـــــــــــــــــــية بغية نهب ثرواتها وتقسيم كل دولة فيها إلى دويلات طائفية متــــــــــــــناحرة على قاعدة فرِّقْ تَسُدْ بهدف بث الراحة والطمأنينة في الــــــــــــنفوس الحائرة المذعورة التي تعتري الكيان الصهيوني قادة وشعباً. ولتغطية الفشل الذريع في العراق، تعمد قوى الظلام والاستــــــــــــــعمار عــــــــــــــــلى بث سموم التفرقة والفتنة في وطن الأرز الـــــــــــــــــعربي الخلاّب. وقــــــــــــوة التلاقي هذه بين اليسار الماركسي والمقاومة في هذا المجال متينة كزيجة مارونية لا طلاق فيها.
ومعظم الناس يدركون الفوارق الإيديولوجية الشاسعة في نقاط أخرى. وفي جهة أخرى لا أدعي أن منطق المحاصصات المذهبية في لبنان قد زال وانتهى إلى غير رجعة، بل على العكس وللأسف الشديد كأنه يترسخ يوماً بعد يوم، وهذا يعود إلى التركيبة الفسيفسائية الطائفية لنسيج المجتمع اللبناني منذ عام 1860 وحتى يومنا هذا. إن المعارضة اللبنانية، وإن كنا لا نؤيد طريقتها وأسلوبها لناحية إحراق الدواليب وقطع الطرقات، لكنها برهنت رغم هذه الشائبة على أنها سلمية ولم يكن بحوزة أي من مناصريها سلاح حربي أو آلات حادة.
أما بالنسبة إلى أحزاب السلطة، فقد كان حرياً بقسم منها أن يبرهن على أنه يود بناء مستقبل، وخاصة أنه بدأ يغدق علينا وعود بنائه منذ خمسة عشر عاماً، وألا يلجأ إلى أساليب تضر بسمعته وعلاقاته الاجتماعية والدولية المرموقة وتفقده بريقه. أما القسم الآخر فهم مدعوون لعدم دغدغة حنين الماضي وشعاراته لمشاعرهم مجدداً والاقتناع بأن قوة لبنان بعروبته وجيشه ومقاومته التي حطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر وبأن جبل لبنان هو جزء لا يتجزأ من الأمة العربية ولا يمكن له أن يحيا من دون الانتماء إليها أو بمعزل عنها.
ولتغطي حراجة ودقة وخطورة المرحلة الحالية لا بد من التخلي عن الدولاب والحجارة والعصا والسكين والمسدس وعدم الخضوع والرضوخ للأميركي والأجنبي والرهان عليهما أو الارتهان لهما. المطلوب وقوف جميع اللبنانيين حائط صدّ في وجه تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الوافد إلينا من عالم الإمبريالية والاستعمار. وإن هذه السبل لكفيلة ببناء لبنان العربي العلماني الديموقراطي والوصول بالوطن الجريح إلى شاطئ الأمان.



الانتصار على الذات
فايز فارس

هناك مثل شعبي فرنسي يقول ما معناه أن التجاهل هو أعلى مظاهر الاحتقار. لم يُطَبَّق هذا المثل في فرنسا ولا في غيرها من الدول الفرنكوفونية كما يجري تطبيقه في لبنان منذ أشهر. أكثر من خمسين يوماً من التظاهر والاعتصامات السلمية قام بها وشارك فيها اللبنانيون بمئات الآلاف ومن كل الأعمار وكل الطبقات وكل المناطق وكل الطوائف. وكلهم يعرفون القراءة في كتب وصحف الجوع والألم والغدر والحرمان والصبر والإيمان بالله وبلبنان. بينما صاحب الدولة العلية لم يرفَّ له جفن أو ينبض له عرق، على ما قيل بسبب ضعف مزمن أصاب عقله المسطح وجفاف أصاب قلبه النابض بشكل اصطناعي.
ألم يكن باستطاعة الفريق الحاكم الاستمرار يوماً آخر في تجاهله لأعمال المعارضة ونشاطها بعدما أظهر براعة في ذلك منذ الأول من كانون الأول الماضي، وأن يترك هذا اليوم يمر بسلام ما دام هذا الفريق الحاكم يؤمن بالديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان في لبنان ؟
أنا أعتقد أن الأمر كان توقف أو انتهى قبل حلول الظلام ومن دون أن تحصل ضربة كف واحدة.. ولكان لبنان، بشعبه وحكومته، خرج من هذه المحنة منتصراً على ذاته أولاً.. وأدهش العالم ثانياً.