نسيب حطيط *
يتعرض الكيان الصهيوني في اسرائيل على أعتاب مضي نصف قرن على تأسيسه لهزات متنوعة تهدد وجوده التأسيسي وديمومة استمراره، وذلك على المستوى العسكري الذي يمثل العمود الفقري لهذا الكيان، وعلى مستوى الدولة والمؤسسة، وعلى المستوى الأخلاقي الذي يهدد البنيان العقائدي وهو الفكر الديني اليهودي من خلال تدمير المسؤولين الاسرائيليين لهذا الحصن العقائدي وقيمه التي من المفترض ان تشكل الملجأ الآمن لهذا الكيان والمحفّز والمبرر لاستنهاض همم اليهود في العالم للهجرة الى أرض الميعاد «اسرائيل»، وللتضحية من أجل الكيان. وحتى لا يكون الكلام عمومياً من دون دلائل أو تهمة أو بيّنة... سنبدأ بالمستوى الأخلاقي أو «العار الأخلاقي» المتدحرج الذي يحيط بالمسؤولين الاسرائيليين في اتجاهات ومستويات مختلفة. على المستوى الأخلاقي:
أولاً: الرئيس الاسرائيلي موشيه كاتساف والقضية القانونية المرفوعة ضده بتهمة التحرش الجنسي بإحدى الموظفات العاملات في مقره، والتي أصابت المجتمع الاسرائيلي بالهلع والغضب، إذ كيف يمكن رئيس «اسرائيل»، الدولة اليهودية الملتزمة، ان يتجاوز منظومة القيم الأخلاقية المفروضة دينياً وان يتجاوز ضوابط وسلوكيات مركزه المعنوي والتمثيلي على مستوى الدولة، وألا يردعه عمره الذي تجاوز ستين سنة ولا يشكل له حصانة مادية ويمنعه من القيام بالتحرش الجنسي. إلا ان ما يشفع لهذا الرئيس الاسرائيلي هو اتباعه سلوكيات الرئيس الاميركي بيل كلينتون مع المتدربة في البيت الأبيض «لوينسكي» حتى يثبت بالفعل أن التكامل والتحالف والتماثل بين اسرائيل وأميركا يمكن ان يصل الى تشابه السلوكيات الشخصية بما فيها «التحرش الجنسي»، ما دامت أساليب القتل والسياسة والأمن تنتمي إلى مدرسة واحدة.
ثانياً: رئيس الوزراء أولمرت سيخضع للمساءلة القانونية بسبب مسلك أخلاقي ــ قانوني هو قبول رشوة لتمرير إحدى معاملات البناء لأحد المصارف وسوء استغلال السلطة لمكاسب شخصية، ما يدل على عدم الأمانة في إدارة الدولة، قبل البدء بمحاكمته عن مسؤوليته عن إخفاقات الحرب الاسرائيلية على لبنان والهزيمة العسكرية والسياسية للجيش الاسرائيلي والكيان ــ الدولة.
ثالثاً: وزير العدل حاييم رامون الذي استقال أيضاً من منصبه بعيد ادعاء إحدى المجندات العاملات في وزارته التحرش الجنسي بها أكثر من مرة واعترافه بذلك.
رابعاً: رئيس الأركان دان حالوتس الذي اتهم بأنه انشغل بعد لحظات من أسر الجنديين في الجنوب اللبناني بأسهمه في البورصة حفظاً لمصلحته المالية والشخصية بدل ان يصرف جهوده في هذه اللحظات الدقيقة مباشرة بعد الخطف في استعادة الجنديين قبل ان يبتعدوا مع خاطفيهم في عمق الأراضي اللبنانية، وذلك قبل أن يُدان أيضاً بمسؤوليته عن الهزيمة في الحرب على لبنان ويقدم استقالته حفظاً لماء وجهه ومعنويات الجيش الذي تقوم عليه فلسفة الدولة.
خامساً: النائب عمري شارون ابن رئيس الوزراء السابق أرييل شارون الذي اتهم بقبض رشى في صفقات قانونية وانتخابية واستثمارية.
أما على المستوى العسكري:
إن حرب تموز في لبنان التي اعترف الاسرائيليون وحلفاؤهم من العرب بالهزيمة فيها بعد مضي ستة أشهر على نهايتها والتي حاولت اسرائيل تجميل لفظ الهزيمة بشكل مرحلي ليتجرعها المجتمع الإسرائيلي بهدوء، لتظهر بالاعتراف اللفظي والميداني بذلك، إذ قال وزير الدفاع السابق موشيه أرينز «لقد هزمت اسرائيل في هذه الحرب»، وقال الملك الأردني عبد الله الثاني «ان هزيمة اسرائيل أمام إحدى الحركات المتطرفة في الشرق الأوسط سابقة خطيرة».
بالإضافة الى التحاليل والتصريحات المتعددة على لسان عدد كبير من القادة والمسؤولين الاسرائيليين والتي توّجت عملياً باستقالة رئيس الأركان حالوتس، وبشكل أعمق عبر مؤتمر هرتسيليا المخصص لمناقشة أسباب الهزيمة وتداعياتها على المجتمع الاسرائيلي باعتبارها (مسألة حياة أو موت)، والتي كان قد أطلقها شيخ السياسيين الاسرائيليين شيمون بيريز المتبقي من الرعيل الأول لحكام اسرائيل قبل حصول جيل الشباب على الحكم في اسرائيل، والذي عاد وأكد أخيراً ان اسرائيل تمارس عملية التدمير الذاتي، ما أثار الخوف في اسرائيل من ان تكون هذه المعادلة قريبة الى الواقع وان تتجه المعادلة سلبياً نحو الموت، وخاصة بعد تحقيق الهزيمة العسكرية الأولى في تاريخ اسرائيل، والتي بدأت هزاتها الارتدادية تدك البنية الأساسية للكيان وهي «الجيش» والثقة العمياء للجمهور بقوة هذا الجيش وإمكانياته في الدفاع عنه في بحر معاد من العرب والمسلمين.
وبالتالي أحجار الدومينو العسكرية تتساقط الواحدة تلو الأخرى، حيث بدأت بقائد المنطقة الشمالية ومن ثم قائد جبهة الجليل ثم قائد القوات البرية وما بينهم من ضباط من جميع المستويات والاختصاصات، ووصلت إلى ذروتها باستقالة رئيس الأركان حالوتس لتستمر لعبة الدومينو لتصل الى وزير الدفاع بيرتس ورئيس الوزراء أولمرت، ويحاول كل واحد منهم ان يكون بعد الآخر في السقوط.
فإذا ما تكامل قوس سقوط القادة العسكريين والسياسيين نتيجة الهزيمة العسكرية، مع قوس تساقط السياسيين نتيجة الهزيمة الأخلاقية، فإن دائرة الإخفاق والحصار على الكيان الاسرائيلي تكون قد تكاملت، وخاصة بعد توجيه حالوتس الانتباه في كتاب استقالته، إلى ان الجيش لا يستطيع ان يقاتل مكشوف الظهر من السياسيين بعدم تحمّل المسؤولية، ومكشوف الظهر من الشعب بعدم الثقة، مهما كان الاقتصاد جيداً والتعليم مميزاً وهذا هو جوهر المشكلة؟
فإذا استطاعت حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعالم العربي ان تصمد وتوجّه الضربات العسكرية والمعنوية لهذا الكيان، وألا تُحبط ولا تدخل في مشاريع الفتنة الداخلية والمذهبية والطائفية التي تشكل الخطة البديلة من الاجتياحات الاسرائيلية والاميركية، فإننا على أعتاب انهيار الكيان الاسرائيلي العملاق الذي يمكن إعادته إلى حجمه الطبيعي، أي إلى كيان ضعيف غير قادر على ان يكون قائداً أو شرطياً للمنطقة بالوكالة عن أميركا، أو على حماية نفسه أو الاستمرار في الحياة ذاتياً من دون دعم خارجي.
* سياسي لبناني