كامل وزنة *
أكد ألكسندر هاملتون، وهو من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية، أن صلاحية تعبئة الجيوش هي من صلاحيات السلطة التشريعية لا التنفيذية، وأن السلطة التشريعية تضم ممثلين عن الشعب ولا تختصر في السلطة التنفيذية. وحذّر هاملتون من بقاء الجيوش في زمن السلم لأن وجود القوة هو بمثابة النزوة أو الميل الى الشر والتسلّط ويمثّل رخصة دائمة للتمدد والاتساع، فامتلاك القوة من دون المكابح التي تحد من امتدادها يدفع السلطة للانجرار الى الحروب طلباً للمجد أو إرضاء للنزوات الشخصية على حساب أمن المجتمع وسلامته.
هذا ما أكده مجلس الشيوخ الأميركي بعد مئتي سنة عندما تحدّوا الرئيس بوش بعدما أعلن أنه صاحب القرار «الوحيد» في قضايا الحرب، وكان اعتراض أحد أعضاء مجلس الشيوخ آلن سباكتر خلال جلسة استماع في الكونغرس يتركز على صلاحيات هذا الأخير في قضايا الحرب ومن يتحمل مسؤولية بداية المعركة وكيفية استمرارها ونهايتها، وخاصة بعدما هدد الكونغرس الأميركي بإلغاء موازنة الحرب في العراق، وبعدما اعترض على خطة بوش بإرسال واحد وعشرين ألفاً وخمسمئة جندي أميركي الى العراق، ما سوف يؤدي الى صراع دستوري مؤكد بين الرئاسة التنفيذية من جهة والمجلس التشريعي من جهة أخرى.
فالدستور الأميركي وقانون الحرب مقسومان، بحيث ان الكونغرس الأميركي له السلطة في إعلان الحرب ودعم القوة المسلحة، وفي الوقت عينه الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة كما ذكر في الدستور، وبشكل عام فإن القائد العام للقوة المسلحة قد أعطى الرئيس الصلاحيات للدفاع عن الولايات المتحدة وجعله مسؤولاً عن قيادة القوات العسكرية.
هكذا وجدت أميركا نفسها في حروب من كوريا الى فيتنام الى يوغوسلافيا فأفغانستان والعراق، حروب لم يعلن فيها الكونغرس الحرب، حتى إن كل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن لم يسبقها إعلان من المجلس التشريعي باتخاذ قرار الحرب بل سمح الكونغرس في بعض الأحيان باستمرار هذه الحرب أو إيقافها.
فهل يستطيع الكونغرس الأميركي أن يقف في وجه الرئيس الأميركي وأن يوقف حرب العراق أو يحدّ من زيادة عدد الجنود الأميركيين في العراق أو يمنع الرئيس بوش من شن حرب جديدة على ايران؟ وخاصة أن الدستور يعطي الرئيس الصلاحيات التي تخوّله، في حال وجود تهديد فعلي وشيك للقوة العسكرية الأميركية، أن يقوم بعمل عسكري من دون الرجوع الى الكونغرس الأميركي.
لذلك تزايدت التصريحات من الادارة الأميركية ومن الرئيس بوش، وآخرها من مساعد وزيرة الخارجية الاميركية دايفيد وولش بأن على ايران القلق على مستقبلها، مشيراً إلى أن لدى الادارة الاميركية أدلة واضحة على وقوف ايران وراء اعتداءات في العراق ستكشفها في الوقت المناسب وأنها لا تستبعد أي خيار في التعامل معها.
وتأتي عمليات المداهمة لمكاتب الدبلوماسيين الإيرانيين رسالةً واضحةً بعدما قرر الرئيس بوش إرسال حاملة طائرات ثانية الى الخليج الفارسي، وإعطاء الأوامر للقوة العسكرية بقتل أو اعتقال من سماهم «عملاء إيران» في العراق.
وقد أعلن وزير الدفاع الجديد روبرت غيتس خلال لقائه الصحافيين الأسبوع الماضي بعد اجتماعه بالقادة الأوروبيين، أن أفضل حكمة لديه أتت من فدريك العظيم حاكم بلاد فارس في القرن الثامن عشر وهي «أن التفاوض من دون سلاح هو بمثابة كتب الموسيقى من دون الآلات».
فإلى أين تتجه الأمور؟ الى بناء استراتيجية جديدة تهدد باستخدام القوة التي تعوّد عليها وزير الدفاع عندما قاد جهاز الاستخبارات CIA؟ أو الى سياسة بوش في الحرب الاستباقية التي لا تمتلك أية استراتيجية أو رؤية مستقبلية؟ الأمر الذي حذّرت منه افتتاحية النيويورك تايمز بالقول «إذا لم يكن الرئيس بوش حذراً فهو يستطيع أن يقنع نفسه بأنه على صواب ويأخذ البلد الى كارثة حرب، واذا لم يستطع الكونغرس أن يعارضه هذه المرة فسوف يأخذ البلد معه»، وتضيف الافتتاحية «أن الحرب في العراق قد أدت الى كارثة والى تدمير سمعة الولايات المتحدة وأضعفت قدراتها وأصبحت لا تخيف أعداء أميركا بل أصبحت تخيف الأميركيين وأصدقاء أميركا».
هناك قناعة لدى الكونغرس بالوقوف في وجه الرئيس بوش وسياساته الخاطئة ومنعه من شن حرب جديدة، وإن أصر نائب الرئيس ديك تشيني على استخدام الدستور ليوضح أن البند الثاني منه ينص على أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوة المسلحة وأن أي تعد من الكونغرس على صلاحياته سوف يحد من السلطة الرئاسية ويجعل المؤسسة العسكرية تابعة لمجلس النواب.
وهذا بخلاف ما نص عليه الدستور، فقانون الحرب الذي كتب عام 1973 على رغم الفيتو الذي وضعه الرئيس نيكسون في ذاك العام، وضع الآلية للكونغرس وللرئيس في المشاركة في صناعة القرار عندما تُرسل القوة المسلحة الى أماكن عدائية. فالقسم الرابع منه يتطلب من الرئيس أن يخبر الكونغرس عندما توضع القوة المسلحة في وضع حربي أو في أعمال حربية وشيكة. ثم يأتي القسم الخامس الذي يستلزم في حال استخدام القوة العسكرية ضرورة إنهاء كل العمليات العسكرية خلال 60 الى 90 يوماً إلا إذا سمح الكونغرس الأميركي بالتمديد لهذه الفترة. وتشير الفقرة الثالثة إلى أن على الرئيس في كل الحالات أن يتشاور مع أعضاء الكونغرس قبل وضع القوة المسلحة في حالة عدائية.
وقد اعترض كل الرؤساء الأميركيين على هذا القرار، حيث أصبح نقطة جدال مستمر بين المؤسسات الدستورية. فهل تكون الحرب المقبلة نقطة تحوّل لوضع حد لهذا الجدل الدستوري؟ أم ختام جلسة الاستماع في الكونغرس قد اتُّفق فيها على أن لدى الرئيس على المدى القصير الحق في التعامل مع التهديدات التي قد يواجهها الجنود الأميركيون في العراق من ايران، لكن مع حاجته الى إذن من الكونغرس الأميركي لبدء أي حرب شاملة أو طويلة الأمد ضد ايران؟
فهل ينتصر ألكسندر هاملتون والدستور الأميركي ويوقف حرباً تخاض لغايات ومآرب شخصية بحتة؟ أم سوف يتابع بوش وقوفه ضد الشعب الأميركي والمجتمع الدولي والمؤسسة العسكرية والكونغرس الأميركي ويأخذ العالم الى الكارثة؟
* خبير في الشؤون الأميركية