مؤتمر باريس 4 لحل «العقدة اللبنانية»
  • فيصل فرحات

    حين كنت طفلاً، مررت بحالتين نقيضين، هما العمل والتسوّل. وبما انني بدأت حياتي بائع علكة ثم كعك من عمر 8 سنوات الى 13 سنة، كنت كثيراً ما أشعر بالانتعاش وأنا أعدّ المال الذي بين يدي، لكني ايضاً، كثيراً ما كنت أشعر بالحزن والندم لأنني طفل خارج المدرسة، ولأن هذا المال الذي بين يدي هو ليس لي، مما جعلني احياناً اطلب ثمن الطعام من المقربين مني، وكنت بالطبع خدوماً لهم مما كان يجعل من تسوّلي في بعض الاحيان امراً مقبولاً وربما محقاً. والى جانب ذاك الانتعاش، كنت اشعر ايضاً بالدهشة والاستغراب وأنا انظر في وجوه وحركات وتصرفات المتسولين في اسواق بيروت وعلى طرقاتها (ما بين عامي 1965 و1970) متسائلاً لماذا «المتسولون» لا يعملون مثلي ويقبضون المال، ولكن سرعان ما كانت تسيطر عليّ حالة من الارتباك بعدم استطاعتي اعطاء خمسة قروش لمتسول مقعد او «مكرسح»، رغم وجود المال في جيبي، تجنباً لأن يضربني أبي بعد أن يعد المال الذي كان عليّ ان أحصله من البيع والمعروف بالربح. فكان التساؤل يغيب ويحل محله حزني على حياتي وعلى من حولي.
    اليوم، قبل واثناء انعقاد مؤتمر باريس 3 لمساعدة لبنان مالياً والذي اقر نحو ثمانية مليارات دولار أميركي، مرّ لبنان بحدثين مشؤومين. الاول شهد اقتتالاً مسيحياً ــ مسيحياً ما بين قوى الموالاة والمعارضة «اللبنانية»، ويوم 23من الشهر الفائت اي يوم الاضراب العام الذي بدأ بحرق الدواليب وقطع الطرقات، والثاني يوم 25 من الشهر الجاري حيث حصل اقتتال سني ــ شيعي ما بين قوى الموالاة والمعارضة «اللبنانية». وكانت حصيلة الحدثين عشرة قتلى، واكثر من ثلاثمئة جريح مع احراق وتضرر عشرات السيارات وبعض المحال التجارية، مما دفع بدول وأشخاص إلى التساؤل عن جدوى مساعدة هكذا شعب، في مثل هكذا دولة!
    اليوم، وفي لحظة تأمل، تذكرت أنني كنت قد قرأت وأنا شاب، اي منذ ثلاثين عاماً، كتاب «العقدة اللبنانية» للدكتور جورج حنا. فبحثت عنه في مكتبتي وعلى الفور بدأت في قراءته حتى النهاية، مسترجعاً ذكريات عديدة ومختلفة. وبعد القراءة، وجدت أن لبنان بحاجة ماسة وضرورية الى مؤتمر باريس 4 لحل «العقدة اللبنانية». وختاماً ننهي بهذه الكلمات من كتاب «العقدة اللبنانية»: «ان العقدة اللبنانية ليس لها إلاّ حلّ واحد... وهو علمنة الحكم والدولة».


    الخروج من المأزق؟

  • رياض ناصر
    ما زال القلق يستوطن النفوس بسبب ثبات الإدارة الأميركية على موقفها في استخدام الساحة اللبنانية لخدمة مشروعها الساعي إلى ضرب قوى الممانعة العربية والاسلامية في المنطقة، والمصطادون في الماء العكر أخذوا يحرّضون على الفتنة للإيقاع بين أبناء الهوية الواحدة لغاية معينة ولمآرب خاصة بمراكزهم، بغض النظر عن طريقة الوصول وكلفته. إن وطننا الغني بتنوعه الطائفي لا يمكن ان تستقيم فيه الأمور والأوضاع وتستقر إلا بتعاون جميع طوائفه، وبالتوافق على جميع المسلمات الأساسية، وإن الاعتراف بالآخر واجب ومقدس، مهما كان موقعه فهو يعطيه قوة ومناعة، إذ الطوائف قوة وغنى للبنان. أما الطائفية المذهبية، وما أدراك ما الطائفية المذهبية، فهي أنانية لأن الطائفيين والمذهبيين يضعون في أولوياتهم مصالحهم الطائفية أولاً قبل المصالح الأخرى فيزيد الأمر خطورة وينتج من ذلك التباعد بين أبناء الوطن الواحد.
    إن جميع الفرقاء على الساحة مقتنعون بأن الوفاق والتوافق والحوار الجدي والصادق هو السبيل الوحيد لحل عقباتنا ومشاكلنا، وإن الشراكة حق للجميع و«التهميش مرفوض والتوازن والمساواة بين المواطنين لا خلاف عليهما فجميع هذه المسلمات صانها وكفلها الدستور فبالعودة إليه من خلال المؤسسات التي يرعاها يمكن الوصول إلى الغايات المرجوة إذا صفت النيات وأقسم الجميع على حبهم وولاءهم للوطن بالأعمال والأفعال لا بالشعارات والكلام لأنه مهما كانت العقبات والمشاكل صعبة ومستحيلة برأي البعض فإنها ليست عصية على اللبنانيين.
    على جميع اللبنانيين أن يكونوا منتبهين من الذين يوظفهم الاستكبار العالمي لإثارة الفتنة بين اللبنانيين، كما أثاروها ما بين الفلسطينيين والعراقيين وغيرهم، وكما يعلم الجميع عندما تشتعل نار الفتنة فإنها تحرق الأخضر واليابس وتسقط الهيكل على رؤوس الجميع.