محمد طي *
يوم الثلاثاء الواقع فيه 23 كانون الثاني 2007 نفذت المعارضة اللبنانية إضراباً وقطعت الطرقات بإطارات السيارات المشتعلة، ما شل حركة السير ومنع الذين لم ينووا التقيد بالإضراب من الوصول إلى أماكن أعمالهم. ولم يكن ذلك العمل عفوياً، بل أتى نتيجة خطة وضعت وأُعلنت منذ مساء يوم الاثنين.
ورداً على ذلك تحركت قوى الموالاة لإفشال الإضراب ومنع قطع الطرقات مستخدمة الهراوات والسكاكين والبنادق، الأمر الذي أدى إلى عدد كبير من الجرحى. وصرح أحد قادة الموالاة بأنه دبّر لمنع انتصار المعارضة.
ويوم الخميس الواقع فيه 25 كانون الثاني تحركت بعض قوى الموالاة فاقتحمت جامعة بيروت العربية والجامعة اللبنانية الدولية. وتمركز قناصة منها على سطوح بعض المنازل والشرفات في محيط الجامعة العربية وفي منطقة وطى المصيطبة. ودارت معركة ذهب ضحيتها أربعة شهداء وعشرات الجرحى من الطلاب وأهاليهم الذين هرعوا لإنقاذهم ومن المارة.
ولم يكن ذلك عفواً، بل كان مدبراً أيضاً، وصرح قادة الموالاة بأنه جاء رداً على إضراب الثلاثاء، وكذلك على الاعتصام المتمادي في ساحتي الشهداء ورياض الصلح.
يوم الثلاثاء كان الاشتباك سياسياً بوجه عام، أما يوم الخميس فكان سياسياً بوجه مذهبي وكاد يحدث فتنة لا تبقي ولا تذر.
فما موقف قانون العقوبات من كل هذه الأفعال؟
ــ بالنسبة إلى المعارضة:
أ ــ في الاعتصام تنطبق على المعارضة المادة 346/2 التي تنص على أن «كل حشد أو موكب على الطرق العامة أو في مكان مباح للجمهور يعد تجمعاً للشغب ويعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة».
أما الفقرتان الأولى والثالثة من المادة المذكورة واللتان تنصان:
* الأولى على تجمع بقصد اقتراف جناية أو جنحة مع وجود قطع سلاح.
* والثانية على تجمع يفوق عشرين شخصياً وظهر بمظهر من شأنه تعكير الطمأنينة العامة.
فهما لا تنطبقان على الاعتصام، أو على الأقل لم تعلن أي سلطة أمنية أو ضابطية ذلك.
ب ــ في الإضراب: تنطبق على المعارضة المادة 342 التي تقضي بأنه «يعاقب بالحبس والغرامة على كل اعتصام يقوم به أكثر من عشرين شخصاً ويتبعه الشروع أو البدء بالتنفيذ بقصد توقيف:
* وسائل النقل بين أنحاء لبنان أو بينه وبين البلدان الأخرى.
غير أن المادة 346 تتعارض مع حق أصبح دستورياً في جميع بلدان العالم المتحضر، وهو معترف به في لبنان منذ زمن بعيد، وأعني به الحق بالتظاهر انسجاماً مع المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 21 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وقد مارسته قوى المعارضة لمدة طويلة سنة 2004.
وكذلك فإن المادة 342 تتعارض أيضاً مع حق التظاهر نفسه وقطع الطرق الذي يمارس في جميع أنحاء العالم المتحضر لتحقيق أبسط الأمور المطلبية. وهو يمارس في لبنان، وخير دليل عليه ما حصل سنة 1992 فاستجاب له الرئيس كرامي واستقال مع حكومته.
وما يزيد في تأكيد حق المعارضة في ما ذهبت اليه، أن السلطة العامة لم تقمعها، بل حاولت فتح الطرق عندما قطعت.
أما إذا كان بعض عناصر المعارضة قد استخدموا وسائل العنف، فكان ذلك في حالات محدودة، بدليل النتائج، وكان مبدئياً يتفق مع حق الدفاع المشروع عن النفس الذي تبيحه المادة 229 التي تنص على أنه «لا يعاقب الفاعل على فعل ألجأته الضرورة إلى أن يدفع به عن نفسه أو عن غيره أو عن ملكه أو ملك غيره خطراً جسيماً محدقاً، لم يتسبب هو فيه قصداً، شرط أن يكون الفعل متناسباً والخطر».
فإذا تجاوزت أفعال بعض عناصر المعارضة مبدأ التناسب بأن انجرت إلى ردود فعل غير ضرورية لرد الأذى، فهي تعاقب بقدر تجاوزها.
وفي حال حمل بعض العناصر السلاح بشكل مسبق فإنهم يعاقبون بالحبس من شهر إلى سنة (م346/1).
ــ بالنسبة إلى الموالاة:
يمكن التمييز بين ما حصل يوم الثلاثاء وما حصل يوم الخميس، كما يجب بحث مسؤولية القادة.
أ ــ يوم الثلاثاء: تنطبق على أنصار الموالاة الذين تصدوا يوم الثلاثاء أحكام المواد الآتية:
* المادة 75 المعدلة من قانون الأسلحة والذخائر التي تنص على أن «كل من أقدم على إطلاق النار في الأماكن الآهلة أو في حشد من الناس من سلاح مرخص أو غير مرخص به، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة... أو بإحدى هاتين العقوبتين ويصادر السلاح في جميع الأحوال» ويحال المرتكبون إلى المحكمة العسكرية».
* المادة 326 من قانون العقوبات بحملهم السلاح لقمع المعارضين واستخدامه، التي تنص على أنه: «إذا كانت الغاية من حمل الأسلحة أو الذخائر أو من حيازتها ارتكاب جناية، كانت العقوبة في ما خلا الحالات التي يفرض معها القانون عقوبة أشد، الحبس مع التشغيل من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة».
* وتنطبق عليهم أحكام المادة 346 التي تنص على أن «كل حشد أو موكب على الطرق العامة أو في مكان مباح للجمهور يعدّ تجمعاً للشغب ويعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة:
1 ــ إذا تألف من ثلاثة أشخاص أو أكثر بقصد اقتراف جناية أو جنحة وكان أحدهم على الأقل مسلحاً.
2 ــ إذا أربى عدد الأشخاص على العشرين وظهروا بمظهر من شأنه أن يعكر الطمأنينة العامة.
* المادة 348 التي تنص على أنه «إذا لم يتفرق المجتمعون بغير القوة كانت العقوبة الحبس من شهرين إلى سنتين. ومن استعمل السلاح عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات فضلاً عن أي عقوبة أشد يستحقها».
* المادة 329، بسبب تصديهم لمن يمارسون حقهم بالتظاهر، التي تقضي بأن «كل فعل من شأنه أن يعوق اللبناني عن ممارسة حقوقه أو واجباته المدنية، يعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة، إذا اقترف بالتهديد والشدة أو بأي وسيلة أخرى من وسائل الإكراه الجسدي.
إذا اقترف الجرم جماعة مسلحة مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر، كانت العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات».
* المادة 330 التي تنص على أنه «إذا اقترف أحد الأفعال المعينة في المادة السابقة عملاً لخطة مدبرة، يراد تنفيذها على أرض الدولة كلها أو في محلة أو محلات منها عوقب كل من المجرمين بالاعتقال المؤقت (3 ــ 5 سنوات) أو بالإبعاد».
* المادة 392 التي تنص على أن «من بدأ منتحلاً وظيفة عسكرية أو مدنية أو مارس صلاحياتها عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين. إذا اقترن الفعل بجريمة أخرى رفعت عقوبتها وفاقاً للمادة 257، أي زادت حتى 50 في المئة».
* وأخيراً تنطبق عليهم المواد من 554 ــ 557 المتعلقة بالإيذاء التي تتراوح عقوباتها بين الحبس من ثلاثة أشهر حتى الأشغال الشاقة عشر سنين، على أن تزاد جميعاً بموجب المادة 257 سالفة الذكر فيصل حدها الأقصى إلى الأشغال الشاقة خمس عشر سنة.
ولما كانت في هذه الحالات تطبق العقوبة القصوى بحيث تجب سائر العقوبات، فيكون أقصى العقوبات على من ارتكبوا أعمال الإيذاء التي أدت إلى استئصال أعضاء أو بتر أطراف أو تعطيلها أو إحداث تشويه جسيم أو التسبب بأي عاهة أخرى دائمة (م 557 معطوفة على المادة 257). وبعض هذا حصل فعلاً. فتكون العقوبة خمس عشرة سنة أشغالاً شاقة.
ب ــ يوم الخميس:
تنطبق على أنصار الموالاة الذين اشتركوا في أحداث يوم الخميس جميع الأحكام التي تنطبق على تصدي يوم الثلاثاء ما عدا المادتين 329 و330، ويضاف إليها أحكام المواد المتعلقة بالإرهاب وإثارة الحرب الطائفية والقتل، كما يأتي:
3 ــ حول الإرهاب:
* المادة 314 التي تحدد الأعمال الارهابية بكونها «جميع الأعمال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر وترتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة المحرقة» مما استعمل في معركة جامعة بيروت العربية.
* المادة 315 التي تنص في فقرتها الثانية على أن «كل عمل إرهابي يستوجب الأشغال الشاقة لخمس سنوات على الاقل».
وتضيف الفقرة الرابعة: «يقضي بعقوبة الإعدام إذا أفضى الفعل إلى موت انسان...» ويعاقب بالعقوبة نفسها بمقتضى المادة 312 من يقدم على صنع أو اقتناء أو حيازة الوسائل المذكورة في المادة 314.
2ــ حول إثارة النعراف الطائفية:
المادة 310 التي تنص على أنه «يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبّدة المشتركون في عصابة مسلحة ألفت بقصد ارتكاب إحدى الجنايات المنصوص عليها في المادتين (308 و309) وتنطبق على حالتنا المادة 308 وتنص على أنه «يعاقب بالأشغال الشاقة مؤبداً على الاعتداء ومحاولة الاعتداء التي تستهدف إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بتسليح اللبنانيين أو بحملهم على التسلح بعضهم ضد بعض. وإما بالحض على التقتيل والنهب والتخريب».
أي إن من ينخرط في عصابة تحت إمرة من يقوم بالتسليح أو الحث على التسلح أو على التخريب والقتل والنهب وتشدد العقوبة بمقتضى المادة 257 إذا كان الفاعل يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ، فتصبح العقوبة عقوبة الإعدام.
3 ــ حول القتل:
* المادة 547: «من قتل انساناً قصداً عوقب بالأشغال الشاقة من خمس عشرة إلى عشرين سنة»، أي إذا لم يكن قتله خطأ.
* المادة 548: «يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة على القتل قصداً إذا ارتكب على شخصين أو أكثر».
* المادة 549: يعاقب بالإعدام على القتل قصداً إذا ارتكب:
1 ــ عمداً «أي عن سبق تصور وتصميم»، أي إذا سبق الفعل إجالة الفكر وتدبير الأمر في متسع من الوقت، كأن يقرر مساء وينفذ في اليوم التالي.
وإذا جمعت العقوبات وجبت الأشد ثم الأقل شدة، يبقى أن الجرائم المذكورة تعاقب بعقوبة الإعدام.
ج ــ مسؤولية القادة القيمين على ما ارتكب من أعضاء الموالاة:
يتحمل القادة مسؤولية كل الأعمال التي خططوا لها وحضوا عليها، ويضاف إلى ذلك أحكام المواد الآتية:
* المادة 307: «يستحق الاعتقال المؤقت (3ــ5 سنوات) من أقدم دون رضا السلطة على تأليف فصائل مسلحة من الجند، أو على قيد العساكر أو تجنيدهم أو على تجهيزهم أو مدهم بالاسلحة والذخائر».
* المادة 308: «يعاقب بالأشغال الشاقة مؤبداً الاعتداء الذي يستهدف إما إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بتسليح اللبنانيين أو بحملهم على التسلح بعضهم ضد البعض الآخر وإما بالحض على التقتيل والنهب في محلة أو محلات، ويقضي بالإعدام إذا تم الاعتداء».
* المادة 313: «يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة (3ــ5 سنوات) على المؤامرة بقصد ارتكاب إحدى الجنايات المذكورة في هذه النبذة».
* المادة 315: «المؤامرة التي يقصد منها ارتكاب عمل أو أعمال إرهاب يعاقب عليها بالأشغال الشاقة المؤقتة، (3ــ5 سنوات).
* وهكذا فإن العقوبة الأشد التي تستحقها أعمال القادة القيمين أو قوى السلطة، بحسب القانون اللبناني هي الإعدام، ولكن يمكن أن تعد الجرائم المرتكبة جرائم سياسية فتخفض العقوبة لتكون الاعتقال المؤبد سنداً للمادة 198 من قانون العقوبات.
إن من يستحقون هذه العقوبات يتحكمون بلبنان، فهل يمكن أن يحاكموا، أم نحن بحاجة إلى محكمة دولية؟
عاشت دولة القانون.
* باحث قانوني