غسان ديبة *
إن هذه الورقة هي ملخص لورقة افتراضية لحكومة بديلة تتقدم من مؤتمر عالمي بطلب للمساعدة المالية من أجل خفض نسبة الدين العام للناتج المحلي ودرء خطر الانهيار النقدي. إن الورقة تحمل تقريباً الأبواب نفسها للورقة المقدمة من الحكومة الحالية، وتتبع الأسلوب الإنشائي نفسه. إن الورقة لا تسعى بالتالي إلى إجراء نقد لورقة الحكومة، بل الذهاب أبعد من ذلك بتقديم بديل متكامل، لطالما ادعت الحكومات المتعاقبة منذ انتهاء الحرب بعجرفة أنه غير ممكن.
إن الحكومة اللبنانية تتطلع من خلال تطبيق الإصلاحات التالية إلى خفض نسبة الدين العام للناتج المحلي ودرء خطر الانهيار النقدي نتيجة تراكم الدين على مدى السنوات الأربع عشرة الماضية بوتيرة أكبر من النمو الاقتصادي بسبب السياسات الماكرو ــ اقتصادية والمالية والتنموية الخاطئة التي اتبعت في مرحلة إعادة الإعمار. إن الحكومة اللبنانية تعد الدول المانحة أن هذه هي المرة ألاخيرة التي سوف تتوجه فيها إلى الخارج من أجل الإنقاذ الاقتصادي، إذ إن تطبيق هذه الإصلاحات من شأنه أن يبني اقتصاداً قوياً وديناميكياً وعادلاً يفتح الآفاق المادية من أجل تحقيق نمو اقتصادي مستدام ورفاه اجتماعي عالي المستوى في لبنان.
1ــ السياسة الضرائبية
إن الحكومة اللبنانية تعي بشكل كبير أن الباب الأساسي لبدء عملية كبح جماح تراكم الدين هو زيادة مداخيل الدولة اللبنانية. إن الإجراءات على المستوى الضريبي ستكون على الشكل الآتي:
أولاً: رفع الضريبة المسطحة على شركات الأموال من 15% إلى 25%. فكما يعلم خبراء الدول المانحة وسياسيوها أن معدل هذه الضريبة هو من أدنى الدول في العالم، كما أن التجارب العالمية (بما فيها لبنان) أثبتت بشكل لا يحمل ألشك أن الاستثمار لن يتأثر بهذه الزيادة.
ثانياً: رفع معدل الضريبة على الفوائد من 5% إلى 10%.
ثالثاً: رفع الحد الأقصى للضريبة على الأرباح للأفراد والشركات إلى 30% مع توسيع شطور الدخل الخاضع للضريبة وزيادتها. إن هذا الإجراء سوف يؤدي إلى تحقيق مداخيل إضافية للخزينة، وفي الوقت نفسه تحقيق عدالة ضريبية أعلى.
رابعاً: رفع معدل ضريبة القيمة المضافة إلى 12% في عام 2008. في هذا الإطار ستقوم الحكومة اللبنانية بوضع اقتراح تعديل جذري على هيكلية هذه الضريبة تشمل تطبيق معدلات مختلفة وتغييراً في سلة السلع ألمعفاة ابتداء من عام 2010. وسيكون هدف هذه التعديلات زيادة المداخيل، بالإضافة إلى جعل هذه الضريبة ضريبة تصاعدية. إن هذه الضريبة كما هي الآن، غير عادلة، إذ تدفع ألطبقة الأقل دخلاً معدل ضريبة فعلياً يبلغ 7%، بينما تدفع الطبقة الأعلى دخلاً معدل ضريبة فعلياً يبلغ 4%.
خامساً: إن الحكومة اللبنانية سوف تقوم في عام 2007 بإعداد دراسة جدية لنوع ومعدلات الضريبة على جميع انواع المحروقات، بما فيها البنزين، تعتمد على أن الضريبة الأساسية على المحروقات هي الضريبة على القيمة المضافة، بالإضافة إلى ضرائب نوعية من أجل ترشيد الإنفاق في هذا القطاع الحيوي من الطاقة. إن الحكومة اللبنانية لن تعود بأي شكل من الأشكال إلى السياسات السابقة التي استهدفت جعل الضريبة على هذه المواد الحيوية أداة لتحقيق أكبر قدر من المداخيل بغض النظر عن التأثيرات السيئة على توزيع الدخل والاقتصاد الوطني.
2ــ السياسة الاجتماعية وسوق العمل
إن الحكومة اللبنانية تنظر بقلق بالغ إلى تدني مستوى الأجور وسوء توزيع الدخل في لبنان، وبالتالي سوف تستعمل فرصة زيادة الثقة بالاقتصاد اللبناني وزيادة الإنتاجية والاستقرار المالي والنقدي الناتج من تدفق المساعدات ورؤوس الأموال إلى رفع الحد الأدنى للأجور إلى 450000 ل.ل بدءاً من كانون الأول 2007.
إن الحكومة اللبنانية لديها التزام كامل بتحقيق أهداف الألفية الثالثة من خفض للفقر وتحسين مؤشرات التنمية الإنسانية في مجالات الصحة والتعليم وغيرها. وبالتالي تعلن أنها سوف تنشئ «البرنامج الوطني لخفض الفقر» في عام 2007 بموازنة تبلغ 5% من مجموع المساعدات والقروض الممنوحة للبنان في هذا المؤتمر.
إن الحكومة اللبنانية ترى أن قانون العمل أللبناني يشكل ضمانة للعمال والموظفين اللبنانيين الذين بذلوا التضحيات الكبرى خلال فترة إعادة الإعمار من خلال تجميد أجورهم ودفعهم للضرائب، وبالتالي سوف تفدم الحكومة في عام 2007 مشروع قانون عمل يتضمن درجة أكبر من ضمانات ديمومة العمل وحق التنظيم النقابي والمشاركة الديموقراطية في إطار مفهوم متطور وتقدمي لعلاقات العمل والحوكمة العصرية للمؤسسات.
إن الحكومة اللبنانية ترى أن الأنظمة التقاعدية المعمول بها في القطاعين العام والخاص تشكل الخزان المالي الذي ضمن ويضمن حصول العمال والموظفين على تقاعد لائق وعادل وضامن للتكافل والتضامن الاجتماعيين.
3ــ التخصيص
إن الحكومة اللبنانية إذ تأخذ بعين الاعتبار أن تجارب الخصخصة في الكثير من الدول لم تحقق النتائج المرجوة، وخصوصاً في تحسين أسعار الخدمات العامة وخفضها، وإن هذه التجارب أدت في كثير من الأحيان إلى زيادة البطالة وسوء توزيع الدخل، ما أدى بالكثير من الدول إلى مراجعة نقدية لتجاربها، إلا أن الحكومة سوف تقوم بإنشاء «الهيئة الوطنية للاقتصاد المختلط» التي سوف تعمل على:
أولاً: الإشراف على خصخصة شركتي الهاتف الخلوي في عامي 2009 و 2010 على التوالي.
ثانياً: إنشاء شركة «ليبان تيليكوم» في عام 2007 شركةً عامة تحتكر قطاع الهاتف الثابت وتؤسس شركة خلوي ثالثة «ليبان موبايل» تنافس الشركات المخصصة.
ثالثاً: تشرف الهيئة على جميع الهيئات الناظمة في قطاعات الاتصالات، الكهرباء والنقل وغيرها، من أجل ضمان تنافس الأسواق والأسعار المحققة لأكبر قدر من رفاه المستهلكين والتطور التكنولوجي. كما تشرف الهيئة على ضمان التوازن في الاقتصاد المختلط وتوزع ملكية الأسهم بشكل يحول دون تركزها بأيدي قلة من المستثمرين.
رابعاً: تنظيم شركة الكهرباء اللبنانية في الأعوام 2007ــ2011 على أساس الاستثمار في شبكتي النقل والإنتاج لموازاة القدرة الإنتاجية مع الحاجات الاستهلاكية بالتوازي مع استعمال الغاز الطبيعي، وهنا تطلب الحكومة من الدول الصديقة المنتجة للنفط أن تحاكي اتفاق كاسترو ــ تشافيز في تزويد لبنان بالفيول أويل وألغاز ألطبيعي.
خامساً: تشرف الهيئة على جميع الشركات المملوكة بالكامل أو جزئياً مثل الميدل إيست وكازينو لبنان ومصالح المياه.
4ــ القطاع العام والإنفاق
تعترف الحكومة اللبنانية بأن الخيارات المتاحة حالياً لجهة خفض الإنفاق العام هي قليلة جداً بسبب أن أكثر أبواب الموازنة العامة من أجور وخدمة دين عام ونفقات جارية وتقاعدية غير قابلة للخفض في المدى المنظور. لذلك لن تقترف هذه الحكومة خطأ سابقاتها كما في باريس 2، على سبيل المثال، بتقديم وعود لا يمكن تحقيقها. لكن الحكومة ستقوم بإعداد خطة في عام 2007 لتحديث أجهزة الدولة وزيادة الإنتاجية في القطاع العام (دون رفع زيادة ساعات العمل) وخفض مبرمج للنفقات غير المجدية التي سوف تحددها هذه الخطة.
5 ــ السياسة النقدية وسعر الصرف
إن الحكومة اللبنانية تعتزم إجراء تغيير في السياسات النقدية التي كبدت الاقتصاد اللبناني خسائر كبيرة على مستوى الإنتاج وتوزيع الدخل في فترة ما بعد الحرب. إن الحكومة تعتزم:
أولاً: إجراء تغيير في أهداف المصرف المركزي من التركيز فقط على استقرار الأسعار إلى استهداف زيادة العمالة والإنتاج واستقرار الأسعار في الوقت نفسه.
ثانياً: إخضاع المصرف المركزي لرقابة ديموقراطية ومحاسبة لاحقة لسياساته ونتائجها من مجلس النواب اللبناني، وتقترح الحكومة إنشاء نظام رقابة شبيه بالولايات المتحدة الأميركية.
ثالثاً: الطلب من المصرف المركزي أن يؤسس سياسة صرف أكثر مرونة، تتمثل بإقامة «هامش» لتقلب سعر صرف العملة اللبنانية بدءاً من عام 2008. وسيسمح هذا الهامش باتباع سياسة نقدية أكثر مرونة، والحفاظ على تنافسية السلع اللبنانية.
6 ــ القطاع المصرفي
ترى الحكومة اللبنانية أن القطاع المصرفي قد حقق أرباحاً كبيرة في فترة إعادة الإعمار نتيجة الاكتتاب بسندات الخزينة اللبنانية بفوائد مرتفعة. وتعتزم الحكومة الطلب من المصارف اللبنانية أن تشارك المجتمع الدولي واللبنانيين جميعاً في تحمل جزء من كلفة الإصلاح الاقتصادي ووضع لبنان على سكة النمو المستدام كما فعلت بشكل جزئي في باريس ــ 2. إن الحكومة اللبنانية ستسعى إلى إقامة اتفاق بين المصرف المركزي والمصارف اللبنانية يقوم على الأسس الآتية:
أولاً ــ يقوم مصرف لبنان بخفض الاحتياطي الإلزامي على ودائع المصارف بالدولار الأميركي.
ثانياً ــ تقوم وزارة المالية بإنشاء سندات خاصة ذات فائدة تساوي معدل الفائدة لجميع القروض والهبات المقدمة في المؤتمر الدولي، وتكتتب المصارف الخاصة في هذه السندات بمقدار الخفض في الاحتياطي الإلزامي الذي سيخضع لعوامل الاتفاق بين المصرف المركزي والمصارف ومقدار تدفق المساعدات والجهات ورؤوس الأموال التي سوف تسمح بهذا الخفض من دون التأثير على الاستقرار النقدي. إن الحكومة اللبنانية، من خلال سيناريوهات مختلفة، تقدر أن هذه الإجراءات مجتمعة سوف تؤدي إلى وضع المالية العامة على سكة الاستقرار الطويل المدى، الذي سوف ينعكس إيجاباً على الاستقرار النقدي واستقرار الأسعار من دون أن يكون ذلك على حساب النمو الاقتصادي وزيادة العمالة وتحسين توزيع الدخل وخفض الفقر، وهي الأهداف الأساسية التي سوف تناضل الحكومة اللبنانية لتحقيقها في المدى القريب والمتوسط.
* كاتب لبناني