مشكلة الورقة الإصلاحية نبيلة صعب فتح الله

المشكلة الكبرى في الورقة الاصلاحية اللبنانية هي أنها لم تأخذ في الحسبان فرادة الوضع في لبنان، حيث الارتباط الوثيق، بين الاقتصاد، والسياسة، كما بين الوفاق والاستقرار، بدليل انها لم تقدم اية مراجعة، او تقويم لسياسات الحقبة الماضية، واجراءاتها، بل ركزت على توجهات صندوق النقد الدولي، وسيناريواته الاقتصادية لإنعاش الاستثمار الأجنبي المباشر!! مع التركيز على تداعيات الحروب، ومسؤوليتها الكبيرة، الى جانب التوترات السياسية، التي طبعت هذه المرحلة في عرقلة الاصلاح، ومراكمة الديون.
ورغم كثرة البرامج الاقتصادية، والاجتماعية، من خبراء اقتصاديين وسياسيين واجتماعيين كثر، واستشرافاتهم المستقبلية لدراساتهم، وتصوراتهم هذه، وتأثيراتها على الوطن، إلا أن نجاح الورقة الإصلاحية، لا يتوقف عند النيات فحسب، بل، في تنفيذ هذه الورقة الإصلاحية، وتطبيقها فعلاً، وفقاً للمصلحة اللبنانية العليا!
المصلحة الوطنية العليا للورقة الاصلاحية، تفترض مناقشة وطنية مستفيضة وواضحة وطنياً، سواء من الناحية التقنية، أم الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو السياسية. هذه الورقة لديها مشكلتان واضحتان، هما: مشكلة الإجراء الضريبي السهل، الذي يخلق مشكلة متفاقمة، اذا لم يقابله إجراء استهلاكي لضبطه، كما مشكلة تحفيز القطاع الخاص، هنا القطاع الأساسي في لبنان، الذي لم تلحظ الحكومة، في ورقتها الاصلاحية هذه، محطات اساسية، تعنى بهذا القطاع المهم، مع الأسف!! كما أن الإصلاح السياسي هو الإطار الحقيقي للوصول إلى الإصلاح الاقتصادي، بعد أن يكون توطين هذا الإصلاح هو الغاية، والهدف، لأي اصلاح!!
الحقيقة أن خفض كلفة الإنفاق غير المجدي، والهدر في التسييس، كما تحفيز القطاع الخاص، وتخفيف العبء عن المواطن الفقير، حيث 75 في المئة من الأسر تشترك في المولدات الكهربائية، وغيرها من النفقات غير المباشرة، التي تزيد مصاريفهم غير المحقة، هي من الأسس المهمة للخروج من الأزمة الاقتصادية.
اما مفهوم التعاقد الوظيفي فيتنافى وديمومة العمل التي هي أساس أي عقد وظيفي آمن ومتطور (حسب نظم منظمة العمل العربية والدولية). إذ إنه ينزع حق الموظف في الأمن الاجتماعي والصحي له، ولعائلته، صمام الأمان لضمان مستقبله، وشيخوخته، وحقه في ضمان مستقبل آمن ومستقر!! كما ان تحمل المواطن اللبناني أي عبء ضريبي اضافي جديد، على الضرائب الحالية، التي تشكل 22 في المئة من الناتج المحلي، فإن هذا، سيزيد حتماً، المشاكل الاجتماعية وزيادة الفقر، ووقف تفعيل القطاعات الانتاجية، وبالتالي: زيادة الأعباء الوطنية على الدولة!!
ماذا عن الخصخصة، بالمعنى الوطني للكلمة؟؟ كخصخصة الكهرباء مثلاً؟ وهنا يتساءل المواطن العادي: هل خصخصة هذا القطاع الاستثماري المتهالك، والمضعضع حالياً بفعل الديون المتراكمة المقصودة، التي يفرضها شهرياً على الدولة، بسبب الهدر، وعدم استيفاء المستحقات، والمحاصصة، وعدم وجود حماية وطنية من قبل الدولة، هو الدواء الأوحد حالياً؟ وكيف يباع هذا القطاع المريض الآن؟ فهل المقصود تقديمه للمقربين من اهل الساسة؟ وما حال خصخصة القطاعات الإنتاجية الاخرى، التي تدر الاموال على الدولة، كالخلوي وغيره؟
أما الدراسات التي أجرتها منظمة العمل العربية فهي تنبه إلى ضرورة التنبه إلى وصفات البنك الدولي، التي يحاول فرضها على الدول النامية، بحيث تنحو الى تقليص دور الدولة في الرعاية الاجتماعية، لمصلحة توسيع دور الخصخصة في قطاعي الضمان الصحي والشيخوخة (كما يحصل في لبنان)، الأمر الذي رأى أنه سيكون على حساب التكافل والاستقرار الاجتماعيين!! بهذا تسيطر العولمة الاقتصادية المتوحشة لتنفيذ غاياتها الفتاكة، في إفقار هذه الشعوب العربية الناشئة، مضافاً إليها التوترات السياسية المفتعلة!!
في النتيجة، الورقة الإصلاحية، ليست بحاجة الى توطين النيات فحسب، بل، الى تنفيذ هذا التوطين: نية، وقولاً، وفعلاً، على ارض الواقع الوطني اللبناني، إضافة الى تأمين حماية سياسية وطنية، بقرار سياسي وطني نافذ، غير قابل للتلاعب أو الاجتهاد!! فإذا افترضنا أن باريس 3 للبعض ضرورة اقتصادية ملحة، فإن التزام القوانين الوطنية الصارمة، وتطبيقها، تبعاً للمصلحة الوطنية العليا، هي الضرورة المقدسة الأولى والأخيرة، لمواطنية هذه الورقة، حسب مصلحة المواطن والوطن الحبيب لبنان!! عن طريق تحفيز الاستثمار الوطني اللبناني، لا، الإنعاش المباشر، للاستثمار الاجنبي، كما يريد البنك الدولي!!