من خلقوا الحالة الإرهابيّة في الأمّة الإسلاميَّة من صنّاعها في الخارج والداخل وغذّوها ونمّوها بما يمتلكون من أسباب، فهم إنما فعلوا ذلك لأغراضهم السياسيّة الاستكبارية الخبيثة عبادة لدنياهم، وإضراراً بالأمّة، ولسدِّ الباب أمام عودتها للإسلام، وصدها عن الأخذ بسبل النّهضة والاستقلال، والخروج من ربقة العبودية والظلم والظّالمين، ولكن جدّ على الظاهرة جديد.


لم تبق الظاهرة في الحجم الذي أرادوا لها، ويحكمها الخضوع للسيطرة بالكامل كما أملوا، والحدّ الذي خططوا له، وبدأ شرر الإرهاب يقترب منهم وينالهم بعض الشيء فصاروا يشعرون بما جاء به بيت الشاعر:

أعلّمه الرّماية كلّ يوم
فلمّا اشتدّ ساعده رماني.


ومن هنا انضم إلى شعور المخططين للإرهاب الخوف منه، ما استوجب تكييفاً جديداً ومزدوجاً له يقوم على الحدّ من حجم القوة والسيطرة التي تحقّقت له، وعلى إبقائه ظاهرة مستمرة تؤدي دورها المطلوب الذي استهدفه التخطيط لها.
فَشُكِّل التحالف للمهمة الأولى، واستمر الدعم المطلوب بالسلاح وغيره بمقدار موزون وفاء بالمهمة الثانية.
والغرب في حربه المعلنة على الإرهاب الذي يرفع شعار الإسلام لا يخسر من رجاله ولا ماله.

الإمكانات الهائلة التي
يتمتع بها الإرهاب تحقّق أكثر من غرض قذر من أغراض الغرب

الخسائر في الدائرة الإسلامية، والاستفادة لمصانع السلاح في الغرب الذي تحتاجه الدّول العربية المشاركة في الحرب والمهدَّدة جدَّاً بالأخطار العظيمة من جانب الإرهاب والإرهابيين، كما تحتاجه الجماعات الإرهابية. وتدفق هذا السلاح وبأغلى الأثمان على الدول العربية والجماعات الإرهابية، مصدره مصانع الغرب، والطرفان يتوسّلان الغرب في الحصول عليه للشعور المشترك بحاجة النصر إليه، واستمرار تدفقه.
ومن هنا تكون إرادة طرفي الحرب داخل الأمَّة مرتهنة للإرادة الغربية.
فالتكييف الجديد للموقف الغربي من قضية الإرهاب والذي يأخذ صورة إعلانية علنية، وأخرى مخالفة لها على مستوى الباطن الذي لا يخفى والمنفضح في أكثر من موقف وأكثر من مناسبة والإمكانات الهائلة التي يتمتع بها الإرهاب تحقّق أكثر من غرض قذر من أغراض الغرب ومنها تمزيق هذه الأمة وإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في أبنائها وثروتها، وتفتيت وحدتها وتشويه دينها المنقذ العظيم، وديمومة النشاط والحيوية المربحة للصناعة الغربية، وهم يدفعون بهذه الحرب التي يضحّى فيها بأبناء أمتنا وثروتها خطر الإرهاب أن يصل إليهم. فماذا من ربح بعد ذلك كله؟!
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه لو أراد عاقل أن يصدق بجديّة أي نظام رسمي في محاربته للإرهاب، وأن المستهدف من مشاركته في الحرب المعلنة عليه تحت مظلة التحالف الذي شكلته أميركا هو القضاء على هذه الظاهرة لمنعه عقله من هذا التصديق.
يمنعه من ذلك في ظل ممارسة هذا النظام الاضطهاد لشعبه، ومحاربته لحريته، وسلبه لقمته، وإهداره كرامته وحقوقه ومنها حقّ الحياة من غير تفريق بين شيخ كبير وطفل صغير، ورجل أو امرأة.
ولكن لن يقف سير الأمَّة، وسير شعوبها إلى واقع جديد تتطلع إليه من كل قلبها، وتؤمن به أشد الإيمان وبضرورته البالغة... واقع جديد من الحرية الإنسانية الكريمة الهادفة الواعية المنضبطة، والانعتاق والكرامة والاستقلال، والتمتّع بسائر الحقوق.
وإذا كان السير إلى التغيير في حياة الأفراد يكلّف الكثير، وقد يطول، فإنّ ما يتطلّبه التغيير في حياة الأوطان والشعوب والأمم أصعب طريقاً وأطول مدى، وأشقّ سيراً، وليس من السهل أو القريب.
والصبر الإيجابي المبني على العقل والحكمة والتقدير الدقيق للظروف والملابسات، والمهتدي بهدي الدين الحقّ القويم هو مفتاح الفرج.
* فَقِيه وأكبر مرجعية شيعية في البحرين