كامل وزنة *
أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش في مؤتمر صحافي عقده قبل بضعة أيام أنه متأكد من أن فئات ضمن الحكومة الإيرانية قد زودت الميليشيات الشيعية في العراق عبوات أدت الى مقتل 170 جندياً من قوات التحالف وإصابة 620 آخرين منذ حزيران 2004. هذه الاتهامات جاءت في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة المواجهة مع طهران. وكانت «نيويورك تايمز» قد نقلت عن المفتش العام للبنتاغون أن وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد قد فبرك المعلومات الاستخبارية التي ربطت ما بين العراق وتنظيم القاعدة لتبرير ما سمته الحرب غير المبررة على العراق. وقد صيغ هذا التقرير بإشراف مساعد وزير الدفاع السابق دوغلاس فايث على رغم معارضة «سي. آي. إي.»، وأضافت «تايمز» أن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش كانت على علم بكل هذه الحقائق لكنها استمرت في تضليل الشعب الأميركي.
ولفتت افتتاحية «تايمز» التي صدرت في العاشر من شباط 2007 إلى أنه على الرغم من إصرار «سي. آي. إي» على عدم وجود أية معلومات استخبارية تؤكد وجود علاقة بين تنظيم القاعدة والعراق، إلا أن مستر فايث كان يراجع هذه التقارير ويأتي بالأجوبة التي يريدها نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني. ومن أبرز هذه المعلومات الخاطئة ما أشيع عن اجتماع عقد في براغ خلال شهر نيسان من عام 2001 بين مسؤولين عراقيين وأحد الانتحاريين الذين قادوا الطائرات خلال أحداث 11 أيلول، محمد عطا، وما زال تشيني مصّراً ومتأكداً من صحة هذه القصة. كل الدلائل تظهر أن الإدارة الأميركية تقوم بحملة إعلامية على مستوى الداخل الأميركي، حيث باتت الصحف والمجلات والتلفزيونات الاميركية تركّز على إظهار مدى الخطر الإيراني وتوغّله في حرب العراق ضد المصالح الأميركية، وكأن مشهد المحافظين الجدد الذين استخدموا أكذوبة أسلحة الدمار الشامل لشن الحرب على العراق يتكرر من جديد، وذلك عندما وقف وزير الخارجية آنذاك كولن باول ليعرض بالصوت والصورة امتلاك العراق هذه الأسلحة عام 2003 ثم يعتذر عنها لاحقاً في 2006 بحجة أنه ضُلِّل. فيما شكك عدد من الزعماء الديموقراطيين البارزين في مزاعم الحكومة الأميركية بأن إيران تزوّد المقاتلين العراقيين القذائف والعبوات المتفجرة، مثل رئيس لجنة الشؤون الخارجية كريستوفر دود الذي صرّح بأنه ينظر الى مزاعم الحكومة الأميركية في هذا الموضوع بالكثير من الشك، والسيناتور جون كاري الذي شكك في صدقية معلومات إدارة الرئيس بوش. كذلك صرّحت مرشحة الرئاسة الاميركية هيلاري كلينتون بأن على الرئيس أن يطلب الإذن للقيام بأي عملية عسكرية ضد إيران «لأنه لا يجب أن يكرر التاريخ نفسه». تأتي هذه التطورات في ظل قيام الإدارة الأميركية بهجوم سياسي وأمني كبير للضغط على إيران، فقد أعطى الرئيس بوش أوامر للجيش الأميركي بقتل أو اعتقال من سماهم «عملاء إيران» الذين يعملون مع الميليشيات الشيعية. بالإضافة الى ذلك، قرّر الرئيس بوش في الخريف الماضي القيام بعمليات سرية موجهة ضد النفوذ الإيراني في جنوب لبنان وشرق أفغانستان والأراضي الفلسطينية وداخل إيران نفسها، وفق ما نقلته صحف أميركية عن خطة وضعتها «سي. آي. إي» ووافق عليها الرئيس بوش. هذه الاستراتيجية الجديدة حسب مصادر أميركية رفيعة هدفها تصوير إيران على أنها دولة منتجة للإرهاب بدل أن تكون منتجة للنفط.
وكانت الولايات المتحدة من خلال سفارة سويسرا في طهران التي ترعى المصالح الأميركية نظراً إلى عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، قد حذرت الحكومة الإيرانية وطالبتها بوقف تزويد الميليشيات العراقية المعدات العسكرية والتكنولوجيا المتطورة. وقد ردّت إيران عبر سفيرها في الأمم المتحدة باتهام الإدارة الأميركية بأنها تريد استخدامها «كبش محرقة» لتبرير فشلها في العراق.
وحذر السفير الإيراني في الأمم المتحدة الرئيس بوش ودعاه الى التعلّم من أخطاء الماضي والابتعاد عن العناد والتوقف قليلاً عند نصائح الكونغرس والشعب الأميركي والمجتمع الدولي، وذكّره بقوله عندما كان مرشحاً عام 2000 «إذا كناّ دولة متغطرسة سيرفضوننا، وإذا كنا دولة متواضعة لكن قوية فسيرحبون بنا». وأكد مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي أن «الأعداء يجب أن يعرفوا أن أي هجوم على إيران سيؤدي الى رد من الجمهورية الإيرانية ضد المعتدي وضد مصالحه في العالم».
كل هذه التهديدات والتهديدات المقابلة تبقي منطقة الخليج معرضة لتسونامي قد يغرقها عبر إدخالها في حرب إقليمية كبيرة ومدمّرة، إذا لم يُبدأ بمفاوضات جدية لحل القضايا المصيرية في المنطقة، وإزالة المخاوف التي تسعى الإدارة الأميركية الى زرعها والتي يركّز فيها الرئيس بوش على إثارة الفتن الطائفية، وهذا ما يدعو الى:
أولاً: دعوة دول المنطقة الى التنبّه من المخاطر المحدقة بهم والتشاور بعضهم مع بعض لتوفير الأمن والاستقرار بعيداً من التدخلات الخارجية والضغوط الأجنبية، والتفكير في مصالحهم الاستراتيجية القريبة والبعيدة الأمد حتى يضمنوا استمرار التعايش الأخوي في المنطقة، وأن لا ينسوا أن استقبال الأساطيل والجيوش الأجنبية في موانئهم أسهل بكثير من إقناعها بالرحيل أو إرغامها على ذلك.
ثانياً: إرساء منظومة أمن إقليمية لمنطقة الخليج تشمل إيران من جهة والدول العربية من جهة أخرى يبقى أضمن وأقل كلفة من إقحام جيوش أجنبية لها مصالح في ضرب الجانبين بعضهما ببعض.
ثالثاً: يجب أن يبقى في أذهان من يفكر في توفير الغطاء لتدخّل أميركي ضد إيران أنه يخاطر بأن يضع منطقته في فوهة حرب باردة جديدة لأن الدب الروسي استفاق بعد سباته العميق وسيستعمل كل الوسائل لضمان مصالحه في المنطقة ومحيطها. وبالانتظار، من الذي سينتصر: صانعو الحياة أم مروّجو الموت؟
* خبير في الشؤون الأميركية