خضر عواركة *
لا يخفي الرئيس الأميركي جورج بوش انتماءه الديني إلى فرق الإنجيلية الصهيونية ذات الفكر التدميري، لا بل هو يفخر بكونه «ولداً من الله» بعدما عاش حياة الإدمان على الخمر والمخدرات والجنس بأنواعه الشاذة كافة.
جورج يصر على أنه يكلّم الله شخصياً ويستقي منه التعليمات اللازمة لإدارة السياسة الحاكمة في بلاده والعالم. وهو كما قال مراراً يقرأ الكتاب المقدس كل يوم ويتدارسه برفقة «مؤمنين» آخرين ثلاثاً في الأسبوع ولساعات متعددة.
من المعروف أن الرئيس بوش ينتمي إلى الكنيسة الميثودية وبالتحديد إلى معتنقي نظرية الألفية التي تستعجل نهاية الكون وتعتبر أن من شروط عودة المسيح الثانية إلى الأرض:
ــ إشاعة الفوضى والدمار.
ــ أنهار من الدماء في كل العالم.
ــ تزايد الكوارث الطبيعية وتكرارها وبوتيرة تفوق المعتاد.
ــ انتشار أوبئة وأمراض فتاكة وغير معروفة من قبل.
ــ هدم المكان المقدس للمسلمين في أورشاليم وبناء الهيكل اليهودي مكانه.
ــ سيطرة الوحش على العالم أجمع (تعبير عن شيطان الشر).
يلي كل ذلك ظهور المخلص في الغيم والبوق المنذر الأول الذي لن يسمعه إلا المؤمنون الحقيقيون (جماعة الألفية) الذين سيرتفعون مع المسيح في الغيم إلى السموات والنعيم، فيلبثون سبعاً ثم يعودون إلى الأرض على متن مركبة صنعها المسيح بيده وكأمراء لجنة أرضية اسمها «أورشاليم الذهبية السماوية» التي يحكمونها ألف عام بسلام وسعادة. ثم ينتهي العالم من دون أن يروا موتاً أبداً.
جورج بوش لا يخفي أنه يتدارس الإنجيل وفق تفسيرين لأعداده هما تفسير «جون نلسون داربي» وتفسير «سايروس سكوفيلد» المعتمدان من كنيسته التي يؤمن أعضاؤها بأن الله يعيش بعد توبتهم في صدورهم بالمادة والروح! فيكلمونه ويتلقون الأوامر منه في صلاتهم.
وهذا الاعتقاد بالنسبة إليهم ليس قولاً مجازياً ولا تشبيهاً معنوياً، بل هو في أساس إيمانهم ويصل الالتزام به إلى حد أن أعضاء الكنائس تلك مثل بوش تماماً لا يقومون بأي فعل في حياتهم إلا بعد استشارة الرب بالصلاة له وحين يسمعون صوته ناصحاً ومشيراً يبدأون القيام بما ينوون فعله.
استناداً إلى تفاسير الكتاب المقدس تلك فإن على المؤمن أن يعيش سفيراً للمسيح بين الناس في هذا العالم الذي يحكمه ملك العالم الشرير إبليس، وبالتالي فالفرق بينه وبين بقية الناس هو أنه بعد ولادته من الله له مهمات محددة مكلف بها من الله شخصياً وتتلخص في أمور عدة، منها:
ــ العمل على تجميع الشعب اليهودي، شعب الرب إلى الأزل، والمختارين كخاصة له في أرض فلسطين وإعادة مملكة يهوذا إلى عرشها.
ــ العمل على تقوية إسرائيل الدولة ودعمها بكل الطرق لأنها دولة خراف الرب وخاصته التي سيعود ليرعاها فإن لم تحضر الخراف فلن يحضر الراعي.
ــ شرط الإيمان الذي به يعدّ المسيحي سفيراً للرب هو العمل على هدم المكان المقدس للمسلمين وبناء هيكل الرب مكانه(1).
هذا الإيمان وهذه الشروط هي بعض أهم منطلقات الصهاينة المسيحيين في أميركا والعالم اليوم، ولهذا هم متعصّبون في دعمهم وتفانيهم لأجل إسرائيل.
بناء على تصريحات بوش المتعددة وبناء على تأكيدات قادة الكنائس المسيحية الصهيونية، يدعم هؤلاء الأخيرون الرئيس لأنه «رجل الله ورجل صلاة» (تعبير يعلن انتماءه لهم).
فالرئيس الأميركي الحالي ليس فقط من المؤمنين بفكر هدم الأقصى وإشاعة الحروب ونشر المجازر وإهراق الدماء شروطاً لا بد منها لإتمام واجباته الدينية، بل هو من أشد المتعصبين والعاملين بإخلاص شديد لهذا الفكر. وهو ما يفسر مخالفته لكل منطق في العراق وهروبه إلى الأمام بعكس الموجة الشعبية في بلده، مخالفاً تقارير خبراء على أهمية قصوى سياسياً ووطنياً كرئيسي لجنة هاملتون ــ بيكر. وبالتالي، علينا توقّع الأسوأ في موضوعين مطروحين حالياً أمام هذا المهووس الديني المتطرف، أولهما اعتباره هدم المسجد الأقصى مهمة إلهية عليه تحقيقها قبل رحيله من الحكم.
وثانيهما هو ضرب إيران مهما كان ذلك مضراً بالمصالح الأميركية ما دام يوافق رغبة الرب التي يقول قادة الكنائس تلك بأن العمل لمصلحة إسرائيل هو بالتحديد عمل في سبيل الرب نفسه ومن ينتقد إسرائيل بكلمة أو بعمل أو يتخاذل عن خدمتها لا يعتبره الرب مسيحياً على الإطلاق.
هذا هو جورج بوش الإرهابي ومعتنق الفكر الصهيوني صديق المعتدلين العرب، فهل من شروط الاعتدال هدم الأقصى والسكوت عن إشعال المنطقة بحرب على إيران؟
(1) مقررات مؤتمر قادة الصهيونية المسيحية في نياغارا التي استمرت 13 سنة في نهاية القرن التاسع عشر. وهي تعتبر دستور الحركة المسيحية الصهيونية في عالمنا الحاضر.

* كاتب لبناني مقيم في كندا