حسين عطوي *
استخدمت قوى السطلة، الرافضة لأي تغيير في المعادلة القائمة في السلطة السياسية، لعبة حافة الهاوية في مواجهة المعارضة، عندما اندفعت الأخيرة في خطوات تصعيدية كادت، لو استمرت، تؤدي إلى إطاحة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
وحافة الهاوية هنا تمثلت في إقدام ميليشيا السلطة على استخدام سلاح الفتنة والتهديد بإشعال الحرب الأهلية لمنع التغيير السلمي الديموقراطي، وبالتالي ردع المعارضة وإخافتها دفعاها إلى وقف تحركها وإرباكها، لأنها لا تريد الذهاب إلى الحرب الأهلية والفتنة، وهذه هي نقطة ضعفها وقوتها في آن.
وهذا فعلاً ما حصل في أعقاب إضراب الثلاثاء الشامل الذي نفذته المعارضة وتمكنت خلاله من إشعار فريق السلطة بأنه فاقد القدرة على مواصلة الحكم، لذلك اندفعت قواه الميليشيوية، المستنفرة، للنزول إلى الشارع والقيام بدور قمع المعارضين بالسلاح والعصي والسكاكين، ولم تتوان هذه الميليشيات عن استخدام رصاص القنص، في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني الماضي، ضد أنصار المعارضة من طلاب وأهالٍ في جامعة بيروت العربية ومحيطها وجنود الجيش اللبناني فسقط ثلاثة شهداء وعشرات الجرحى.
وقد عكس هذا التطور مدى خروج قوى السلطة على شرعية الدولة وضرب عرض الحائط بدور القوى الأمنية من جيش وقوى أمن، وأكثر من ذلك تجرؤها على إطلاق النار على الجيش الذي سقط منه ما يقارب 40 جريحاً.
إذا كانت المعارضة قد تجنبت استدراجها إلى منزلق الفتنة والحرب الأهلية، وأدركت الفخ المنصوب لها فسارعت الى ضبط عناصرها وجمهورها وممارسة عملية تعبئة مكثفة لتجنب حصول ردود افعال ثأرية من أهالي الشهداء والجرحى، إلا أن ذلك وضعها أمام تحدٍّ جديد لتصبح فيه أمام ثلاثة احتمالات لا رابع لهما:
الاحتمال الأول: الاستسلام للواقع القائم في البلاد، خوفاً من الفتنة والحرب الأهلية، وبالتالي انتظار المهل الدستورية (كما قال سمير جعجع) وما يعنيه ذلك من وقف لتحركها وإنهاء لاعتصامها، الأمر الذي يشكل هزيمة للمعارضة وانتصاراً لقوى السلطة، التي سوف تعمل خلال هذه الفترة الزمنية على محاولة الاستفادة من ذلك من أجل فرض وقائع جديدة في صالحها، وصولاً إلى الاستحقاق الرئاسي الذي تريد فيه الإتيان برئيس جديد من خطها السياسي نفسه.
الاحتمال الثاني: مواصلة التحرك السلمي الديموقراطي عبر الشارع، لكن ذلك يحمل مخاطر بعد أن أشهرت ميليشيا السلطة السلاح في مواجهته، لهذا فإن إصرار المعارضة على السلطة قرر حماية امتيازاته ومواقع نفوذه الميليشيوية والفتنة.
الاحتمال الثالث: أن تحسم قيادة المعارضة أمرها وتقرر حسم الصراع بالأفق الوطني الذي تطرحه، والذي يحول دون إطالة الحال القائمة من جهة، يمنع الانزلاق إلى فخ الفتنة والحرب الأهلية من جهة ثانية، وهذا الحسم يعني إسقاط الحكومة عبر عصيان مدني ينتهي سريعاً بتسليم السلطة لحكومة انتقالية تعد لانتخابات مبكرة تعيد إنتاج المؤسسات من جديد على قواعد ديموقراطية راسخة. والواضح أن أفضل الاحتمالات بالنسبة إلى المعارضة هو الحسم، إذا كان أفق التسوية التي تحقق أهدافها على مراحل مسدوداً بالكامل، وخاصة إذا كانت موازين القوى والمعطيات كلها حالياً تميل لمصلحتها، إذ إن الاحتمال الأول يعني فشلها واستسلامها، أما الثاني فإنه فضلاً عن كونه قد يقود إلى الحرب الأهلية، فإنه يعطي فرصة لقوى السلطة لالتقاط الأنفاس واستعادة حضورها من خلال التشكيك بقدرة المعارضة على تحقيق مطالبها واستخدام سلاح التوتير ضد تحركها السلمي، للوصول إلى وضع مشابه لما حصل في الطريق الجديدة، يقضي بإخلاء الساحات ونشر الجيش والقوى الأمنية فيهما للحؤول دون اندفاع الأمور نحو الحرب الأهلية.
من هنا فإن الأزمة في لبنان دخلت مرحلة نوعية، وبات معها تحرك المعارضة على مفترق طرق، فالمعارضة لا تستطيع عبر التحرك السلمي تحقيق أهدافها، ولا تستطيع بالمقابل التراجع، لأن في ذلك سقوطها ومقتلها، لهذا هي مطالبة باتخاذ خطوة ثورية راديكالية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ويتوقف على هذه الخطوة مستقبل إعادة إنتاج النظام اللبناني لأول مرة على أسس وطنية حقيقية بعيداً عن التدخلات الأجنبية التي كانت في أساس نشأة نظام الحكم في لبنان وإذكاء الصراعات فيه كلما هبت العواصف على المنطقة واندلعت الأزمات والحروب، بفعل تدخلات الدول الاستعمارية التي تقف اليوم وراء اندلاع الأزمة في لبنان، منذ عملها على إصدار القرار 1559، واغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، ومن ثم تنفيذ العدوان الإسرائيلي في تموز وآب الماضيين.
ولا شك في أن المشروع الأميركي الإسرائيلي يتوسل اليوم تحقيق أهدافه عبر تفجير الفتن والحروب الأهلية في لبنان وفلسطين والعراق، بعد أن عجزت قواه العسكرية عن تحقيق أهدافه، لهذا فإن ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن أن العدوان الإسرائيلي يتواصل هذه الأيام عبر محاولة إشعال الفتنة في لبنان كلام صحيح مئة في المئة.
بالتالي، إن إسقاط الفتنة، وإنقاذ لبنان من الوقوع في شرور الحرب الأهلية من جديد، يستدعي من المعارضة الذهاب إلى خيار حسم الصراع الذي بات السبيل الوحيد للخروج من الأزمة وإسقاط مخطط الفتنة.
فهل تقدم المعارضة على هذه الخطوة التاريخية؟
هذا هو التحدي الذي يواجه قيادتها، وهذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.
* كاتب لبناني