أمل سعد *
وضع قرار مجلس الأمن رقم 1701 الصادر في 11 أغسطس/آب 2006 حداً للأعمال الحربية بين إسرائيل ولبنان، وأدّى إلى نشر آلاف العناصر من الجيش اللبناني وقوّات اليونيفيل جنوب نهر الليطاني للحفاظ على وقف إطلاق النار الهشّ. كما دعا القرار الحكومة إلى وقف تدفّق الأسلحة التي لا «توافق» عليها ـــ بعبارة أخرى، تدفّق الأسلحة إلى «حزب الله» ـــ غير أنّ القرار 1701 لم يمنح قوّات اليونيفيل صلاحيّة نزع سلاح «حزب الله»، ولم تكلّف الحكومة اللبنانية الجيش بتلك المهمّة. النتيجة هي حالة عسكرية انتقالية لم يتمّ فيها نزع سلاح «حزب الله» بل عُطِّل بحيث لم تعد الحكومة تسمح بأيّة «مظاهر مسلَّحة مرئية». وهكذا يحتفظ «حزب الله» بمخابئ أسلحته. يرى الحزب أنّ هذا التدبير مقبول، ويثني على نفسه لنجاحه في رفض مسوّدتين أخريين لقرار مجلس الأمن 1701، مثيرتين للاعتراض. يقول نعيم قاسم (نائب الأمين العام في الحزب) متباهياً «وافقنا على أن تكون الأمور على هذا النحو، ولو لم نفعل لما استطاعت قوّات اليونيفيل الانتشار». ويزعم «حزب الله» أنّ القرار لم يغيّر الكثير من الوقائع على الأرض. لم يكن سلاحه «يوماً للاستعراض». التغيير الجوهري الوحيد كان إزالة مراكز المراقبة العامّة التي كان يملكها على الحدود مع إسرائيل، لكن «لم يكن لها أية قيمة عسكرية أو استطلاعية، كانت هناك للاستعراض العام وحسب»، كما يقول نواف الموسوي (مسؤول العلاقات الدولية في الحزب).
وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب غير مهمّ أيضاً، بحسب نبيل قاووق (مسؤول الحزب في منطقة الجنوب) الذي يقول «كان الجيش اللبناني موجوداً [دائماً] جنوب الليطاني وعلى الحدود. ألم يكن للجيش حواجز في منطقة الليطاني؟ ألم يكن موجوداً في صور؟ ما حصل كان تعزيزاً كبيراً للجيش»، تماماً كما هي الحال مع زيادة عدد اليونيفيل. وأكثر من ذلك، يقول «حزب الله» إنّ هذه القوّات الأجنبية تعمل تحت سلطة الجيش اللبناني الذي هو غير مخوَّل، في رأي حسن نصر الله (أمين عام حزب الله)، نزع سلاح الحزب أو «التجسّس عليه» أو «مداهمة أماكن ربّما تخبّئ فيها المقاومة أسلحتها»، بل يمكنه فقط مصادرة أيّ أسلحة قد يقع عليها صدفة. تعزى هذه الثقة بالجيش اللبناني إلى تاريخ التعاون والتنسيق بينه وبين المقاومة وغياب أيّ صدامات بينهما منذ انتهاء الحرب. وتعزّزها أيضاً نيّة قيادة الجيش المعلَنة «الانتشار جنباً إلى جنب مع مقاومتنا» (17 أغسطس/ آب) و»الإفادة من الإمكانات الوطنية للسكّان [سكان الجنوب] بما في ذلك المقاومة» في حال حدوث هجوم إسرائيلي (11 أكتوبر/ تشرين الأول).
في نظر مسؤولي «حزب الله»، لا يعرقل القرار 1701 المقاومة ولا يحدّ من الحاجة إليها. في سبتمبر/ أيلول، أكّد نصر الله أنّ «المقاومة موجودة جنوب نهر الليطاني وفي كلّ جنوب لبنان... نحن أصحاب الأرض. ولا يستطيع أحد منعنا من التواجد في أرضنا أو من الدفاع عنها... ». يعتبر السيد حسن نصر الله أنّه لا غنى عن «حزب الله» للحفاظ على أمن لبنان، معلناً «أيستطيع الجيش اللبناني، في وضعه وإمكاناته الحالية، أن يخوض حرباً لو فُرِضت الحرب على لبنان؟ هل ستقف قوّات الطوارئ الدولية، لو عُزِّزت بعشرة آلاف أو عشرين ألفاً أو خمسين ألفاً، للدفاع عن لبنان وحمايته عندما تعتدي إسرائيل عليه؟ هذا غير مطروح». موقف «حزب الله» هو نتيجة النصر الذي يعتبر أنّه حقّقه على إسرائيل الصيف الفائت. يقرّ نواف الموسوي أنّه صحيح أنّ ثمن النصر كان خسائر كبيرة في الأرواح، لكن نسبياً كانت الخسائر منخفضة، وبأيّ حال لا تمنع الخسائر النصر، فهو يقول إنّ الحلفاء خسروا مئة ألف شخص في النورماندي، والفيتكونغ ثلاثة ملايين في فيتنام، ومع ذلك انتصروا.
الصيف الفائت، انتصر «حزب الله» عبر منع إسرائيل من تحقيق أهدافها ـــ فشلت إسرائيل في إلغاء «حزب الله» أو دفعه إلى ما وراء نهر الليطاني أو وقف هجماته الصاروخية أو الحصول على الإفراج عن الجنديين الإسرائيليين الأسيرين، وهذا دليل على النصر. أن يكون «العالم بأسره قد وقف إلى جانب إسرائيل من أجل تحقيق أهدافها» و«يبقى حزب الله صامداً» في وجه هذه الحملة العالمية ضدّه، يزيد من قيمة النصر في رأي قاسم. يقول مسؤولو «حزب الله» إنّ إسرائيل أُرغِمت على الاعتراف بفشلها، مشيرين إلى أنّها «أقرّت بفشلها [العسكري] وحقّقت فيه، وأعادت النظر في عقيدتها القتالية وتكتيكاتها وتشكيلاتها».
تبرّئ نتيجة حرب يوليو/ تموز، بحسب «حزب الله»، منطق المقاومة وتظهر فاعليّة حربها العسكرية غير التقليدية، ليس فقط في «تحرير الأرض من خلال حرب طويلة» كما قال نصر الله في مقابلة معه في سبتمبر/ أيلول، إنّما أيضاً في «الصمود في وجه الغزو والحيلولة دون احتلال البلاد أو سقوطها في يد العدو الإسرائيلي». يشرح علي فياض (مسؤول مركز الدراسات في الحزب) أنّ إسرائيل هاجمت لبنان بالفعل، لكنّنا «لم نقل يوماً إنّ إسرائيل لا تستطيع مهاجمة لبنان، قلنا إنّه إذا شنّت إسرائيل هجوماً فسوف تدفع الثمن». إثباتاً على هذا التهديد المستمرّ، يذكر قاسم انتهاكات إسرائيل الكثيرة لوقف إطلاق النار في الأشهر التي تلت وقف الأعمال الحربية، ويعتبر أنّه مبرِّر كافٍ لحاجة «حزب الله» إلى البقاء في حالة جهوزية عسكرية دائمة.
نظراً إلى التهديد المستمرّ من إسرائيل، سعى «حزب الله» جاهداً كي لا يتأثّر مخزونه من السلاح بالحظر الذي فُرِض براً وجواً وبحراً. في خطاب «مهرجان النصر»، أعلن نصر الله بتحدٍّ: «خلال أيام قليلة، وهي خارجة من حرب ضروس، استعادت المقاومة كامل بنيتها العسكرية والتنظيمية والتسليحية»، ملمّحاً إلى أنّ «حزب الله» استطاع بطريقة ما أن يتسلّح من جديد مباشرة بعد الحرب. يثبّت الموسوي هذه النظرة جزئياً في مقابلة معه عندما يقول لأبناء وطنه اللبنانيين «تخيّلوا ما الذي كان ليحلّ بنا لو لم يكن لدينا جارة مثل الشقيقة سوريا [لمساعدتنا] أثناء القصف الإسرائيلي»، وهو ما يعني أنّ الحزب استطاع أن يحصل على السلاح أثناء الحرب.
وأضاف نصر الله في خطاب «مهرجان النصر»: «وأنا أقول لهم: حاصِروا وأقفلوا الحدود والبحر والسماء. إنّ هذا لن يضعف شيئاً لا من إرادة المقاومة ولا من سلاح المقاومة... ما قدّمناه في الحرب هو جزء بسيط من قدراتنا». لدى «حزب الله» رغبة شديدة في أن يُظهر أنّ حظر السلاح الذي فرضه القرار 1701 لم يؤثّر فيه ولم يقيّده، وذلك خشية أن يفقد قدرة الردع. فقد أعلن نصر الله «قلت مرّة إنّ لدينا أكثر من 12 ألف صاروخ. لست أكذب، لا يحقّ لي أن أكذب، لكن في الوقت نفسه أعرف كيف أخوض حرباً نفسية... قد يكون عدد الصواريخ 13 ألفاً أو 20 ألفاً أو 50 ألفاً، وكلّ هذه الأرقام أكبر من 12 ألفاً، لكنّني لن أكشف العدد». أمّا بالنسبة إلى الهدف الذي ستُستعمَل من أجله هذه الأسلحة، فيصرّ نصر الله على أنّ الحزب «سيحتفظ [بسلاحه] تماماً كما احتفظ به بين عامَي 1996 و2006 ولن يستعمله إلا في حال وقوع عدوان عسكري واسع على لبنان».
على الرغم من أنّ «حزب الله» يصف قرار مجلس الأمن 1701 بأنّه مزعج أكثر منه عائق حقيقي أمام المقاومة، يعترض بشدّة على نشر قوّات اليونيفيل في كلّ لبنان، لا في الجنوب فقط.
يؤكّد مسؤولو «حزب الله» أنّ الحكومة ذهبت أبعد «ممّا يطلبه الأميركيون والإسرائيليون من لبنان». بحسب قاووق «وافق مجلس الأمن والولايات المتّحدة وإسرائيل على نشر اليونيفيل من دون اشتراط نزع سلاح «حزب الله»، في حين أنّ قوى 14 مارس/ آذار في الحكومة وضعت هذه المسألة على جدول أعمال مجلس الوزراء قبل نشر الجيش اللبناني. طلبوا من قائد الجيش تنفيذ هذا الأمر، لكنّه كان أكثر حكمة منهم، وقال لهم إنّه يؤدّي إلى حرب أهليّة». يعتبر «حزب الله» أنّ الحكومة أرادت أن يتمّ نشر اليونيفيل بموجب الفصل السابع. ويشرح قاووق «فشلت هذه الخطّة بسبب فشل الجيش الإسرائيلي. لو فازت إسرائيل عسكرياً، لأصبح لبنان محتلاً من قوة دولية بموجب الفصل السابع. كانوا ينتظرون انهيار «حزب الله» عسكرياً، ثم تنتشر القوات الدولية بموجب الفصل السابع لنزع سلاح المقاومة. كنّا نعتبرها عندئذٍ قوّات احتلال والحكومة حكومة احتلال، لأنّ قوّات الاحتلال هذه كانت ستعمل تحت سلطة هذه الحكومة».
على الرغم من أنّ اليونيفيل تعمل بموجب تفويض خاضع للفصل السادس ولا يخوّلها الاضطلاع بمهمّتها عسكرياً، لا يزال «حزب الله» يتشكّك، على لسان نصر الله، بأنّ «خطط الحكومة لم تتغيّر: تحويل اليونيفيل قوّة دولية تعمل بموجب الفصل السابع وتحتلّ لبنان وتسيطر عليه تحت قناع مساعدته وإنقاذه من أزماته». وتزيد من حدّة هذه المخاوف الدعوات التي يطلقها قياديّو 14 مارس/ آذار، مثل وليد جنبلاط لتكليف اليونيفيل تطبيق اتّفاق الطائف، وهو تعبير ملطَّف يُقصَد به نزع سلاح «حزب الله»، بحسب الحزب. ويحذّر قاووق الحكومة من «دفع اليونيفيل إلى منزلقات السياسة اللبنانية الداخلية، وتحويلها فاعلاً داخلياً يدعم فريقاً ضدّ آخر».
لقد أوضحت اليونيفيل أنّها لن تنزع سلاح «حزب الله» بالقوّة، لكنّ الحلف يعتبر أنّ الحكومة ما زالت مصمّمة على السعي للحصول على مساعدة خارجية أكبر من أجل تنفيذ أهدافها. طلبت من قوّات اليونيفيل مساعدتها على فرض حظر السلاح على «حزب الله» من خلال مراقبة مطار بيروت والقيام بدوريّات في المياه اللبنانية. أرادت من قوّات اليونيفيل أن تقوم بدوريّات عند الحدود مع سوريا من أجل وقف أيّ تدفّق للأسلحة، ولم ترفض خطّة فرنسية لاستبدال الطلعات الجوية التي تقوم بها إسرائيل في لبنان بـ«مظلّة جوية» فرنسية. بالنسبة إلى الموسوي، الأكثرية الحاكمة «تريد أن يُستعمَر البلد. تريد أن تعطي المجال الجوّي للفرنسيين والبحر للألمان». وبالمنطق عينه، يقول قاووق: «ما معنى نشر قوّات بحرية دولية على الساحل اللبناني، وهو أمر لم تطلبه إسرائيل وغير وارد في القرار 1701؟ هذه مكافأة للعدو على حساب السيادة الوطنية... حاولوا نشر قوّات دولية على الحدود مع سوريا وفي المطار». نتيجةً لذلك، أحد الأهداف الأساسية وراء سعي «حزب الله» للحصول على سلطة سياسية أكبر هو منع الحكومة من توسيع نطاق مهمّة اليونيفيل.
بحسب «حزب الله»، لطالما كانت للمقاومة وظائف متعدّدة ولا سيّما التحرير والدفاع والردع. لا يغيّر الوضع الجديد الحاجة إلى أداء كلّ هذه الوظائف ولا إمكان أدائها، لكنّه أرغم «حزب الله» على إعادة موازنة أولويّاته عبر وضع الدفاع قبل التحرير.
لم يتغيّر هدف المقاومة الأساسي واستراتيجيّتها الرئيسية ـــ الدفاع عن لبنان ضدّ العدوان الإسرائيلي ـــ لكنّ التكتيكات تغيّرت، بحسب قاسم الذي يتابع «ليس هدفنا شنّ حرب تقليدية ولا الحفاظ على مواقع أو حمل أسلحة من أجل الاستعراض العام. هدفنا هو امتلاك القدرة على الدفاع في حال حدوث عدوان». لا يقتصر «العدوان» بالنسبة إلى «حزب الله» على هجوم إسرائيلي واسع النطاق، بل يشير أيضاً إلى احتلال إسرائيل المستمرّ لمزارع شبعا وأسرها لسجناء سياسيين لبنانيين (وقد أسر «حزب الله» جنديَّين إسرائيليين في يوليو/ تموز الماضي من أجل الحصول على الإفراج عنهم)، والانتهاكات المستمرّة للسيادة اللبنانية. بحسب «حزب الله»، تشمل هذه الانتهاكات خطف مواطنين لبنانيين والإنزالات الجوّية والهجمات على القرى وانتهاك المجال الجوّي اللبناني على الرغم من وقف الأعمال الحربية. يقول علي فيّاض «ما دامت هذه المسائل عالقة، نحتفظ بحقّ الدفاع عن أنفسنا».
يقرّ «حزب الله» أنّ للجيش اللبناني الدور الأساسي في الدفاع عن لبنان وأنّ دور الحزب هو الدعم والمساندة. لكنّه ما زال يحتفظ لنفسه بـ«حقّ» الدفاع عن النفس. ولن يتخلّى عن دوره الدفاعي إلا عندما تصبح الدولة مستعدّة «للاضطلاع بمسؤوليّاتها». «عندما تتخلّى الدولة عن مسؤوليّتها، تصبح مسؤولية المقاومة عندئذٍ أن تتولّى هذا الأمر». لا يتأثّر نصر الله بتصميم الحكومة السياسي. ويتّهمها بعدم اتّخاذ موقف صارم من الخروق الإسرائيلية الكثيرة للسيادة اللبنانية، «ما حوّل الجيش اللبناني وحدة مسؤولة عن عدّ الشكاوى وتسجيل الانتهاكات» بدلاً من «الدفاع عن البلاد وحماية مواطنيها... كونوا على ثقة من أنّنا لن نصبر طويلاً. إذا أخفقت الدولة والحكومة في تولّي مسؤوليّاتهما... فسيأخذ الشعب اللبناني هذه المسؤولية على عاتقه كما يفعل منذ عام 1982». ويؤكّد الموسوي «المواطنون العاديون المسلّحون بسكاكين المطبخ لن ينتظروا كوفي أنان إذا دخل معتدٍ ديارهم».
وظيفة التحرير معلَّقة...
يشير قاسم إلى أنّ تأدية دور دفاعي ليس بالأمر الجديد بالنسبة إلى «حزب الله»: «لطالما كان «حزب الله» مقيّداً» بالتطوّرات السياسية والعسكرية. كان المسار الذي يتّبعه الحزب يُحدَّد دائماً بحسب التفاعل بين نشاطه المسلَّح والعناصر الخارجية: «كانت لدينا ثلاث مراحل من الدفاع. قبل عام 2000، [عندما كانت إسرائيل تحتلّ جنوب لبنان]، كنّا نقوم بعمليّات يومية ضدّ إسرائيل، ثم بين عامَي 2000 و2006، كنّا نقوم بعمليات «للتذكير» في مزارع شبعا... والآن بلغنا مرحلة ثالثة مختلفة عن المراحل الأولى. ينبغي علينا الآن أن نجد طرقاً للحفاظ على جهوزيتنا. في المراحل الثلاث، نعتبر أنفسنا مقاومة. عادةً تتكيّف المقاومة مع الظروف، لكن يبقى الهدف هو هو». ولمّح قاسم إلى أنّ «حزب الله» سيعلّق الآن عمليّات «التذكير» الهادفة إلى تحرير مزارع شبعا. يقول نصر الله «نحن خارجون الآن من حرب، ولسنا مستعجلين للقيام بعمليات في مزارع شبعا». غير أنّ الحزب يعتبر أنّ المبادرات الدبلوماسية حول المسألة والمنصوص عليها في القرار 1701 عديمة النفع. يسأل الموسوي «فليقل شعبنا والعالم بأسره إنّنا أعطينا [المبادرات الدبلوماسية] فرصة... هل يحتاجون إلى مئة عام لحلّها دبلوماسياً؟» تحرير مزارع شبعا «حقّ وواجب» لن يتخلّى الحزب عنهما و«سيُستأنَف عندما يعجز المجتمع الدولي والدبلوماسية الدولية عن تحرير المزارع»، كما يقول قاووق.
وعلى الرغم من أنّ «حزب الله» انتقل إلى دور يقوم أكثر على الدفاع، وعلّق مهمّة التحرير موقتاً، فهو لا ينوي التخلّي عن سلاحه. لم تحرّر الحكومة اللبنانية قط أراضيها. ولم تردّ الحكومة الحالية على الانتهاكات الإسرائيلية، لذلك لا يحقّ لها دعوة المقاومة إلى التخلّي عن سلاحها. يسأل نصر الله «هؤلاء العظماء، هل جاؤوا ومعهم أرض مزارع شبعا وسيتمكّن أصحاب هذه الأراضي من العودة إليها؟ هل جاؤوا يطلبون منّا تسليم سلاحنا ومعهم الأسرى في الجنوب؟ هل جاؤوا ومعهم ضمانات حقيقية بحماية لبنان من العدوّ الإسرائيلي الذي ما زال يهدّد؟ من الذي يدافع عن هذا البلد؟ من الذي يلقّن إسرائيل درساً؟».
يعتبر «حزب الله» أنّه حتّى لو حُرِّرت كلّ الأراضي التي تحتلّها إسرائيل وأُفرِج عن كلّ الأسرى، ستبقى إسرائيل تشكّل تهديداً خطيراً على أمن لبنان. يقول قاسم «ما دامت إسرائيل باقية على عدوانيّتها في المنطقة، فيجب أن نخشى العدوان [على لبنان]. سيبقى هذا السلاح إذاً للتصدّي لأيّ عدوان ومواجهته». ستكون أية محاولة لنزع سلاح «حزب الله» بالقوّة عقيمة. بحسب نصر الله، المقاومة أقوى الآن من أيّ وقت آخر منذ عام 1982. الشرط الوحيد الذي يمكن أن يجعل «حزب الله» يتخلّى عن دوره الرادع وبالتالي عن سلاحه هو إرساء «دولة قويّة وقادرة تطمئن شعبها وتحميه... وتحمي أرزاقه ومياهه وكرامته». ليست المقاومة سبب ضعف الدولة إنّما نتيجته. وإلى أن تعالج أسباب الغياب الفعلي للدولة، سيحتفظ «حزب الله» بسلاحه.
* باحثة في مركز كارنغي