مهدي شحادة *
يتقلص هامش المناورة أمام كل الأطراف التي تدير الملف النووي الإيراني من طهران إلى واشنطن، مروراً بفيينا (مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية) ووصولاً إلى بروكسل حيث أشرف الاتحاد الأوروبي رسمياً حتى الآن على إدارة جانب حيوي من المفاوضات الدولية مع إيران.
وفيما لم يتغير الخطاب الرسمي الإيراني مع حلول موعد إفصاح الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن تقريرها الجديد الذي سيحدد مدى تعاون أو تقاعس إيران معها، فإن الولايات المتحدة بدأت تمارس ضغوطاً فعلية على الدول الأوروبية لجرّها ولو تدريجاً إلى القبول بإغلاق نافذة الحوار مع طهران، والبدء بالتفكير الجدي في ملاحقة الملف النووي الإيراني على مراحل محددة وواضحة.
وعلى رغم تكتّم المسؤولين الأوروبيين والأميركيين، كرّس مستشار الأمن القومي الأميركي ستيف هادلي جانباً كبيراً من محادثاته نهار الأربعاء (21/2/2007) في بروكسل مع المسؤولين الأوروبيين ومسؤولي حلف الناتو لتبادل وجهات النظر في شأن الخطوات المقبلة الواجب اتخاذها تجاه طهران.
والتقى ستيف هادلي مع الأمين العام للناتو ياب ديهوب سخفير وأجرى لقاء مطولاً مع منسق السياسة الخارجية الأوروبية خافيير سولانا بعد أيام قليلة من فشل آخر لقاء بين سولانا وكبير المفاوضين الإيرانيين علي لاريجاني يوم 10 شباط الماضي في ميونيخ.
ولا يحمل الدبلوماسيون الأوروبيون أية آمال تذكر في المرحلة الحالية بشأن فرص ثني إيران عن موقفها.
وتأخذ الأزمة النووية الإيرانية أبعاداً جديدة بعدما برّرت واشنطن رسمياً لحلفائها الأوروبيين خططها في نشر عناصر نظام صاروخي متطور في بولندا ومحطة للإنذار المبكر في جمهورية التشيك، بما يندرج ضمن استراتيجية اعتراض الصواريخ الإيرانية.
إن واشنطن وفي السياق نفسه زادت من حجم انتشارها العسكري في بحر عمان خلال الأيام القليلة الماضية وأوفدت حاملة طائرات إضافية الى المنطقة (يو إس إس ستنيس) التي تضاف الى (يو إس إس آيزنهاور)، وذلك في سعي لتأكيد جدية موقفها تجاه المسألة النووية الإيرانية وتجاه المستجدات المحتملة في المنطقة.
ويعتبر خبراء عسكريون أن قيام واشنطن باستبدال الجنرال جون أبي زيد قائد القوات الأميركية في المنطقة بالأميرال فاليون، يعود للمهارة الميدانية الفعلية لهذا الأخير وتجربته في خوض معارك على أرض الميدان وسيطرته على التقنية العسكرية الحديثة، ما يعطي بعض المؤشرات إلى ما قد تركن إليه الولايات المتحدة.
وتقول التقارير الدبلوماسية الأوروبية إن إيران أيضاً زادت من حجم استعدادها العسكري قبالة مضيق هرمز منذ بداية شهر شباط.
وعلى رغم أن مجمل الأوساط المتابعة للتطورات الإيرانية ــ الأوروبية ــ الأميركية تستبعد في المرحلة الحالية أي احتكاك عسكري بين الطرفين، يبدو أن رفع حجم التوتر يندرج ضمن استراتيجية مبيّتة من جانب الإدارة الأميركية تهدف إلى تحقيق عدد محدد من الأهداف، أهمها تشديد الضغوط على الأوروبيين ليزيدوا من تضييق الخناق مالياً وتجارياً على إيران والاستمرار في النهج عينه الذي حدده وزراء الخارجية الأوروبيون يوم 12 تشرين الثاني الماضي، أي التطبيق الفعلي لتوصيات القرار الدولي الرقم 1737 الصادر في كانون الأول الماضي ضد إيران.
ويشهد الاتحاد الأوروبي انقسامات نسبية بين دوله في شأن أفضل السبل في التعامل مع إيران حالياً.
وفيما سعت فرنسا بمبادرة شخصية من الرئيس جاك شيراك منذ بداية العام الحالي الى فتح نافذة حوار مع إيران بسبب ارتباط الدور الإيراني بالانتشار العسكري الفرنسي في لبنان، تعمل الدول المؤيدة للولايات المتحدة على تقليص هوة المناورة الإيرانية داخل أوروبا، وإذا ما اقتضى الأمر تضييق الخناق التجاري ضد طهران بشكل ملموس.
وتبدو الدول الأوروبية مفتقرة الى رسم صورة تعامل واضحة في هذه الحالة، إذ ان فرنسا لم تعد تؤدي دوراً يذكر بسبب انشغالها في حملة الانتخابات الرئاسية التي يبدو فيها ان الرئيس شيراك هو الناخب الأضعف.
ولكن بعض الدول الأوروبية مثل بلجيكا التي أوفدت وزيرها للشؤون الخارجية كارل ديغوت الثلاثاء الماضي (20/2/2007) بشكل سري للقاء علي لاريجاني كبير المفاوضين الإيرانيين في فيينا، وكذلك السويد والنمسا وإسبانيا وإيطاليا، تدعو الى التمهل وعدم تبنّي استراتيجية قصيرة المدى.
وهناك خشية فعلية لدى الأوروبيين من وجود ما يسمونه فراغاً استراتيجياً فعلياً لدى الإدارة الأميركية الساعية الى جر الانتباه نحو مسائل إقليمية إضافية في الشرق الأوسط والخليج، فيما الوضع العراقي والملف الفلسطيني يواجهان حالات صعبة.
وكان مكتب منسق السياسة الخارجية الأوروبية خافيير سولانا الذي أدار حتى الآن المفاوضات والاتصالات مع إيران، قد سرّب على هامش الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية الأوروبيين في بروكسل تقريراً توقّع فيه (من دون تقديم أية أدلة) أن تكون إيران قد أصبحت قادرة على السيطرة على التقنية النووية العسكرية عبر التحكم في آلية تخصيب اليورانيوم.
وبيّن التقرير الذي تضاربت الآراء في شأن الهدف الكامن وراءه أن إيران تشعر بتنامي قوتها وقدرتها وأنها لا تواجه أية قوة عسكرية إقليمية جدية وأن قلقها الأول على الصعيد الأمني هو احتمال التعرض لضربة أميركية.
ويقول التقرير إن إيران تخلّصت بغياب صدام حسين من خصمها القوي في المنطقة.
وفي مؤشر مزدوج التوجه يقول التقرير الذي أشرف على صيغته خافيير سولانا إن أي عقوبات دولية ضد إيران لن تكون مجدية، وهي توصية يمكن فهمها بمثابة دعم للقوى الداعية لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، ويمكن تفسيرها أيضاً أنها محاولة لجر الأوروبيين الى مزيد من المفاوضات مع طهران.
ويتقاسم الدبلوماسيون الأوروبيون في الغالب حالياً مخاوف الدول العربية التي تعتبر ان أي تقليص للقدرات العسكرية ومصادر التهديدات الإيرانية سيكون أمراً إيجابياً لكنه سيحمل أيضاً بذور زعزعة إقليمية في الوقت نفسه.
ولا يوجد أي شك لدى العسكريين الأطلسيين والأوروبيين في قدرة القوات الأميركية على توجيه ضربة موجعة لإيران في عدة مواقع وأهداف، حيث ان إيران لا يمكنها حسب أحد الخبراء الرد على استراتيجية الضربة العمودية التي ستدمر منشآتها، ولكنها ستكون قادرة على الرد بشكل أفقي أي توسيع رقعة النزاع جغرافياً، أي من الخليج... الى لبنان.
* مدير مركز الدراسات العربي ــ الأوروبي