عدنان عرقجي*
بعد سنتين ونيف على جريمة اغتيال الرئيس الشيهد رفيق الحريري ورفاقه، ثمة أسئلة عديدة تطرح أمام التطورات الخطيرة التي يمر بها وطننا، ولعل أبرز هذه التطورات هو العدوان الواسع الذي شنه العدو الصهيوني على بلدنا في شهري تموز وآب 2006، وما رافقه وتبعه من استهدافات للمقاومة والوحدة الوطنية اللبنانية، عجز العدو خلالها عن تحقيق أي من أهدافه، في مقابل الانتصار الكبير وغير المسبوق الذي حققته المقاومة في هذه المواجهة الضارية.
وهنا نستحضر الشهيد الكبير الرئيس رفيق الحريري، حين استطاع ان يشكل بالفعل مقاومة سياسية حقيقية فاعلة ومؤثرة إبان العدو الصهيوني في ربيع عام 1996، فتكاملت هذه المقاومة السياسية مع المقاومة البطولية للعدوان، محبطة كل أهدافه، ما أعطى الرئيس الشهيد سلاحاً حاسماً في إنجاز تفاهم نيسان الذي اعترف بشرعية المقاومة وسلاحها، ولعل هنا يصبح ضرورياً السؤال عما كان سيكون عليه الأمر لو كان الرئيس الحريري ما زال حياً، وكيف كان سيواجه هذا العدوان العالمي الواسع النطاق على الوطن الصغير؟
قد يكون الجواب عن هذا السؤال بعض ما نعيشه الآن من أزمات وتخبّط سياسي، حيث الانقسام الداخلي بلغ ذروته، والأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على أشدها، بشكل يبدو واضحاً ان كل المحاولات الجارية هي لتدفيع لبنان وشعبه بالسياسة ثمن صموده ومواجهته للعدوان الاسرائيلي، وأخذ ما عُجز عن أخذه بأسنّة الحراب، حتى ليبدو الأمر أيضاً وكأنه اقتصاص من السلوك الفاعل والمبادرات الخلاقة للرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أرسى تفاهم نيسان، ويتضح هنا الفارق الكبير بين سلوكين ونهجين سياسيين رسميين، فالرئيس الحريري لم يتبرّأ من المقاومة وعملها في عدوان 1996، فيما النهج الرسمي الآن، وفي عز العدوان في تموز، كان إعلان التبرؤ من حق المقاومة في عملها ونهجها لإجهاضها، وخصوصاً لجهة أسرها جنديين صهيونيين.
وهنا يحضر بقوة سؤال ثانٍ عن سر هذا الانقلاب الخطير على نهج الرئيس الحريري القومي والوطني، الذي بدأ منذ اللحظة الأولى للجريمة النكراء وبدأ يتراكم شيئاً فشيئاً ليتحول الى انقلاب كامل على موقع لبنان ودوره ومكانته ومستقبله، وهذا ما نلاحظه بوضوح إعلامياً وسياسياً مع ما يتبع ذلك من تحالفات واختلالات على شتى المستويات، بحيث بتنا نرى من كان ممنوعاً عليه حتى النظر الى الرئيس الحريري أو التطلع نحو قريطم، زعيماً أو ضيفاً دائماً في المكان الذي كان ممنوعاً عليه، فيما قسم آخر كبير من هذا التحالف الهجين كان له سعره وثمنه، وكان الشهيد الكبير يرميه إليهم على قاعدة «داروا سفهاءكم».
ولعل نظرة بسيطة الى هذا التحالف الذي يجمع من كان إبان الحرب الأهلية يسرح ويمرح في الأزقة الداخلية لبيروت وغيرها، ممتهناً التهديد والاغتيالات وفرض الخوات واحتلال المستودعات، ويفرض على مداخل ومعابر «مملكته» رسوم مرور وإتاوات، ومن كان يمارس أعمال القنص والقصف والتفجير، وبعض بقايا شبكات التجسس والعمالة وأولئك الذين لا لون ولا طعم لهم، إضافة الى بقايا بعض الشخصيات الوطنية واليسارية الذين كانوا ينتظرون عند الزوايا بعض الفتات والوجاهة. إن نظرة الى هذا التحالف الذي يتنطّح الآن لقيادة البلاد بحكم الأمر الواقع وبالدعم الأميركي والدولي، قد تفصح عن الجواب وتقدم بعض الحقيقة في ما يتعلق بتغييب الرئيس الشهيد.
بيد ان السؤال الأهم الذي يبقى بعد سنتين ونيف على جريمة العصر، جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هو أين هي الحقيقة التي لم يتضح فيها خيط واحد، في ظل تفاقم الأوضاع الأمنية في البلاد، فنرى فوضى عجيبة وغريبة تختلط فيها المواقع والمفاهيم، وتنقلب فيها المقاييس رأساً على عقب، ويصير التوجه نحو العالم لحشد التأييد للبنان، تآمراً عليه وعلى وحدته الوطنية ودفعاً للبلاد نحو فتنة مذهبية خطيرة، ما كان يمكن الرئيس الشهيد في أي لحظة من اللحظات ان يكون إلا مقاوماً لها ومحبطاً لأهدافها وغاياتها. بعد أكثر من سنتين على غياب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يبقى السؤال: ماذا عن الحقيقة وأين هي؟
فهل هي بهذا الافتعال الخطير للانقسام الوطني؟
وهل هي بمحاولة الاستعجال في إنشاء محكمة ذات طابع دولي يُمنع التطلع الى بنود موادها وقوانينها، لتتحول الى أداة سياسية تحاكم كل من لا يتوافق مع هذا التحالف العجيب؟
بعد أكثر من سنتين على جريمة العصر، وقعت خلالها نحو 18 جريمة، لم يكشف فيها خيط واحد، ولا تزال مسجلة ضد مجهول، على رغم الانقلاب الذي يعيش البلد تداعياته الخطيرة، والسلاح الوحيد للتحالف الغريب الحاكم هو تسجيل هذه الجرائم لحساب المحكمة ذات الطابع الدولي، فيما يد الدولة مشلولة وعاجزة عن إظهار الحقائق بشكل ينطبق عليه القول «كاد المريب يقول خذوني».
ولعل ما تُختصر به كل هذه التطورات بعد سنتين ونيف على اغتيال الرئيس الحريري هو السؤال: أين هي الحقيقة؟...... لا بل أين هي الحقائق؟
* نائب لبناني سابق