ماجد الشيخ
سيرة مخيّمات فلسطينيّي الشتات... في انتظار العودة

في اختزال لمعاناتنا وآلامنا الصغرى، لا يمكن تغييب إمكانية تجسيد معاناتنا وآلامنا الكبرى، تلك التي وبالضرورة تستدعي التأكيد لآمالنا الكبرى، وخصوصاً إن كانت انطلاقة آلام اللجوء والتشتّت قد وسمت معاناة الشعب الفلسطيني منذ 60 عاماً، انتظاراً لانتهائها بتحقيق أمل العودة إلى الوطن.
من هذا المنطلق تحديداً، كان هذا الكتاب «من ألم اللجوء إلى أمل العودة» محاولة متواضعة لدراسة حياة أحد المخيّمات للّاجئين الفلسطينيّين في لبنان، حيث يعاني أهله آلام اللجوء ويناضلون من أجل تحقيق حلم العودة إلى فلسطين، وهو بالتأكيد يقدّم نموذجاً عن واقع بقيّة المخيّمات الفلسطينية في الشتات عموماً وفي لبنان خصوصاً.
قدّم للكتاب (252 صفحة) رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب اللبناني مروان فارس ليؤكّد «أن قضية هذا الكتاب هي نفسها قضية المعرفة بشقّين: واحد يريد أن يقول إنّ ما حدث يرفضه الشعب الفلسطيني، والآخر يقول إنّ العودة لا تقرّرها القرارات الدولية، بل إرادة الشعب الفلسطيني في الثورة والانتفاضة».
من مذكّرة مطلبيّة تتعلق بقضايا مخيّم برج الشمالي، من تلك المذكّرات التي تُقدّم إلى الجهات الدولية، انطلقت فكرة هذا الكتاب لتصبح في تجسيدها الواقعي أوسع بكثير من رقعة مخيم صغير لا يتجاوز عدد سكّانه 20 ألفاًَ، ولتلخّص كل المراحل التي مرّ بها المخيم ـــــ والمخيّمات الأخرى ـــــ بما فيها كلّ المحطّات والمشكلات التي عاشها الشتات الفلسطيني منذ النشأة الأولى، وحتى الحلم بأمل العودة إلى أرض الوطن.
في فصله الأوّل «اللاجئون الفلسطينيّون في لبنان»، يعرّج الكاتب على الوضع القانوني والسمات العامّة لمخيمات لبنان، مقدّماًَ نبذة وافية عن المخيّمات والتجمّعات الفلسطينية، فتعريفاً بالميثاق الوطني الفلسطيني، ومعلومات عن كل أطراف الصراع الذين ساهموا أو شاركو مشاركة مباشرة أو غير مباشرة في إيجاد مشكلة اللجوء الفلسطيني.
وفي الفصل الثاني، يتطرّق إلى مخيّم برج الشمالي، الموقع والنشأة، والقرى والبلدات التي تنتمي إليها عائلات المخيّم، مع تسجيل لأهمّ المستعمرات التي أُقيمَت على أراضي تلك القرى والبلدات، حيث يوجد مستعمرات، مع أنّ الشائع أن كثيراً من القرى المدمَّرة لم تشهد عمراناً حتى اللحظة. وفي فصله الثالث «تاريخ المخيم»، تسجيل لبعض أوجه الحياة في مرحلة ما بعد النكبة (1948) حتى عام 2005، مروراً ببعض المحطّات السياسية المهمّة، كحرب المخيمات وتوقيع اتفاق أوسلو وصولاً إلى حرب تموز 2006.
أمّا في فصله الرابع فتسجيل لشهادات وأعلام من ذاكرة فلسطين والمخيّم، ليعدّد في الفصل الخامس العادات والتقاليد أثناء المناسبات، وأمثالاً وتعابير شائعة بين الناس وعبارات المجاملات. وفي فصله السادس يعرض الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، فيما يتابع الفصل السابع البحث في المؤسّسات الأهلية والمرجعية الوطنية، ويقدّم مجموعة من اقتراحات لمشاريع عامّة في المخيم. ويتطرّق الفصل الثامن للحقوق المدنية والإنسانية، منهياً الفصل التاسع بتأكيد حقّ العودة وشروط إنجازه ومحاولات شطبه وشروط إفشال مشاريع التوطين المرفوضة جملة وتفصيلاً.
وهذا ما دفع الكاتب للتركيز على نقطة مهمّة تتعلّق بالموقف من مشاريع التوطين، ورفضها من جانب اللاجئين الفلسطينيّين أنفسهم والدولة اللبنانية. إلّا أنّ نقطة الضعف الرئيسة أو الثغرة الأساسية في موقف الطرفين ـــــ من وجهة نظر الكاتب ـــــ تكمن في امتناع الحكومة اللبنانية عن فتح حوار جدّي مع ممثّلي اللاجئين الفلسطينيّين لتوحيد المواقف في وجه مشاريع التوطين المطروحة، ولوقف سياسة التهجير الممنهجة. ونقطة الضعف الرئيسة الأخرى لدى لبنان في هذا الصدد، هي في استمرار إجراءات التضييق على مخيّمات الجنوب، وحرمان الفلسطينيّين من الحقوق الإنسانية والمدنية، أسوة بباقي اللاجئين في الأقطار العربية الأخرى، ما يجعلهم دائماً عرضة للمشاريع التصفوية التي لا تقلّ خطورة عن التوطين والمتمثلة بالتهجير.
ومثلما يتزامن رفض التوطين في بلاد بعيدة أو قريبة، مع التأكيد الدائم لحقّ العودة كحقّ مقدس لشعب اقتُلِع من أرضه، فإنّ الأساس القانوني لحقّ العودة ينبغي أن يبقى هو الأساس الحقوقي السياسي والسيادي الذي يشمل كلّ فرد فلسطيني وكل من ينتمي إلى ذريته، للعودة إلى الأماكن التي كانوا يقيمون فيها قبل عام 1948 والتي أُكرهوا على مغادرتها، بفعل المجازر الصهيونية وسياسة التطهير العرقي التي اتّبعتها العصابات الصهيونية، وكذلك حقّهم في استرداد ممتلكاتهم التي تركوها أو فقدوها، مع الحصول على تعويضات تتناسب والمعاناة والآلام النفسية التي تعرّضوا لها، وبالتالي فإنّ هذا الحقّ هو حقّ جماعي يتعلّق بحقوق شعب بكامله ومصير أبنائه المشرّدين في أنحاء العالم، وفي مخيّمات البؤس والحرمان. لهذه الأسباب، فإنّه ليس بالإمكان تحقيق حقّ العودة من دون السماح للشعب الفلسطيني بممارسة حقّه في تقرير مصيره .
من هنا تأكيد الكاتب أنّ حقّ العودة إلى الوطن في القانون الدولي العام، لا يسقط بالتقادم مهما طال الزمن، وما يسقط فقط هو التخلّي الجماعي عن الكرامة والشرف، وهذا ما لم يحصل ولن يحصل مع الشعب الفلسطيني الذي قدّم عشرات آلاف الشهداء دفاعاً عن هذا الحق، وقد قدّم مخيم برج الشمالي وحده أكثر من 460 شهيداً على مذبح الحرية ومن أجل حقّ العودة إلى فلسطين.
أخيراً يمكن القول إنّ الكتاب بمنهجية بحثه، قدّم إسهاماً مهمّاً في النظر إلى الحال الفلسطينية وأحوال اللجوء والشتات. هو بحث اعتمد الغوص والبحث في الأرقام والمذكّرات والوثائق والتسجيل شبه التاريخي، وصولاً إلى الإقرار بحقّ اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي هجروها، لا تلك التي يُراد لها أن تكون بديلاً من الوطن، حيث لا بديل، وحيث يبقى الوطن هو الوطن، طال الزمن أم قصر، فالأوطان إلى ثبات والاحتلال إلى زوال... هذا ما يقوله التاريخ
والجغرافيا.
* كاتب فلسطيني





العنوان الأصلي
مخيم برج الشمالي:
من ألم اللجوء إلى أمل العودة
الكاتب:
رائف أحمد عقلة
الناشر
باحث للدراسات