صابر الطيب
كما هو الوضع السياسي العام في لبنان حيث الرؤية الخارجية للموضوع غير واضحة اللون، وإن تنقّلت حركة ألوانها من الأبيض الداكن إلى الأسود القاتم فالرمادي، يبقى أمامنا الغوص في العمق لتتّضح الرؤية عن قرب وهي أكبر من رئاسة جمهورية وأبعد من تشكيل وزارة.
هما مشروعان في المنطقة: المشروع الهادف إلى استقرار ما صنُع وزعم أنّه دولة، وأعني الكيان الصهيوني. مشروع يقوده ظاهرياً الرئيس الأميركي جورج بوش ومن ورائه أولئك الذين حسموا مسألة فوزه بالانتخابات الرئاسية الأميركية على الطريقة العربية: صندوق اقتراع منسي في سوبر ماركت في أطراف البلدة.
أمّا المشروع الآخر فهو مشروع الصمود والتصدّي ومقاومة المشروع الأوّل المسمّى «الشرق الأوسط الكبير». ومشروع المقاومة هذا تكاد تنفرد فيه سوريا وتقوده إيران في ظل غياب استراتيجية عربية موحّدة للدفاع.
وهذان المشروعان أصبح الحلّ أو التقارب بينهما شبه مستحيل، لأنّ الصراع أضحى صراع وجود لا صراع مصالح، وعلى كلّ القادة المعادين لإسرائيل الاعتقاد الجازم بأن المعركة هي معركة بقاء أنظمتهم أو وجودهم السياسي، سواء كان في إطار حركة أو حزب أو غيرهما.
وكذلك فإن الإدارة الأميركية أصبحت مقتنعة بأنّ مشروعها دخل دائرة الخطر، وأصبح تحت مرمى نيران كل المتضرّرين، ولا سيما أحرار العالم الرافضين للاستعمار، سواء كان منسّقاً أو أحادياً، وبالتالي فإن دولة إسرائيل المزعومة أضحت أمام صراع وجود وللمرّة الأولى بهذه الجدية.
أمام هذه الحقية لا يبقى أمامي إلا القول إن عملية جراحية خطيرة ستنفذ قريباً.
الوضع العسكري في المنطقة إذا قاربناه كمقاربتنا للوضع السياسي، سنجد أنّ راية الحرب بلونها الأحمر هي المرجّحة في وقت قريب جدّاً.
من الممكن أن تقوم قوّة دولية مشاركة في اليونيفيل بالانسحاب من الجنوب، وقد تقوم إسرائيل بمناورات عسكرية ضخمة تبقي جزءاً كبيراً من الجنود في أماكنهم، مع استحداث مواقع قتاليّة جديدة مجهّزة لتكون نقطة هجومية أكثر ممّا هي نقطة تمركز دفاعي أيضاً واردة. لكن أن يُقدم حزب الله على مناورة لم يُقدم عليها في تاريخه مع التركيز على التأكّد من أن الصواريخ جاهزة من إصابة أي نقطة يريد الحزب استهدافها في فلسطين المحتلّة فكان أمراً مفاجئاً.
قد يكون السيناريو هذه المرة تحرّكاً عسكرياً من جانب العدو الإسرائيلي من جهة حاصبيا مرجعيون في جنوب لبنان لجهة البقاع الغربي لضرب الجيش السوري في الجولان، تسبقه أو ترافقه عملية خاطفة تستهدف اغتيال الرئيس بشار الأسد ليتحرّك عبد الحليم خدّام مع بعض من جماعته للسيطرة على الحكم، حيث أعتقد أن الإدارة الأميركية تلقّت الدرس في العراق من الدخول العسكري إلى بلد عربي وتغيير الحكم فيه.
ويرافق هذه العملية عملية استهداف للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وهذه المرّة تصرّ الإدارة الأميركية على إسرائيل التأكّد من مكان وجوده قبل الإقدام على العملية، بحيث سيكون هنالك تحرّك لجماعتها ضدّ حزب الله داخل لبنان، مع تحرّك جماعة عبد الحليم خدام المتمركزين في شمال لبنان.
هذا يرفع نسبة عدم إقدام إسرائيل على عمل عسكري في قطاع غزة، حيث قد تكون الأولوية استبدال النظام السوري بنظام موالٍ للمشروع الأميركي، وتعيين رئيس جمهورية لبناني ولو وصل إلى القصر على ظهر الدبابات الإسرائيلية أو ربما الطائرات العمودية. هذا السنياريو المرجّح، والذي رفع لهجة الخطاب السياسي لدى أطراف المعارضة والموالاة في لبنان يرافقه أعلى جهوزية للحرس الثوري الإيراني، الذي لن يأخذ جانب الحياد هذه المرّة. وإذا لم يكن كل من لبنان وسوريا وإيران تحت مرمى النيران الإسرائيلية المدعومة أميركياً والمغطّاة دولياً خلال فترة قريبة لا تتجاوز 24 تشرين الثاني الجاري محتّماً، فإن السنياريوين سيطبقان في الربيع القادم في حال بقاء الوضع على ما هو عليه ولم يغيّر الله شيئاً.