أحمد بهاء الدين شعبان *
لا يمكن النظر إلى المعركة العنيفة التى تدور رحاها فى مصر اليوم بين الصحافة والنظام، بمعزل عن الحرب واسعة النطاق التي تدور على كل الساحة المصرية بين الحكم والشعب، وعنوانها الذي لا تخطئه العين، الصدام المحتدم بين السلطة ومعظم طبقات المجتمع وفئاته، بعدما تكشّف انحياز هذه السلطة الكامل الى فئه محدودة العدد من «رجال الأعمال» من المنتمين إلى الرأسمالية المتطرّفة أو «الليبرالية الجديدة»، والذين عمدوا، منذ ترسّخت أقدامهم في أرض «المحروسة»، إلى بيع كل شيء: الأرض، والمصانع، والبنوك...

حرب شاملةفي هذا السياق، تأتي المعركة التي كانت آخر محطّاتها الحملة الهمجية على الصحافة المصرية المستقلة والمعارضة، والأحكام الجائرة الصادرة بحبس كل من عبد الحليم قنديل (رئيس التحرير السابق لجريدة الكرامة، والمنسّق المساعد لحركة «كفاية»)، وعادل حمودة (رئيس تحرير جريدة الفجر)، وإبراهيم عيسى (رئيس تحرير جريدة الدستور)، ووائل الأبراشي (رئيس تحرير جريدة صوت الأمة)، وأنور الهواري (رئيس تحرير جريدة الوفد)، إلى جانب القضية المحال اليها الدكتور محمّد السيد السعيد (رئيس تحرير جريدة البديل، اليسارية حديثة العهد)، على خلفية الاتهام بإهانة رموز النظام: رئيس الجمهورية، ونجله جمال مبارك، ورئيس مجلس الوزراء، وأمين التنظيم في الحزب الوطني، وغيرهم من كبار المسؤولين، والادّعاء بترويجهم «شائعات تمسّ صحّة رئيس الدولة، وتهدّد الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد»!

محاور الصراع

وإذا أردنا أن نستخلص الدوافع الحقيقية لهذه الحملة المتواصلة على استقلال الصحافة وحريتها، نجد أسباباً أربعة تقف خلف استعارها:
أوّلاً: تصاعدت في السنوات الماضية وتيرة النقد المجتمعي للحكم المتسلّط ولممارساته القمعية، ولتجاوزات مؤسّساته البوليسية هائلة الضخامة (مليون وربع المليون هو تعداد جهاز الأمن المركزي، فضلاً عن مئات الآلاف من عناصر المباحث وفرق «مكافحة الشغب»، ومن فرق «البلطجية»). ولم ترتكب هذه التجاوزات في مواجهة خصوم الحكم السياسيّين وحسب، بل في مواجهة أبناء الشعب الأعزل في المقام الأول، وهو ما سبّب للنظام إزعاجاً كبيراً على المستوى الخارجي، وفي مواجهة المؤسّسات الحقوقية الدولية، وأحرجه أمام أصدقائه و«مموّليه» في الولايات المتّحدة وأوروبا، وألزمه موقف الدفاع المتهافت، وألحق أذى حقيقياً بصورته وسمعته. ويحمّل النظام الصحافة، المستقلّة والمعارضة، المسؤولية في جانب كبير من هذه الحالة والفضيحة التي يواجهها!
ثانياً: إنّ أسرة الرئيس حسني مبارك و«الحاشية»، لم تغفر إطلاقاً لهذه الصحف موقفها المعارض الصارم لعملية التمديد الرئاسي لولاية خامسة، بعد أكثر من ربع قرن من حكم مبارك للبلاد، ولا مقاومتها الشجاعة لتزوير الاستفتاء على «التعديلات» المزعومة للدستور، ولا فضحها لمسرحية الانتخابات الرئاسية المغشوشة، ولعملية اغتصاب حكم مصر التي تجري على قدم وساق عبر عملية «التوريث» غير الشرعية للنجل، «ولي العهد»، ولا فضحها لتغوّل سلطات «العائلة المالكة»، سياسياً واقتصادياً، ولا انتقادها اللاذع المستمر، لسلطات «الهانم» سوزان مبارك ودورها.
ثالثاً: إنّ النخبة الحاكمة تنتقم عبر هذه الحرب، من دور هذه الصحف الكبير في تعرية الانتشار السرطاني لمظاهر الفساد البنيوي للنظام، الذي عمّ واستفحل بشكل غير مسبوق. فقد قامت هذه الصحف بجهد كبير ومكثَّف أماطت من خلاله اللثام عن كثير من فضائح النهب المنظَّم للمال العام، والتجريف الشرس للثروة الوطنية، والتخريب المقصود لإمكانات البلاد، والتدمير المتعمد للصحّة العامّة للمواطنين... وهذه كلّها تمّت بتواطؤ ومشاركة مباشرة من أركان السلطة ورموزها البارزة، المتحالفين عضويّاً مع كبار رجال المال والأعمال.
رابعاً: أخيراً، إنّ السلطة ناقمة على هذه الصحف لهجومها المستمرّ على السياسة الخارجية للنظام وخياراته الضارّة. وترفض أقلامها الأبرز بقوّة، تحالف النظام «الاستراتيجي» مع الولايات المتّحدة الأميركيّة، وكشفها عن انقلاب الحكم على الدور المصري التاريخي في المنطقة، وتعريتها لدوره في الترويج للسياسات الأميركية ـــــ الإسرائيليّة، وفي تسويق عملية «التطبيع» مع العدو الصهيوني.

تاريخ من القمع والمصادرة

والحقّ أنّ هذه الحرب ليست بجديدة على صحافة مصر وصحافيّيها، إذ يمكن اعتبار تاريخ الصحافة المصرية هو، أساساً، تاريخ الكفاح ضدّ القمع والمصادرة. فإذا حسبنا أنّ إصدار جريدة «وادي النيل» عام 1867، أي منذ مائة وأربعين عاماً، هو بداية عهد صدور ما كان يُطلَق عليه «الصحافة الأهلية»، أي المستقلة أو غير الحكومية، فمن المؤكّد أنّ هذه العقود الأربعة عشر، كانت عبارة عن فترة واحدة ممتدّة، عنوانها الحرب الدائمة بينها وبين السلطة الحاكمة، من أجل توسيع هامش الحرية، ومن أجل تأمين القلم من بطش القوّة وهيمنة السلطان.
فكلّ سلطة أتت (ابتداءً من سلطة الخديوي اسماعيل، وانتهاء بسلطة حسني مبارك، ومروراً ـــــ بدون استثناء ـــــ بجميع الحكّام الذين توالوا على حكم البلاد)، سعت بكلّ طاقتها، واستخدمت جميع أسلحتها، للبطش بهذا «العدو» الخطير، الذي يكشف المستور، ويحرّض الجمهور، ولا يسكت عن النقد والمساءلة.
وقد بدأ الخديوي اسماعيل، الذي أمل أن يجعل مصر قطعة من أوروبا، رحلة الضيق بحرية الصحافة، ولم يتّسع صدره لهذا المظهر الحضاري الحديث، بمجرّد محاولتها الخروج عن الخطّ المرسوم. فعطّل جريدة «البروجريه اجيبشيان» لانتقادها مظاهر البذخ والترف فى «أفراح الأنجال». وكذلك صدرت التعليمات بإغلاق صحيفة «لامبرسيال دوجيبت» لانتقادها الحكومة. ثمّ أعاد الخديوي تعطيل «البروجريه» لهجومها على الحكومة وإجراءاتها التعسّفية ضدّ الفلّاحين، قبل أن يصدر فرماناً بإيقافها تماماً عن الصدور. وأُغلقت جريدة «الأهرام» لأنّ محرّرها «قد تجاوز الحدود المسموحة له بالتدخّل فى الأمور السياسية غير الجائز تدخّله فيها»! كذلك لم تسلم حتى الصحف الساخرة، مثل «أبو نظّاره زرقا»، التي سمح اسماعيل لصاحبها ومحرّرها، يعقوب صنوع، بنشرها، من العسف والمصادرة أيضاً حينما تجرّأت على السخرية من كبار الموظّفين والأمراء، بل والخديوي ذاته أو «شيخ البلد»، كما دأبت الجريدة على نعته والتنديد بغفلته وقسوته.
ولم تنجُ جرائد مصر والتجارة، التي أصدرها المفكّر والأديب اللبناني أديب إسحق من هذا المصير، ولا شفع لها موقفها المناوئ للنفوذ الخارجي والتدخل الأجنبي في شؤون البلاد. كذلك عطّل اسماعيل جرائد الوطن والزمن، وصدى الأهرام، وأحالت السلطة صاحبيها سليم وبشاره تقلا للمحاكمة، عقاباً لهما على تنديدهما المستمر بالتصرّفات المالية الحمقاء لإسماعيل وأسرته وبطانته.
واستمرّت المعركة بين الطرفين محتدمة حتى تمّ خلع اسماعيل من حكم مصر في منتصف عام 1879، وتولية ابنه توفيق، الذي استأنف بعد «شهر عسل» لم يدم طويلاً، محاولات السلطة الدائبة من أجل قهر الكلمة، والسيطرة على فضاء حريّتها، حيث استمرّ مسلسل تعطيل الصحف، خصوصاً بعد طرد جمال الدين الأفغاني من مصر. واستُخدمت ذرائع شتّى لتبرير ذلك، لعلّ من أطرفها، والشيء بالشيء يذكر، ذريعة «إطلاق الشائعات»... بعدما دأبت بعض الصحف على «نشر أفكار تنسبها إلى المستكتبين بدون مراعاة الصدق في تلك النسبة، بل يعتمد صاحب الجريدة في ذكر الخبر على مقتضى شائعات تصل إليه على ألسنة الناس، ثمّ يعزوها إلى مُستكتبه الخاص أو العام، أو ما شاكل ذلك، إيهاماً بصدق ما أثبته في صحيفته»!

عسف الاحتلال وحرية الصحافة

وبعد انكسار الثورة العُرابية، والاحتلال البريطاني لمصر عام 1882، أضيف إلى بطش الحكم المحلّي عسف الحكم العسكري البريطاني، الذي حاصر العمل الوطني المصري، وفى مقدّمته الصحافة الوطنية، بالأحكام العرفية والمصادرة والإغلاق وقرارات الحبس والتغريم، بل والنفي أيضاً، كما حدث بالنسبة للشيخ عبد العزيز جاويش والزعيم محمد فريد، الأمر الذي أضرّ كثيراً بصحافة الحزب الوطني، وهى التي كانت من أعمدة العمل الوطني، استفاد منها الزعيم مصطفى كامل استفادة عظمى في التشهير بالاحتلال وعدوانه على المصريّين، وخصوصاً بعد مذبحة دنشواي عام 1906.
ومع انفجار الحرب العالمية الأولى، وإعلان بريطانيا دخولها الحرب في 4 آب 1914، ازداد موقف الاحتلال من الصحافة المصرية تعنّتاً، فتمّت مراقبة الصحافة بشكل خانق جعلتها تتوقّف عن الصدور، أو تصدر بأعمدة بيضاء في أحيان كثيرة. كذلك تعرّض باعة الصحف وموزّعوها، في القاهرة والأقاليم، للرقابة. وصدرت القرارات العسكرية بتعطيل أي جريدة تتجاوز التعليمات، وزاد على ذلك دعم سلطة الاحتلال لصحف عميلة، تصدر بمباركتها ومساندتها المالية والعملية، من أجل الترويج لسياسة الاحتلال ومصالحه، مثل صحيفة المقطم، التي رأس تحريرها الشيخ علي يوسف.
وفي مقابل ذلك استماتت الصحف الوطنية في الدفاع عن حرية الوطن وطلب الاستقلال والدستور، وكلّما أغلقت جريدة صدرت أخرى جديدة تحمل الراية وتكمل المسيرة: اللواء، القطر المصري، العلم، البلاغ المصري، الأهالي، الجمهور، السفور، البصير، البرلمان، الشبيبة، المحروسة، الشباب، النظام، الأفكار، المنبر...
لكن الأهم من هذا كلّه أنّ إغلاق كل النوافذ، ومطاردة العمل الوطني، وقصف الأقلام الحرّة، كل ذلك لم يحطّم إرادة المقاومة لدى أبناء الشعب المصري، بل ساعد على انفجار العنف وتفجّر الثورة. فتكوّنت عشرات الجمعيات السرية: الاتحاد، الإخاء، الإخلاص الوطنية، التعاون الأخوي... واغتال الشاب إبراهيم الورداني رئيس النظّار (الوزراء) بطرس غالي (الجدّ) في 20 شباط 1910. وغالي هو الذي وقّع اتفاقية الحكم الثنائي عام 1899، ورأس محكمة دنشواي التي حكمت بإعدام الفلّاحين الأبرياء تنفيذاً لتعليمات الاحتلال البريطاني عام 1906، وهو الذي صدر في عهده قانون المطبوعات الجائر لعام 1909، وهو الذي حاول مدّ امتياز شركة قناة السويس في العام نفسه... كذلك وقعت محاولة اغتيال الخديوي عباس الثاني عام 1912، والمحاولتان الفاشلتان لاغتيال «السلطان حسين كمال» عام 1915، ومحاولة اغتيال ناظر الأوقاف إبراهيم فتحي في العام نفسه، وهي كلّها كانت من مقدّمات انفجار الثورة الوطنية الكبيرة، بعد قيام سلطات الاحتلال بنفي سعد باشا زغلول وصحبه، في آذار 1919.
الصحافة المصرية: مقدّمات ثورة 1952
استمرّت رحلة الإبحار الصعبة للصحافة المصرية الوطنية. وفيما عدا بضع سنوات، على امتداد العقود الثلاثة التالية في ظل حكم حزب الوفد، تمتّعت فيها الصحافة بهدنة لالتقاط الأنفاس، كانت قضية البطش بالصحافة على رأس جدول أعمال كل حكومات أحزاب الأقلية، المشمولة برعاية الملك والاحتلال.
وكالعادة، كان البطش بالصحافة مقدّمة لانتشار العنف وتفجّر الثورات، إذ عادت مجدّداً الجمعيات السرية للتكوّن، واغتيل قادة الاحتلال البريطاني وكبار المتعاونين معه من المسؤولين المصريّين، كذلك شنّ الديكتاتور إسماعيل صدقي، رئيس الوزراء ورئيس اتحاد الصناعات، حملته القمعية التي استهدفت تصفية الحركة الوطنية واليسارية، بجرائدها ومجلّاتها ومراكز نشاطها الفكري والسياسي، تحت مزاعم «ضرب المؤامرة الشيوعية الكبرى»، والتي اعتقل بموجبها 69 من قادة الرأي والفكر والصحافة في البلاد، يوم 10 تموز/ يوليو 1946.
ثمّ كانت كارثة نكبة 1948 والهزيمة النكراء في مواجهة العصابات الصهيونية، مناسبة مؤاتية لشنّ حملة صحافية جديدة تكشف فساد النظام، وبالأخص في «قضية الأسلحة الفاسدة»، التي وُجِّهت فيها إصبع الاتهام إلى الملك فاروق شخصياً، وأدّت جريدة المصري، ومجلة روز اليوسف، بقيادة إحسان عبد القدوس، دورا كبيراً في بيان هشاشة الحكم وفساده.
وكانت الأرض ممهّدة لفجر يوم الثالث والعشرين من تمّوز 1952.

الصحافة في قبضة النظام

خاض النظام الجديد معركة طاحنة من أجل تثبيت أقدامه في السلطة وإحكام قبضته على الوضع في البلاد. وكان واضحاً للحكم أنّه ينبغي السيطرة على الصحافة المعارضة، الحزبية منها والمستقلّة.
تكفّلت سياسة التطهير، ثمّ إلغاء الأحزاب ذاتها ومحاكمة زعمائها بتهم الفساد والعمالة للملك والمحتلّ، في القضاء تماماً على القوى الحزبية المعارضة. أمّا بالنسبة للقوى الأخرى، فقد تمّ السيطرة عليها بالكامل، وعُيّن صحافيّون «محلّ ثقة»، مثل محمد حسنين هيكل، لإدارتها مثلما حدث بالنسبة لجريدة الأهرام. وفُرضت الرقابة الصارمة على النشر عامة، كذلك خطت السلطة خطوة أخرى في السيطرة، بإنشاء مجموعة من الجرائد والمجلّات الناطقة باسمها، في مقدّمتها جريدة الجمهورية التي رأسها أنور السادات، عضو مجلس قيادة الثورة والمقرب من الرئيس جمال عبد الناصر آنذاك. حتى أتى التحوّل الجوهري في هذا المسار، بإصدار قوانين «تنظيم الصحافة»، التي عنت تأميمها فعلياً، عام 1960.
ومع انكسار المشروع الناصري بهزيمة 1967، ثمّ بانقلاب 15 أيار 1971، تبدّلت مع فترة حكم الرئيس أنور السادات، ثمّ في ظل حكم الرئيس مبارك الممتد منذ عام 1981، عام اغتيال السادات، إلى اليوم، أولويات السلطة وخياراتها واستراتيجياتها. وتحلّلت الدولة من دورها الاجتماعي تجاه ملايين المواطنين من الطبقات الفقيرة، لمصلحة نسبة لا تُذكر من كبار الملّاكين والأثرياء المرتبطين بالشركات الاحتكارية الكبرى وبمصالح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي...

القانون 93 عام 1995

عاد الصراع الحاد وتفجّر مجدداً بين السلطة والصحافة، وبلغ ذروته حينما قدّمت السلطة مشروع قانونها رقم 93 لسنة 1995، الذي سعى إلى تعديل قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية، بهدف تغليظ العقوبات في جرائم النشر والرأي، أملاً في استباق عملية النهوض الاجتماعي الجديد التي كانت بوادرها تظهر في الأفق، ووأد عملية تبلور قوى التغيير الديموقراطي الوليدة. وقد قاومت الجماعة الصحافية الوطنية محاولة السلطة لتقييد حريتها، واستطاعت إدخال بعض التعديلات على هذا القانون الجائر الذي صدر في صورته الجديدة تحت رقم 96 لسنة 1996.
وبهذا القانون تكتمل ترسانة القمع «القانونية» التي تحيط بالصحافة المصرية، بدءاً من قانون فرض حالة الطوارئ المستمرة منذ 5 حزيران 1967 وحتى الآن، (عدا سنة وبضعة أشهر، من 15 أيار 1980 حتى 6 تشرين الأوّل 1981، حيث أعيد فرضها عقب اغتيال السادات)، ومروراً بقوانين العقوبات والإجراءات الجنائية، ومجموعة القوانين الاستثنائية التي أصدرها السادات مثل قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977، وقانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي رقم 33 لسنة 1987، وقانون حماية القيم من العيب رقم 59 لسنة 1980، وقانون محاكم أمن الدولة رقم 105 لسنة 1980، وقانون سلطة الصحافة رقم 148 لسنة 1980، إضافة إلى حقّ مساءلة الصحافيّين (ومنهم محمد حسنين هيكل نفسه)، أمام «المدّعي الاشتراكي»، (وقد ألغي هذا المنصب في التعديلات الدستورية الأخيرة)، وتقديم الصحافيّين إلى المحاكم الاستثنائية، مثل محاكم أمن الدولة العليا، وتشريدهم من أعمالهم في نوع من العقوبات الرادعة... وكلّ هذه القوانين تمنح السلطة التنفيذية كل الصلاحيات للتنكيل بالصحافة المستقلّة والمعارضة، وتتيح لها فرض الرقابة عليها ومصادرتها (وقد صُودِرَت العشرات من أعداد جريدة الأهالي الناطقة باسم حزب التجمّع، بسبب اعتراضها على اتفاقية كامب ديفيد)، وإغلاقها، (مثلما حدث مع جريدة الشعب التي كان يصدرها حزب العمل قبل تجميده)، واعتقال رؤساء تحريرها وتغريمهم غرامات باهظة...

الجهر بالحق واجب كل صحافي

إذا ما تساءل البعض: لماذا يحيط الفاسدون أنفسهم بكلّ هذه القلاع من القوانين المعادية للحرية، ولماذا يكرهون الصحافة الحرّة، ويبغضون وجودها على هذا النحو، لوجدنا الإجابة واضحة عند واحد من شيوخ الصحافيّين المصريّين، الأستاذ أمين الخولي، الذي كتب في جريدة الأخبار عام 1920 يقول: «الصحافة قوّة كبرى، ولذلك يخشاها المستبدّون، لأنّها تزلزل سلطانهم، وتكشف الغطاء عن مرمى سياساتهم». ويبدو أن الأمر ما زال قائماً حتى اليوم.
* عضو مؤسّس للحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية»