أرنست خوري
باحثون يناقشون الاتفاق التاريخي و«صلابته المتجدّدة»


إذا كانت مهمّة «علب الأفكار» أو الـthink tanks، إعادة إنتاج المقولات التي تصلح لدوام الأنظمة الموجودة وتثبيت الواقع (الـ statu quo)، فإنّ ندوة «العلبة الفكريّة» الأولى التي تدّعي أنها كذلك في لبنان، وهي مجموعة شخصيّات منتدى استشراف الشرق الأوسط «الذين لهم شرف الارتباط بالرئيس (السابق للحكومة اللبنانيّة) نجيب ميقاتي»، نجحت في وضع المدماك الأوّل لعمل هذا النوع من الحلقات النخبويّة وذلك في ندوة نظّمها المركز في تمّوز الماضي ونُشرَت محاضرها في تشرين الأوّل.
لقد كان واضعو برنامج الندوة في غاية الوضوح، إذ اعترفوا في مقدّمة الكتيّب بأنّ اختيارهم لموضوع اتفاق الطائف لم يكن للدعوة إلى تعديله، بل «لتثبيت صلابته المتجدّدة وتأكيد دوام قدرته على تنظيم وتوجيه حياتنا العامّة». ويمكن القول إنّه لولا وجود محاضرين أمثال أحمد بيضون وسليمان تقي الدين خرجا عن سرب المردّدين لمعزوفات «عظمة الاتفاق» و«فلسفة الطائف التي وضعت التوافق فوق كل اعتبار»، لكانت الندوة تحوّلت إلى حفلة غزل بالاتفاق المذكور، الذي «لا مصلحة لأحد في لبنان بإعادة النظر بروحيّته».
بين المحاضرين الذين عالجوا المحاور الأربعة للندوة، وهؤلاء الذين عقّبوا أو ناقشوا، تكلّم أكثر من 20 من الساسة والصحافيّين وعلماء الاجتماع والحقوقيّين. صحيح أنّ معظم المشاركين في الندوة أجمعوا على الترداد المجّاني لعبارة «تخطّي الطائفيّة»، غير أنّ سليمان تقي الدين وأحمد بيضون كانا واضحين من ناحية اعتبارهما أنّ المخرج لا يكون إلا بتخطّي النظام الطائفي. ومن يقل تخطّي النظام، يقل بالضرورة تخطّي «الطائف» الذي بات منذ 1990 تعديلاً دستورياً مقنّناً. وبين كلام الرجلين، أدلى الرئيس سليم الحصّ بمداخلة جلد فيها النظام اللبناني من غير أن يشير بالاسم إلى مسؤوليّة اتفاق الطائف في إيصال الوضع إلى ما هو عليه اليوم. ومن بين المداخلات الأكثر خروجاً عن سياق النقاش، كان ما ختم به الوزير القوّاتي في حكومة الرئيس عمر كرامي روجيه ديب، عندما رأى أنّ «الوحيد الذي يفكّر اليوم بأن تكون الدولة أكبر من الأفرقاء هو البطريرك صفير»!
وجمعت الندوة شخصيّات من مختلف الاتجاهات الطائفيّة والسياسية ما خلا شخصيّات يساريّة. لكن ما كان يمكن أن يقوله معشر اليسار عن اتفاق الطائف وبنية النظام اللبناني، قاله بوضوح علمي وأكاديمي عالم الاجتماع أحمد بيضون، فأعاد صاحب كتاب «الصراع على تاريخ لبنان» النقاش الى دائرته الأولى في أصل المصطلحات التي باتت بمثابة مسلّمات. وأبرز ملاحظاته كانت إشارته إلى التغيّر الكبير الذي طرأ على بنية الطوائف بعد الحرب من ناحية أنّ استمرار النظام كان يتأمّن جرّاء الانقسامات داخل كلّ طائفة، «أمّا اليوم فيكفي أن تتوحّد إحدى الطوائف الأساسيّة لكي يصبح البلد على حافّة الهاوية». تميّز بيضون عن زملائه المحاورين بأنه الوحيد الذي لفت إلى أنّ التغيير يتطلّب بالضرورة تجاوز صيغة الطائف لإصلاح هذا النظام الطائفي ـــــ الطبقي الذي لم يقدّم أفضل من حروب أهليّة تتكرّر في دوران للتاريخ في مشهد لا يتكرّر سوى عند الشعوب الغبيّة.
* من أسرة الأخبار





العنوان الأصلي
اتفاق الطائف ـــــ قراءة متأنّية ورؤية متجدّدة
الكاتب
ندوة لعدد من المتخصّصين
الناشر
منتدى استشراف
الشرق الأوسط