فايز فارس
لا بد من أنّ اللبنانيين الذين درسوا في مدرسة الفرير حتى أواخر الستينيات يتذكّرون السينيال، ذلك المربع الخشبي الصغير الذي كان يتهدد كل تلميذ تجرأ على التحدث بغير اللغة الفرنسية في ملعب المدرسة أثناء فترة الاستراحة واللعب. إذ كان على التلميذ الذي يبقى محتفظاً بالسينيال، عند العودة إلى قاعة الدرس، أن يتلقى قصاصاً أو عقاباً ما، نتيجة عدم تقيّده بالتعليمات المشدّدة والتي تقضي باستعمال الفرنسية لغة تخاطب وحيدة في الملعب.
وها هو وزير خارجية فرنسا السيد كوشنير، «يكشّر» عن أسنانه كاشفاً لنا عن «نيرته» حتى كاد يسمّي التلميذ المتخاذل الذي ما زال يحتفظ في يده أو جيبه أو عقله، السينيال أو ما يشبه. يبدو أن قادتنا ما زالوا تلاميذ في الصفوف الابتدائية وأنّ فرنسا لم تتبدّل. أما زميله الإيطالي السيد داليما، فقد كان كلامه مقلاًّ متحفظاً. لكن الاستعراض ما زال في بدايته وعلينا أن نستعد لسماع كل أنواع التوبيخات والتحذيرات أقلّه خلال أسبوع. كذلك المشهد ذاته يذكّرنا بمواقف وتصريحات عبد الحليم خدّام وغازي كنعان ورستم باشا.
ويتشدّقون بالحرية ويتبجّحون بالسيادة والاستقلال، بينما هم عاجزون أكثر من أي وقت مضى عن إداء دورهم الطبيعي وانتخاب رئيس جديد لجمهورية على قياسهم. فماذا بهم يفعلون عندما سيقبلون على اختيار رئيس لمجلس وزراء جديد والاتفاق على قانون انتخابي جديد وإطلاق ورشة «الإصلاح والنهوض» وتنفيذ برنامج الخصخصة والصمود في وجه شبح التوطين؟ ويهوّلون علينا بشبح الفراغ في كرسي رئاسة الجمهورية، متجاهلين أن الفراغ يملأ عيون اللبنانيين وأفواههم وبطونهم وجيوبهم ويعطل عقولهم وقلوبهم منذ سنين، إن لم يكن منذ عقود.
أنا أقترح أن تتألف لجنة وطنية «ذات طابع دولي» تقوم مقام هيئة انتخابية عليا ليس فقط لاختيار رئيس الجمهورية ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء، بل يناط بها أيضاً مهمة تعيين حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش والمديرين العامين ورؤساء مجالس المصالح المستقلة والمحافظين والقائمقاميين ومجلس القضاء الأعلى وسفراء لبنان في العالم. في المقابل نستغني عن مجلس النواب والمجلس الدستوري. مع العلم أن هذه اللجنة الوطنية «ذات الطابع الدولي» ستتألف من رؤساء الطوائف الرئيسية والثانوية التي يتكوّن منها المجتمع اللبناني، وسفراء الدول العظمى الخمس، وزملائهم سفراء سوريا ومصر والسعودية وتركيا وإيران وعفواً أرمينيا.. الذين سيجتمعون أقلّه مرة في الأسبوع، أو يومياً إذا لزم الأمر كما هو حاصل هذه الأيام، من أجل النظر في أمور هذا البلد الغريب العجيب ومعالجة شؤون شعبه العظيم وشجونه.