رجاء الداعوق
أقرب إلى إعلام «الدعاية السياسية» التي أسس لأبرز مدارسها وزير الدعاية السياسية في عهد ألمانيا النازية بول جوزف غوبلز، هو إعلام السلطة في لبنان.
ويحاول المستنسخون الغوبلزيون الجدد الإفادة جيداً من مبدأين قام عليهما أسلوب الدعاية النازي، وهما: الكذب والتكرار.
وحتى تستقيم الأمور، لا بد من امتلاك ما أمكن من وسائل الإعلام بألوان متعددة... لكن المضمون واحد، وكذلك المصطلحات.
ينطلق غوبلزيو السلطة من أفكار جاهزة، يتهمون بها المعارضة. وهذه الأفكار كبيرة جداً حتى يسهل تصديقها، «فكلما كبرت الكذبة كلما سهُل تصديقها»، والغاية من ذلك صرف الاهتمام عن القضية الأساس ببعدها اللبناني. وفي هذا السياق، درج هؤلاء على اتهام المعارضة الوطنية اللبنانية بأنها: إيرانية ـــــ سورية، وأنها شريك في الاغتيالات التي استهدفت الرئيس الحريري ونواباً آخرين، وأنها تعمل لإجهاض قيام المحكمة الدولية، وأنها تحضّر لاحتلال بيروت والسرايا بسلاح المقاومة، وأن المعارضة ضد استقلال لبنان وسيادته، وأن مناطق نفوذ المعارضة لا تدفع فواتير الكهرباء وتسطو على قطاع المياه الخوهكذا في كل يوم، وعلى لسان أكثر من مئة وزير إعلام لهذه السلطة، منهم مدنيون وبعضهم روحي، متطوعون ومدفوعو الأجر، يكررون هذه السلسلة من الاتهامات حتى تنطلي على المستمعين، فالتكرار ضروري حتى تصبح «الكذبة» محققة ولو بالقوة.
وفي المقابل، يبدو إعلام المعارضة ضعيفاً لا يقوى على وضع منهجية يثبت فيها حقائق تدحض افتراءات قوى السلطة، وبات، حتى الآن، في موقع الدفاع الدائم لدحض شائعات يومية مكررة. إن غاية إعلام السلطة وإعلامييه (وزراء ـــــ نواب ـــــ كتبة ـــــ مرئيين ـــــ أشباح) نقل وقائع الحوار السياسي الداخلي من أرض لبنان إلى فضاء العالم الخارجي:
أ ـــــ المعارضة جزء من المشروع الإيراني ـــــ السوري ونحن سياديون.
يخفي هذا الكلام الحقيقة اللبنانية التي يدركها معظم اللبنانيين، وهي أن هؤلاء السياديين كانوا أدوات الوجود السوري السابق في لبنان، ومع انسحاب الجيش السوري على إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، انتقلوا إلى الموقع الآخر.
ويحاول هذا الكلام أيضاً إسقاط السمة اللبنانية عن المعارضة، وتغييب العناصر اللبنانية المكوّنة للأزمة اللبنانية. ب ـــــ تقول الموالاة إن المعارضة عطلت المؤسسات بغية تعطيل قيام المحكمة الدولية.
يتناقض هذا الكلام مع مواقف أساسية لقوى وازنة في المعارضة (التيار الوطني الحر، المنبر الثالث «الرئيس سليم الحص»)، فضلاً عن موقف معلن وشفاف لكل من حركة أمل وحزب الله يقوم على تأييد قيام المحكمة «بما يضمن كشف حقيقة من قتل الرئيس الحريري، لا أن تتحول إلى حصان طروادة بهدف تحويل لبنان إلى رأس حربة للمشروع الأميركي الذي يسعى لإسقاط النظام السوري، كما هو حال شيعة العراق الذين تحوّلوا رأس حربة تفتيت الوطن العراقي، بعد أن كذب الغوبلز رامسفيلد بشأن أسلحة الدمار الشامل، «فصدّقه العالم... ولو بالقوة».
جـــــ إن المعارضة تشل المؤسسات؟
ولا نعرف عن أي مؤسسات يتحدثون، فمؤسسة مجلس الوزراء تعمل «كعقارب الساعة الأميركية التي باتت أشبه بالساعة المعطلة التي تدل على الوقت الحقيقي مرتين فقط في اليوم»!
ومؤسسة رئاسة الجمهورية، جرى تعطيلها من جانب قوى السطلة والحكومة، على خلفية تكريس واقع أن للسلطة التنفيذية رأساً واحداً فقط هو رئيس الحكومة، لا رأسين كما حاول أن يهندس مشرّع «الطائف».
د ـــــ سوريا وراء تعطيل الوفاق في لبنان:
لا يرشدنا هؤلاء إلى أي وفاق. فهم ينطلقون دائماً من وفاق يكون بشروطنا، والوفاق على هذه الطريقة لا يكون إلا بالقوة، أي مفروضاً، لذا فإن ما نشهده من مواقف متعنتة يستند إلى منطق القوة الذي يحاول تعميمه الجانب الأميركي لفرض حلول في العراق وفلسطين، وحاول ولا يزال وسيستمر في لبنان، حتى اكتمال عقد المشروع التاريخي للإدارة الأميركية بولادة الشرق الأوسط الجديد.
إن ثقافة التعطيل هي تماماً تلك التي تتبنى في خطابها مصطلحات: «إما قاتل وإما مقتول»، أو «مرشح 14 آذار أو لا أحد»، وكل كلام آخر بمثابة الهروب من الاستحقاق والتوافق ومتطلباتهما.
إن لائحة السجال تطول مع مجموعة غوبلز للتسويق، وعلى المعارضة أن تعمل في إعلامها وعلاقاتها المحلية والعربية والدولية لإسقاط أضاليل قوى السطلة من خلال لغة وحقائق ومبادرات متكاملة وموحدة، لا كما هو حاصل اليوم بالمفرّق.