شادي فريجة *
منذ اا أيلول 2001، تنتشر في الدنمارك موجة عداء شديدة للمسلمين، ولا سيّما بين السياسيّين والإعلاميّين، الأمر الذي دفع العديد من الدنماركيّين المنصفين والموضوعيين إلى الوقوف في وجهها.
في 7 نيسان 2006 كتب ولف غانغ زانغ، وهو أستاذ محاضر في جامعة ألبرغ، في صحيفة «ويك إند»: (عندما يقول مثلاً عضو البرلمان جسبر لانغ بيلي: «إنّ الإسلام هو بمثابة الطاعون في أوروبا، في الوقت الذي يجلس فيه إلى جانبه رئيس الوزراء ووزير الدمج ولا يعترضان على شيء من كلامه، وأيضاً أعضاء الحزب الاجتماعي الديموقراطي يلزمون الصمت، عندها تأخذ النزعة العدائية حيزاً كبيراً في الدنمارك، ما لا يوجد في بقية دول الاتحاد الأوروبي».
في 15 كانون الأول 2005 كتب اثنا عشر مفكراً بياناً مشتركاً في صحيفة بوليتكن ضد ما سمّوه «اضطهاد المسلمين في الدنمارك». إنغي إيركسن، وهي واحدة من أولئك الاثني عشر، قالت: «إن التصريحات في ما يتعلق بالنقاش الدائر حول موضوع الأجانب لم تكن أبداً بهذا السوء الذي هي عليه الآن»، وأضافت: «كانت سيئة، سيئة جداً، لسنوات طويلة. لكنني أعتقد أننا وصلنا إلى مستوى منحدر جداً الآن، حيث بات كل المسلمين إرهابيين! فما هذا الهراء؟».
الواقع أن سمعة الدنمارك أصبحت سيئة لدى المنظمات الدولية، بسبب هذه الأجواء المعادية للإسلام والمسلمين. وذلك وفق إعلان صوَّت عليه وزراء المجلس الأوروبي في كانون الأول 2005، ورد فيه: «يلاحظ بشكل قوي أجواء عدم التسامح في المجتمع الدنماركي، ولا سيما في الأوساط السياسية والإعلامية». ويقول المجلس الأوروبي في هذا البيان أيضاً: «نحن قلقون من أن يؤدي المنحى القانوني وسياسة الحكومة إلى مناخ عدائي جداً نحو الجماعات الدينية والإثنية المختلفة».
اللجنة المعنية بمواجهة العنصرية وعدم التسامح، التابعة للمجلس الأوروبي ECRI ، أصدرت في شهر أيار 2006 تقريراً يقول إن المسلمين في الدنمارك يعاملون معاملة سيئة، سواء في التشريع أو في سن القانون وتطبيقه، أو في حديث السياسيين ووسائل الإعلام السلبي عن المسلمين. بحسب التقرير، فإن هناك تمييزاً في الحقوق، وبعض السياسيين ووسائل الإعلام يرسمون بشكل دائم صورة سلبية عن الأقليات، وليس أقلَّهم المسلمون. التقرير يقول إن القوانين المتعلقة بالعنصرية نادراً ما يجري تفعيلها في الدنمارك، «وهذا يخلقُ تصوراً بأنَّ الناس مُعفَون من المسؤولية، وهذا ما يزيد المناخ سوءاً» كما يقول التقرير.
عام 2007 أصدر مجلس الأمن والتعاون الأوروبي تقريراً جاء فيه عن الدنمارك: «إن وضع المسلمين ازداد سوءاً في السنوات الأخيرة، وخاصة مع قضية الرسوم الكاريكاتورية التي بلغت الذروة». وبناءً على التقرير أيضاً، فإن المسلمين يتعرضون للتضييق بشكل يتجاوز كل حد، يتناقض مع المعاهدات المتعلقة بالعنصرية، ويصل التقرير إلى أن المسؤول الأول عن هذا الوضع هو الحكومة الدنماركية.
إن مشكلة الغرب مع المسلمين ليست مشكلة أمنية بالدرجة الأولى، فإن التحدي الذي يمثله الإسلام والمسلمون للمجتمع الدنماركي هو التحدي الحضاري، وهو ما كانت قد أشارت إليه ملكة الدنمارك إليزابيث الثانية في كتاب مذكراتها عام 2004، حيث قالت: «إن الإسلام يشكل تحدياً للقيم الغربية والدنماركية».
لذلك، فإنه حين يعرض البعض صورة مشرقة عن التسامح مع المسلمين في الدنمارك، كما فعل ناصر خضر النائب في البرلمان الدنماركي في مقابلة سابقة مع «الأخبار»، يكون قد أعطى في الحقيقة صورة مضللة، بل معكوسة إلى حد كبير. والمفارقة الغريبة أن يضرب خضر نشاط حزب التحرير في الدنمارك مثلاً على التسامح مع المسلمين، في الوقت الذي يقبع فيه الممثل الإعلامي لحزب التحرير في الدنمارك الآن في السجن بسبب توزيع نشرة تكشف مجازر أميركا في الفلوجة، وتفضح جرائم الاحتلال في فلسطين. وهذا يستدعي إلى الذاكرة ما صرح به رئيس المخابرات الدنماركية لارس فنسن سنة 2005 من أن ما يدعو إليه حزب التحرير، وهو إعادة الدولة الإسلامية في بلاد المسلمين، هو وجهة نظر «إرهابية» تجب مقاومتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه المناسبة: هل كان لنائب مثل ناصر خضر أن يصل إلى منصبه هذا، لولا التبرّؤ من الشريعة الإسلامية، وهو الأمر نفسه الذي طالب به خضر شيرين خانكان رئيسة إحدى جمعيات المسلمين في الدنمارك، حين شنّ عليها هجوماً شديداً لأنها لم تتبرأ من أحكام الشريعة. ففي 17 آذار 2006 كتبت صحيفة برلنسكي تيديند: «ناصر خضر يرى أن لدى شيرين خانكان مشكلة في نظرتها إلى الشريعة، فهي لا ترفض بشكل واضح الشريعة نظاماً للمجتمع»، وتنقل قوله: «إن أراد مسلم أن يكون ديموقراطياً يجب أن يرفض كون الشريعة قانوناً، وإلّا فإنه يقبل نظام الحكم الإسلامي، حيث الشريعة تحكم كل شيء، حتى قوانين السير». بل بلغ حرصه على منصبه لدرجة أنه أعلن رفضه قرار والدته ارتداء الحجاب، معرباً عن كراهيته أن تفعل أمه ذلك.
* نائب الممثّل الإعلامي لحزب التحرير في الدنمارك