فاطمة أمين

خلال الشهر الحالي، ملأت لوحات الإعلان في بيروت والمناطق صور جديدة، منوعّة، ومشوقة.
صورة لطفل صغير مع عبارة: قبل أن تتنفس. صورة مأخوذة من الخلف، لرجل يحتضن امرأة استعداداً لأن يلتقط أحدهم صورة لهما، ورجل آخر يجلس بجانبهما ويمسك سراً يد المرأة، مع عبارة: قبل أن تستنتج.
صورة أخرى لشاب مع لوحة البورصة، مع التعليق: قبل أن تستثمر.
صورة لولد مع عبارة: قبل أن تنجرّ. وأيضاً صورة لرجل قبيح، ومخيف، ملطّخ بالدماء ويحمل سلاحاً أمام خلفية لدمار وحريق، مع التعليق: قبل أن تتكرّر.
لطالما لاقت الإعلانات من هذا النوع شعبيتها بين الناس، وخاصة الشباب، إذ إن الحماسة لمعرفة الرسالة من هذه
الإعلانات، أو التفكير بماهية السلعة أو الشركة صاحبة الإعلان، تجعلك تنتظر أن يتغير الإعلان خلال أيام لتعرف إن كان ما فكّرت فيه صحيحاً أو لا.
وكنت من الذين أحبوا الفكرة، وتوقيتها، والتعليقات... وخاصة: قبل أن تتكرر وقبل أن تنجرّ. وانتظرت النصيحة التي سيوجهها الإعلان التالي. أحببت فكرة التذكير ببشاعة الحرب الأهلية، وفكرة التلميح إلى عدم الانجرار مع تيارات العنف الموجودة في البلد.
وجاء موعد الإعلان التالي، وما أدراك ما الإعلان التالي؟!
تحت كل تعليق سابق، أُضيف: شاهد قناة المستقبل الإخبارية أولاً. ابتداءً من 21 تشرين الثاني 2007. على الصعيد الشخصي استسخفت الإعلان برمته، إذ لا رابط بين تنفس الطفل والأخبار، ولا تأثير لنشرات الأخبار بعدم انجرار الأولاد، وخاصة مع عدم موضوعية وسائل الإعلام اللبنانية، التي أصبحت كمرآة تعكس جشع الطوائف والساسة الكرام ورجعيتهم.
وكنت كلّما مررت مع أصدقائي أمام الإعلانات، أسألهم عن رأيهم فيها، وتكون أجوبتهم بما معناه: «شو خصّ؟». في تحليل الإعلان العزيز على قلبي المتعلق بالحرب الأهلية، الذي كنت أتوقّع منه أن يكون تعويذة تُبعد عنا شيطان الحرب، كان أفضل بكثير لو كُتب: كي لا تتكرر...
وليس قبل أن تتكرر. أقلّه لا تُثير الجملة الرعب فينا! وكأن الحرب آتية وستتكرّر، فقبل أن تتكرر استعجل وشاهد الأخبار أولاً! وخاصة أن تاريخ 21 تشرين الثاني كان موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وكان الشارع
اللبناني متخوفاً من مفاعيل هذا التاريخ.
منذ نشر الإعلان، صرت أخاف من الرجل القبيح في الصورة، رغم علمي بأنه ممثّل، وصرت أخاف من الرقم 21
الأحمر، الملتصق برأسه.
منذ يومين أرسلت لصديقي رسالة هاتفية، فرّد برسالة كتب فيها: It’s not funny . فلمصمّم هذا الإعلان أقول: It’s not funny .
فمن المفروض أن تكون الإعلانات الموجّهة أكثر مراعاة للمشاهد، وأن تكون ذات معنى.
كي لا تتكرر إعلانات كهذه... استوجب الأمر الكتابة.