strong>عثمان تزغارت *
برحيل طوني بلير من 10 داوننغ ستريت، خسر الرئيس الأميركي جورج بوش «تابعاً وفياً» وصل الأمر بالصحافة البريطانية في إحدى المرات إلى حدّ وصفه بـ«كلب بوش الوديع». لكن الرئيس الأميركي سيجد البديل من دون شك، في شخص وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير. بل أكثر من ذلك، فالوزير الفرنسي لا يكتفي فقط بأداء دور «الكلب الأليف»، الذي يتلذّذ بالتمسّح بأرجل صاحبه، بل يريد أن يكون «كلب صيد» يساعد بدور فاعل في تقفي الطرائد، راكضاً أمام سيّده ليكشف له أين تتخفّى الفريسة المثالية، ويضعها في مرمى نيرانه.
قبل أن تحتّج، عزيزي القارئ، بأن هذا التوصيف قد يكون قاسياً أو مبالغاً فيه، أودّ ـــــ للأمانة ـــــ القول بأنه ليس من عندي، فقائله نائب في البرلمان الفرنسي، هو زعيم حزب «الخُضر»، نويل مامير.

ساركوزي مكان بلير

لقد كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي صريحاً منذ البداية، حين قال في برنامجه الانتخابي إنه يريد وضع حدّ لـ«العجرفة الفرنسية» المعادية للولايات المتحدة. لكن لم يكن أحد يتصوّر أن 3 أشهر فقط ستكون كافية لتبديد الإرث الشيراكي المعارض للهيمنة الأميركية، وإطلاق رصاصة الرحمة على «سياسة فرنسا العربية»، الموروثة عن العهد الديغولي، والتي كوّنت إحدى ثوابت الدبلوماسية الفرنسية على مدى نصف قرن، قبل أن يحدث الإجماع فجأة بين كافّة مرشّحي الرئاسة الفرنسية في انتخابات الربيع الماضي ـــــ اليساريون منهم واليمينيّون، على السواء ـــــ بأنّها كانت مجرد «أسطورة» لا معنى ولا وجود ملموسان لها!
لم تكن ميول ساركوزي الأطلسية خافية على أحد، فهي معروفة ومعلنة منذ سنين طويلة. لكن غالبية المحلّلين الفرنسيين راهنت على أنه بعد انتخابه سيكبح جموح تلك الميول، مراعاة للرأي العام الفرنسي المعارض لأيّ تقارب مع الولايات المتحدة. فنزيل قصر الإليزيه الجديد يدرك أكثر من غيره استحالة ممارسة الحكم بشكل مضاد لتوجّهات الرأي العام الفاعل في بلد مثل فرنسا، حيث يعدّ ذلك مجازفة مريرة العواقب، كان قد جرّبها الجنرال شارل ديغول بعد انتفاضة طلبة الجامعات، في أيّار 1968. ثم عرف التجربة القاسية ذاتها، بعد ذلك التاريخ بثلث قرن، غريم ساركوزي الأبرز في صفوف اليمين، رئيس الحكومة السابق دومينيك دوفيلبان، حين استخفّ بانتفاضة طلبة المدارس والجامعات، وأصرّ على إمرار قانون «عقد العمل الأول» (cpe) بالقوّة في البرلمان. فإذا بالشارع يلتهب ويجبره على تراجع قاس أطاح نهائياً حظوظه في التنافس على الرئاسة.
لذا، لم يأت اختيار كوشنير وزيراً للخارجية من الرئيس ساركوزي اعتباطياً. ولم يندرج فقط ضمن مساعي انفتاح الرئيس الفرنسي الجديد على قوى اليسار التي يُعدّ كوشنير من رموزها الإعلامية البارزة.

يسار الكافيار

كان ساركوزي بحاجة إلى «شاهد أخلاقي» يساري لإمرار هذا المنعطف اليميني المتمثّل في إعادة السياسة الخارجية الفرنسية إلى أحضان حلف شمالي الأطلسي، بعد القطيعة التي أسّس لها ديغول حين خرج من الحلف، موصداً خلفه الباب بعنف، قبل نصف قرن، مطلقاً جملته الشهيرة التي وصفه فيها بأنه «شيء» عديم الأهمية! (Un machin sans importance)
كان كوشنير المرشّح المثالي لأداء هذا الدور، بعدما اعتذر وزير الخارجية الأسبق هوبير فيدرين. فرغم أنّ كوشنير لم تُعرف عنه حنكة سياسية أو مِراس دبلوماسي، يحظى بميزة نادرة تتمثل في كونه يعدّ منذ ما يقارب العقدين «الشخصية العمومية» الأكثر شعبية في فرنسا. لكنها شعبية أقرب إلى شعبية باريس هيلتون منها إلى شعبية ميتران أو شيراك! والسبب في ذلك أن كوشنير، الذي بدأ طالباً ماوياً، سرعان ما اجتذبه بريق الكاميرات، فأصبح أحد أبرز رموز ما يسمى في فرنسا «يسار الكافيار»!
يكفي مثال بسيط لتقريب صورة المفارقة الفاقعة التي تتضمنها تسمية «يسار الكافيار» إلى القارئ العربي: فمنذ أن سطع نجم كوشنير، مطلع السبعينيات، بوصفه مؤسس جمعية «أطباء بلا حدود»، ثم تحوّله في نهاية الثمانينيات إلى النشاط السياسي، وزيراً للعمل الإنساني في بداية الولاية الثانية للرئيس ميتران، وهو يتصدّر استطلاعات الرأي بوصفه «الشخصية العمومية» الأولى المحبّبة لدى الفرنسيين، ولم يحدث بتاتاً أن نزلت شعبيته تحت عتبة السبعين في المئة. ومع ذلك، فهو لم يدخل معتركاً انتخابياً إلا خسره! تكرّر ذلك ثلاث مرات في الانتخابات البرلمانية والجهوية لأعوام 1988 و1994 و1996، حيث لم يستطع كوشنير أن يستقطب أكثر من 29 في المائة من الأصوات. الشيء الذي دفعه إلى العزوف نهائياً عن ترشيح نفسه لأيّ انتخابات بعد ذلك، مكتفياً بالشعبية التي يحظى بها في وسائل الإعلام، حيث ظلّ بمثابة الشخصية المحبّبة الأولى.
اللافت أن تلك «الشعبية» الإعلامية لم تتأثر أخيراً بالجدل الذي أثارته «خيانة» كوشنير لليسار، الذي ينتمي إليه منذ أربعين عاماً، وانضمامه إلى حكومة ساركوزي اليمينية.
لقد أدرك الرئيس ساركوزي أهمية تلك الهالة الإعلامية التي يحظى بها كوشنير، وأتقن استعمالها ستارة من دخان لإمرار التوجهات الأطلسية لسياسته الخارجية، دون أن يثير عليه سخط الرأي العام الفرنسي.
كان بالون الاختبار الأول هو إرسال كوشنير في زيارة رسمية إلى بغداد، في توقيت تم اختياره بدقة (19 آب) ليتزامن مع إجازات الصيف، حيث البرلمان مغلق، وغالبية الفرنسيين مشغولون عن السياسة وشجونها بمسرّات الاصطياف ومتَعه.
أقام كونشير ثلاثة أيام كاملة في المحمية الأمنية الأميركية في «المنطقة الخضراء» من بغداد. ومع ذلك، لم ينطق بكلمة واحدة عن الاحتلال، مكتفياً بتوصية العراقيين بالصبر إلى أن تنضج شروط عودة السلم والأمن.
ولم يكد يهدأ الجدل الذي أثارته تلك الزيارة، حتى أطلق كوشنير زوبعة جديدة، تجاوزت حدود فرنسا، بتصريحاته المهدّدة بالحرب على إيران، في 16 أيلول الماضي.
بين زيارة بغداد وتهديد إيران بالحرب، مرّ شهر كامل تركّزت فيه الانتقادات والهجمات على كوشنير. الشيء الذي الّف ستارة دخانية أتاحت لساكوزي أن يمرّر عدداً من القرارات الأكثر أهمية وخطورة، والهادفة ـــــ مثلما وعد خلال حملته الانتخابية ـــــ إلى وضع حدّ لـ«العجرفة الفرنسية» المعادية لأميركا. وحدث ذلك دون أن تُثار أيّ ردود فعل أو احتجاجات من الرأي العام الفرنسي.
في 27 آب الماضي، كشف ساركوزي أمام الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا أنه سيعمل على إقناع أقرانه في الاتحاد الأوروبي بوضع سياسة الدفاع الأوروبية تحت وصاية حلف الأطلسي، بحجة تحقيق تكامل في الجهود بين ضفتي الأطلسي في الحرب على الإرهاب.
لم ينتظر الرئيس الفرنسي حتى يتحقّق الإجماع أوروبياً على هذه القضية الإشكالية، فبعد ثلاثة أيام فقط من ذلك الخطاب، صدرت أوامره بنقل القوات الجوية الفرنسية في أفغانستان من قاعدة مدنية كانت تتخذ منها مركز قيادة مستقلًّا، قرب كابول، إلى قاعدة عسكرية تابعة لحلف الأطلسي في قندهار، حيث وُضعت القوات الفرنسية، تحت القيادة العسكرية الأميركية المباشرة، للمرة الأولى منذ بدء عملها في أفغانستان، قبل خمس سنوات.

الستارة الكوشنيرية

ولكي يكتمل هذا التوافق الفرنسي ـــــ الأميركي الجديد، أقدم الرئيس الفرنسي على خطوة أخرى تتعلّق بتركيا، التي تؤيّد واشنطن بقوة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فيما يواجه ذلك معارضة كبيرة في معظم الدول الأوروبية، وبالأخص في فرنسا.
كان الملف التركي موضوعاً مركزياً في حملة انتخابات الرئاسة الأخيرة، حيث تعهّد ساكوزي خلالها أنه لن يقبل بأن تنضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهو رئيس للجمهورية. لكن موقفه انقلب فجأة، إثر اللقاء الصيفي الذي جمعه بالرئيس بوش، خلال إجازته في أميركا، أواخر آب الماضي، ليعلن تأييده فتح «جولات أخرى» من المفاوضات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، غير تلك المقرّرة بعد 15 سنة.
بموازاة ذلك، شرع وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي، جان بيار جوييه، في حملة لافتة لإقناع المفوضية الأوروبية بإلغاء بند ينصّ على إخضاع انضمام أيّ دول جديدة إلى الاتحاد الأوروبي للاستفتاء الشعبي. الشيء الذي فُهم منه بوضوح أن الرئيس الفرنسي يعتزم تأييد انضمام تركيا، لكنه يخشى أن يجد نفسه في مأزق مماثل لذلك الذي وقع فيه سلفه جاك شيراك حين اعترضت غالبية الفرنسيين على الاستفتاء المتعلق بالدستور الأوروبي.
هذه القرارات التي أقدم عليها الرئيس ساركوزي، خلال أقل من شهر واحد، مثّلت انقلاباً جذرياً عصف بأبرز المقوّمات التي كانت تعدّ، منذ نصف قرن، من مسلّمات السياسة الخارجية الفرنسية. مع ذلك، فقد مرّت جميعاً «مثل رسالة في البريد»، حسبما يقول المثل الفرنسي، أي دون إثارة أيّ جدل أو اعتراض. وهو ما لم يكن ليتحقق لولا بركات «الستارة الكوشنيرية»، التي جعلت الأنظار كلها مركّزة على الشطحات الإعلامية التي يتقن كوشنير التلاعب من خلالها بالرأي العام، عبر إطلاق التصريحات الفاقعة والمبادرات المثيرة للجدل، ثم التراجع عنها بسرعة أو تخفيفها، بعد أن تكون قد أدّت الدور المُراد لها في توجيه الرأي العام أو شغل انتباهه...
بالرغم من كل هذا الذي ذكرناه، لا يصحّ القول بأن التحالف بين ساركوزي وكوشنير كان مجرد «زواج مصلحة» بين رئيس يميني يهمّه استقطاب منشقّين يساريين، ووزير يساري النشأة وجد ضالته أخيراً، وإن في حكومة يمينية، بعدما ظلت أحزاب اليسار تنظر إليه بفوقية، رافضة أن تمنحه أيّ منصب مهم يتعدّى مستوى نائب وزير للصحة، بالرغم من أن استطلاعات الرأي تراه الشخصية المحبّبة الأولى لدى الفرنسيين، منذ عشرين عاماً.
ما يجمع بين ساركوزي وكوشنير أيضاً توافق فكري مهم، يتمثل في معارضة كليهما المعلنة لـ«المفهوم الغربي» للدبلوماسية الذي يعيبان عليه أنه يجعل الدول الديموقراطية مستسلمة وعاجزة في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية والدول المارقة.
في كتابها عن اليوميات السرية لحملة ساركوزي الرئاسية، نقلت الكاتبة ياسمينة رضا عن ساركوزي قوله: «يجب أن أتخلّص من الـ(كي دورسيه) (أي كوادر وزارة الخارجية).. إنني أحتقر كل هؤلاء، لأنهم جبناء»!
الدبلوماسية التوفيقية والتفاوضية، التي طالب دوفيلبان، في خطابه الشهير في مجلس الأمن، قبيل حرب العراق، بـ«إشهارها سلاحاً من أجل معركة السلام لا الحرب»، تعدّ في منظور ساركوزي جُبناً وضُعفاً. الأمر الذي يتوافق تماماً مع «دبلوماسية القوة»، التي كان كوشنير أول منظّريها وأبرزهم، منذ ثمانينيات القرن الماضي.

دبلوماسية القوّة

يجب هنا التذكير على أن كوشنير هو الذي ابتدع مبدأ «حق التدخل الإنساني»، الذي كانت الولايات المتحدة سبّاقة نحو تجريبه في الصومال، في منتصف التسعينيات، فأسفر عن النتائج الكارثية المعروفة. لكن ذلك لم يمنع الأمم المتحدة من تبنّيه لاحقاً رسمياً، وتطبيقه ـــــ مثلاً ـــــ في كوسوفو، حيث لم يكن من المصادفة اختيار كوشنير حاكماً مفوّضاً باسم الأمم المتحدة هناك. وبذلك كان هو ـــــ لا بول بريمر ـــــ أول حاكم أجنبي أدار سلطة احتلالية فوق أراضي بلد مستقلّ، منذ جلاء الاستعمار وانتصار حركات التحرر في ستينيات القرن الماضي.
كذلك فإن كوشنير سبق «المحافظين الجدد» الأميركيين، بأكثر من عقد ونصف من الزمن، في التنظير لما سمّاه «تأميم مفهوم العمل الإنساني»، من أجل تحويله من جهد خيري غير حكومي تتولّاه الجمعيات الأهلية وتنظيمات المجتمع المدني إلى «مسعى حكومي مرافق ومكمّل لعمليات التدخل العسكري الهادفة لنشر الديموقراطية وحقوق الإنسان».
كان كوشنير أول من طوّر هذا المفهوم، خلال مؤتمر حول «حق التدخل الإنساني» عقده في باريس، سنة 1987، بالاشتراك مع رفيقيه المتصهينين برنار هنري ليفي وأندري غلوكسمان. فإذا بتلك النظرية تجد طريقها للتطبيق على أيدي «المحافظين الجدد» الأميركيين، خلال الحرب التي أتبعت هجمات 11 أيلول 2001 في أفغانستان، حيث جعلوا طائرات الغوث الإنساني ترمي المؤن الغذائية فوق رؤوس سكان أفغانستان أثناء فُسح الوقت الضائع الفاصلة بين الغارات الجوية التي كان السكان ذاتهم يُقصفون خلالها بالقنابل!
إن «دبلوماسية القوة» هذه، التي تستهوي الرئيس ساركوزي، والتي يعدّ وزيره كوشنير رائداً في التنظير لها، هي «دبلوماسية الهيمنة» ذاتها التي حذّر منها وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، هوبير فيدرين، عام 2003، في كتابه «في مواجهة القوة العظمى»، قائلاً: «إن الدول المهيمنة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تعتقد أنها ربحت معركة التاريخ نهائياً. لذا فهي ترى السياسة الخارجية أمراً ثانوياً. فالسياسة الخارجية تتطلب منا التفاوض مع شعوب أخرى لا تتقاسم معنا الأفكار والقيم ذاتها. أما في منظور الدول المهيمنة، فلا مجال ولا حاجة للتحاور مع هؤلاء، بل هم يعدّون قوماً مارقين تجب إدانتهم. وإذا تمادوا في رعونتهم، فيجب قصفهم».
تُرى هل خطر في ذهن فيدرين، حين كتب ذلك، في أعقاب الكارثة التي أسفر عنها احتلال العراق، أن «دبلوماسية الهيمنة»، سيصار إلى تبنّيها، بعد أقل من أربع سنوات، من الثنائي ساركوزي ـــــ كوشنير؟

وداعا للثورة الفرنسية

من كان يتصوّر أن فرنسا، التي ظل إشعاعها الإنساني مشرقاً عبر العالم، منذ ثورة 1789، يمكن أن تقع في مثل هذه الانتكاسة التي لا تحيل فقط إلى فكر «المحافظين الجدد»، الذي بات مرفوضاً من 70 في المائة من الأميركيّين أنفسهم، بل إلى مفهوم بائد، ضارب في القدم، يعود إرثه إلى الإمبراطورية البيزنطية، حيث كانت الإدارة المكلفة بالسياسة الخارجية في بيزنطيا تسمى «مكتب البرابرة». والبرابرة ـــــ بالمفهوم الإمبريالي ـــــ هم بالطبع كل الشعوب غير المنضوية تحت راية الإمبراطورية!
مثل هذه الرؤى تزجّ بأصحابها نحو بوست ـــــ كولونيالية تنظر إلى باقي شعوب العالم على أنهم من الهمج الذين يجب تلقينهم الحضارة، عبر تعليمهم القيم الإنسانية الغربية السامية.
الحوار الدبلوماسي يفترض الاستعداد للأخذ والعطاء مع الآخر، لمخاطبته والاستماع إليه. أما من يعتقد أنه يحتل موقعاً يعلو على بقية الشعوب أو على التاريخ ذاته، فإنه لا يتطلّع لمحاورة الآخرين أو التفاوض معهم، بل يدّعي لنفسه شرعية إعادتهم إلى ما يراه «الطريق القويم»، بالمعنى الأخلاقي أو السياسي أو الديني.
اللافت أن «دبلوماسية الهيمنة» الصدامية هذه يقع فيها جميع من يؤمنون بأن لهم حق الوصاية على آخرين أو أن لديهم مرجعية سامية أو مقدسة ـــــ دينية كانت أم فكرية ـــــ تخوّلهم امتلاك الحقيقة المطلقة حول مفاهيم الخير والشر، والخطأ والصواب. يستوي في ذلك تطرف أصوليي «القاعدة» ودوغمائيي «المحافظين الجدد».
والأدهى أن أنصار مثل هذه الأصوليات أو الدوغمائيات الإمبريالية الجديدة يغفلون ـــــ مثلما يقول المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه، في كتابه الأخير «حوار الحضارات: أسطورة معاصرة» ـــــ أن التاريخ علّمنا أن جميع من يمتلكون برابرة (أي لديهم أعداء يحاربونهم على هذا الأساس) يصبحون بدورهم برابرة، لأن الدخول في مواجهات صدامية مع البرابرة يجعلهم ينساقون نحو الهمجية ذاتها التي كانوا في البداية يعيبونها على برابرتهم!

* كاتب وصحافي جزائري مقيم في باريس