فداء عيتاني
نقص سرديّ وعمق في الرصد


يراكم كميل الطويل رواياته على لسان أبطالها الأصليين، ليؤلف مشهد «أخوات القاعدة» قبل وصف القاعدة وصعود نجمها وعملياتها، في كتابه الجديد «القاعدة وأخواتها: قصة الجهاديين العرب»، الصادر عن دار الساقي.
ويذهب الطويل في رحلة أرشيفية تاريخية، يُخرج خلالها ما تراكم من ملفات ومقابلات لديه، خلال عمله على الحركات الإسلامية في جريدة «الحياة»، ورحلاته التي قادته إلى العديد من العواصم، ولقاءاته مع مختلف قيادات المجموعات الإسلامية، من الجزائرية وصولاً إلى مختلف الأفغان العائدين.
وبعد كتابه «الحركات الإسلامية المسلحة في الجزائر»، الصادر عام 1998، الذي يعدّ أحد المراجع الرئيسية في تاريخ الحركات الجزائرية، يتجه الطويل نحو تكريس دوره كأحد مؤرخي الحركات الجهادية في كتابه الجديد. ويفرض كتابه ضرورة لأي مهتم بالملف الجهادي، أو أي متابع له، وممراً إجبارياً للقرّاء المختصين، دون أن يتدخل الكاتب في الكثير من المواقع في نص الكتاب، تاركاً التاريخ يسرد نفسه على لسان أبطاله.
ويتخصص الكتاب في سرد تاريخ الحركات التالية: «جماعة الجهاد» المصرية، «الجماعة الإسلامية المسلحة» الجزائرية، «الجماعة الإسلامية المقاتلة» الليبية. ويستعرض تاريخ علاقاتها مع الجماعات الإسلامية المختلفة في محيطها الحيوي. وهو ينطلق تاريخياً من بدايات الجهاد العربي في أفغانستان عام 1979، وينتهي في الأعوام الأخيرة التالية على غزوة مانهاتن، ويتابع أدق التفاصيل في العلاقات القائمة بين هذه المجموعات وبين التنظيمات الأخرى، وخاصة القاعدة، منتقلاً في سرده ما بين أفغانستان وليبيا والجزائر واليمن ومصر والسودان، وصولاً إلى إشارة سريعة ومقتضبة إلى لبنان.
ويتحفّظ الكاتب (وهو أمر مفهوم) عن ذكر عدد من مصادره وبعض معلوماته، فيما يورد الأحاديث التي أجراها مع قادة في الحركات الإسلامية في ليبيا ومصر والجزائر، إضافة إلى عدد من الأمنيين في الدول المعنية بحلقات الجهاد ومحاكمات المجاهدين. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يورد الكاتب لقاءاته مع نعمان بن عثمان وعبد الناصر الجراري من ليبيا، وعبد الله أنس من الجزائر وهاني السباعي من مصر، وعصام دراز ضابط المخابرات المصري، كما يسرد تفاصيل من محاكمات لجهاديين في دول عربية وغربية خاصة، حضرها بنفسه.
ويؤسس الكتاب لفهم تاريخية الحركات الجهادية الأكثر قرباً من تنظيم القاعدة، ورؤية الخلافات بين هذه التنظيمات وبين تنظيمات أخرى ابتعدت عن التحالف مع تنظيم القاعدة، ضمن ما سيُعرف ابتداءً من عام 1998 بـ«الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين»، التي تعرف اليوم باسم مكوّنها الأقوى «تنظيم القاعدة».
وعلى أهمية إيراد النصوص الأساسية للمقابلات التي أجراها الكاتب مع القادة الجهاديين في مختلف أصقاع العالم، إلا أن النص ككل يفتقد إلى سياق ووجهة نظر تحليلية لكل ما جرى تجميعه من مواد ومعطيات ومعلومات حساسة. وإن كان ذلك لا ينقص من أهمية الكتاب، إلا أنه يحوّله إلى مرجع ومادة خام للدارسين والمتابعين، أكثر منه «قصة الجهاديين العرب». اللهمّ الا إذا اعتبرنا أن ما يرويه الجهاديون أنفسهم هو القصة. لا بد من الإقرار للكاتب بحسن المتابعة والعمق في البحث عن أصول وتطور الحركات الإسلامية الجهادية التي استهدفها في نصه، وخاصة تحقيق النص لهدفه الذي يوجزه الكاتب في مقدّمته: رصد تطوّر ثلاث حركات جهادية في ثلاث دول عربية، وإسهام تجاربها في تكوين «القاعدة» بصورتها الحالية. وبهذا المعنى، فإنّ الكتاب مرجع لأخصّائيين ووثيقة قائمة بذاتها، يمكن الركون إليها والاعتماد عليها في أيّ عمل مستقبلي يحاول التعمّق في الحركات الجهادية في الدول المعنية، وليس فقط في الحركات الرئيسية الثلاث التي يستهدفها الكتاب بخاصة.
* من أسرة الأخبار



العنوان الأصلي
القاعدة
وأخواتها: قصّة الجهاديّين العرب

الكاتب:
كميل الطويل
الناشر
دار الساقي