علي السوداني *
لا يوجد حتى اللحظة إحصاء دقيق وموثّق قادر على تغطية المشهد الإعلامي في العراق بعد احتلاله في عام 2003، إذ تشظّى هذا المشهد بطريقة غير مسبوقة، لا على مستوى العراق فحسب، بل على مستوى وقياس المنطقة كلّها، لينتج عشرات الصحف اليومية والأسبوعية التي تفيد إحصاءات متفرّقة بأنها قد تجاوزت حاجز المئة، فضلاً عن عدد كبير من الفضائيات والمحطات الإذاعية، وإضافة إلى ما صار يُعرف لاحقاً بالإعلام الإلكتروني، وهو عبارة عن جرائد إلكترونية ومواقع ومنتديات بعضها يصدر بصورة شخصية وبعضها الآخر عامّ. لقد رافقت هذا الانفجار الكبير في وسائل الاتصال فوضى عارمة وابتعاد شاسع عن المهنية والأمانة الصحافية، إذ لا قانون يحكم هذه الثورة الجديدة التي وجدت نفسها مسحولة إلى اشتراطات طائفية وحزبية بل حتى عشائرية، ما أفقدها مهنيّتها وصدقيتها وحياديتها، وربما كان المشهد في بعض التماعاته لا يخلو من إبداع وخلق ثقافي وإعلامي ملتزم. وهذه قراءة في بعض مواقع الإنترنت
وعملها:
وكالة الأخبار العراقية: (www.iraq4allnews.dk)
تأسّست عام 2006 في الدنمارك، وهي نسخة أخرى من موقع «العراق للجميع»، ويشرف عليها اليوم الصحافي ضياء الكواز وكادر من الصحافيين والكتّاب العراقيين والعرب.
موقع الوكالة على الشبكة الدولية للمعلومات منوّع لا يقتصر على الشأن السياسي بل يتعدّاه إلى معالجات وتقارير في الثقافة والفن والأدب والرياضة، تعتمد في تغطيتها للأخبار العاجلة على شبكة من المراسلين في أوروبا وأميركا وكندا وأوستراليا، وأيضاً في مراكز الحدث في بغداد ودمشق وعمان والقاهرة، وفي منطقة الخليج العربي. انضم الى أسرة الوكالة أخيراً عدد من الكتّاب والإعلاميين الذين كانوا محسوبين ضمن كوادر الإعلام العراقي في زمن صدام حسين، ومنهم مدير دائرة التوجيه السياسي والعسكري حتى سقوط بغداد عبد الجبار محسن، وقد تبدلت رؤاه ولهجته ومعالجته للشأن العراقي، مبتعداً عن معتقداته السابقة إلى حد يرى أنه سيتجنّب من خلاله هجمات المعارضين والموالين معاً، وهذا ما صار إليه حشد من كتّاب النظام السابق الذين رموا بأنفسهم من السفينة قبل غرقها.
موقع الحافة www.iraq-na.com
وهو موقع ثقافي صرف أسّسته مجموعة من الأدباء العراقيين في المنافي، وهو لا يختلف كثيراً عن مواقع الثقافة العراقية الأخرى، فالمشاكل تبقى نفسها، منها ما يتصل بالتمويل ومنها ما يخصّ المواد المنشورة. فقد صار شائعاً أن تقرأ قصيدة لسعدي يوسف أو حواراً مع فؤاد التكرلي أو مقالاً لجمعة اللامي منشوراً في غير موقع وجريدة إلكترونية. والأنكى أن بعض تلك المواقع تقوم بسرقة النصوص والأخبار حتى من دون الإشارة إلى مصدرها الأوّل. وهناك أسباب عديدة لهذه الظاهرة غير الصحية منها عدم وجود قانون نشر ينظّم عمل هذه المطبوعات الإلكترونية. كذلك فإن السواد الأعظم من تلك الوسائل التي تعاني أزمة مادية، لا تكاد تقدر معها حتى على تسديد فاتورة الحجز والنشر والعاملين الذين لا يتجاوز عددهم في بعض المواقع الناشر الشخصي، لذلك فهم على عكس الجرائد والمجلات الورقية لا يقدمون أية مكافأة مادية للكتّاب. ولمعالجة وتأويل تلك المعضلة تحاول مجموعة «الحافة» الفتية والطموحة طرح الأمر مبطّناً وعائماً ورومانسياً، إذ يكتب ناشرها بلغة أدبية على سبيل المثال: «عندما نجلس على الحافة، عندما نعبث بخاتمنا، عندما يقع الخاتم في البئر، عندما نرمي الدلو وننسى الحبل، عندما لا نملك سنّارة ولا أسماكاً، عندما لا نفتح بطن الحوت، عندما لا يونس ولا هم يحزنون، عندما يغرق قراصنة في البئر، عندما نفقد الخاتم والى الأبد، علينا أن لا نغتمّ، فنحن من اختار البقاء على الحافة...».
يحتوي الموقع، الذي يُحدَّث في فترات غير منتظمة، على مواد ثقافية وأدبية في الشعر والقصة القصيرة والفن التشكيلي والغناء والمسرح وفنون جميلة أخرى. وتتم قراءة الموقع وتصفّحه من طريق الرابط التالي: www.alhafh.com/
موقع «المجلس العراقي للثقافة» (www.almajlis.org)
انطلق عمل الموقع في النصف الثاني من عام 2007 بناء على توصية صدرت عن اجتماع «المجلس العراقي للثقافة» الذي انعقد في العاصمة الأردنية عمان، وحضره عدد كبير من الأدباء والفنانين من داخل العراق وخارجه، والسياسيين والإعلاميين. ويبدو أنّ هذا الموقع هو الوحيد حتى اليوم من بين المواقع الإلكترونية العراقية الذي ينام على موازنة ضخمة هي مدفوعات شخصية من مؤسّس المجلس وأمينه العام الإعلامي إبراهيم الزبيدي، الذي تبرّع بأكثر من ربع مليون دولار لفعاليات المجلس واجتماعاته، وكذلك لموقع المجلس الذي استكتب مجموعة من الكتّاب مقابل مكافأة مادية، كما هي الحال مع الصحافة المطبوعة. وفي قراءة لنظام المجلس وأهدافه البعيدة والقريبة، يمكن القول إنّ عمله يقترب من عمل وزارة خاصة في ما يتصل بالمهرجانات والاجتماعات الدورية، ودار النشر التي أعلن تأسيسها، وجائزة المجلس للإبداع، وغيرها من الفعاليات الضخمة، ما أبقى التساؤل عن التمويل والجهة الداعمة له قائماً، ولم تكن مقنعةً إجابة مؤسّسه بالتمويل الذاتي أو
الشخصي.
ولا يخفي عدد من المشتغلين في الموقع وفي إدارة المجلس، الدوافع السياسية التي صاحبت انطلاقه إلى جانب الدافع الثقافي، وإن كان خطاب الموقع أميل إلى الحيادية والهدوء وعدم الخوض في بعض «المحرّمات»، من بينها إبعاد الخطاب الثقافي عن قضية جوهرية ومهمة هي مسألة الاحتلال الأميركي الهمجي للعراق، وكذلك الغياب الواضح لباب «أدب المقاومة» مقابل كتابات وحوارات تتحدث فقط عن الإرهاب وإدانته، وفي ذلك فشل ربما كان مقصوداً في عملية فض الاشتباك بين «ميم» المقاومة و«هاء» الإرهاب، ما جعل المجلس هدفاً لانتقادات مريرة من كتّاب وأدباء عراقيين في الداخل والخارج، بمواجهة أدباء انضووا تحت قبّته مؤجلين طرح الأسئلة الكبرى حتى ينجلي الموقف.
* صحافي عراقي